وسام شرف الدين
مع أن استشراء الفساد في النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة ليس مسؤولية الناخب أو المواطن الأميركي، إلا أن هذا الواقع يدفع عموم الأمة الأميركية إلى التنازل عن مصالحها وخياراتها ودورها في تشكيل الحكومة، من دون أن يبدل ذلك من حقيقة أن الحزبين الحاكمين هما المسؤولان عن هذا الحال المرير، وسوف يدفعان عاجلاً أم آجلاً ثمن ذلك، الواحد تلو الآخر.
وقد يبدو للوهلة الأولى بأن الديمقراطيين هم الذين يدفعون الثمن الآن، ولكن هذا التوصيف ليس دقيقاً، بحسب دراسة أجرتها مؤسسة «نيوزويك» التي وجدت بأن ترامب أكثر تضرراً من هاريس في عملية التصويت للحزب الثالث بخسارته المرجحة لحوالي 2 بالمئة من الأصوات، فيما ستخسر هاريس أقل من ذلك.
ومع أنه لا يهمنا كثيراً من سيربح أو سيخسر منهما كونهما وجهين لعملة واحدة، ومرشحين لـ«حزب واحد»، وهو حزب اللوبي الصهيوني ومََن خلفه مِن مجمع الصناعات العسكرية والمال السياسي القذر.
ولذلك، فإن التصويت لمرشح حزب ثالث، سيعني الخروج من إطار النظام الثنائي التقليدي والتصويت لما يؤمن به الناخب حقاً بدلاً من منطق تأييد المرشح «الأقل سوءاً»، علماً بأن هذا النظام الثنائي منسجم مع مصالح الشركات العملاقة ولا يقيم أي اعتبار لمصالح وصحة وتعليم ومستقبل عموم الأميركيين، ومن بينهم العرب الأميركيون الذين تتعرض أوطانهم الأم وشعوبهم لحروب إبادة وجرائم تطهير عرقي من أجل توسيع رقعة ونفوذ إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
وعليه، فقد غدا هذا النظام الثنائي نظاماً فاشياً بكل معنى الكلمة وبات ينبغي إسقاطه، ولا يمكن تحقيق ذلك، إلا عبر التصويت للحزب الثالث الذي ستترسخ مكانته عاماً بعد عام مع زيادة الوعي حول مساوئ النظام الثنائي الذي من المتوقع أن يتهافت تماماً بحلول 2030، لأن غالبية الناخبين سيكونون حينها من الجيل «زد»، وهو الجيل الذي تفوق نسبة استيائه من الحزبين الديمقراطي والجمهوري معدل 80 بالمئة، بينهم ما يربو على 68 بالمئة يساندون القضية الفلسطينية، ويعارضون غطرسة الإدارة الأميركية وسياساتها المتوحشة حول العالم.
إن أياً من الحزبين الرئيسيين لا يمثل مصالح معظم الناخبين الأميركيين، خاصة لجهة الرعاية الصحية وتغير المناخ والعدالة الاجتماعية، ناهيك عن أن الفحوى الحقيقية للديمقراطية تتمثل في التركيز على خيارات الناس وتطلعاتهم، لا على التزاماتهم الحزبية الضيقة.
وأياً كانت النتائج التي ستتمخض عنها الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر، فيجب ألا يقع اللوم على المصوتين الذي قرروا تأييد الحزب الثالث، وإنما لوم النظام الحزبي الثنائي وفشله في ضمان مصالح الناس واحترام تطلعاتهم، فإذا فشل الحزب الديمقراطي في إقناعنا بالتصويت لمرشحيه في مختلف السباقات المحلية والوطنية، وفي مقدمتها السباق الرئاسي، فهل يقع اللوم على مرشحة حزب الخضر جيل ستاين، مثلاً؟
لقد رفض الديمقراطيون الاستجابة لمطالب شرائح واسعة من الأميركيين في وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ووقفوا ضد المنظمات الحقوقية العالمية واستخدموا حق النقض «الفيتو» في أروقة الأمم المتحدة، كما تعاموا عن المطالب الإنسانية بإغاثة المنكوبين والمتضررين من الاعتداءات الغاشمة في الأراضي المحتلة، فضلاً عن تجاهل المطالب الشعبية بعدم استخدام القنابل الأميركية ضد المدنيين من النساء والأطفال واللاجئين، فهل ستاين هي المسؤولة عن خسارتهم لأصواتنا؟
أما الجمهوريون الفاشيون فهم أعداء تقليديون للاجئين والمهاجرين، ناهيك عن كونهم الحلفاء الاستراتيجيين لإسرائيل ولليمين الديني العنصري في الولايات المتحدة، وهم أيضاً لم يقدموا لنا شيئاً لإقناعنا بالتصويت لهم، هل يقع اللوم على ستاين إذاً؟
وعليه، فإن التصويت لمرشحة حزب الخضر يبقى هو الخيار الأخلاقي الوحيد المتاح لعموم الشعب الأميركي، وللمجتمعات العربية والإسلامية الأميركية على وجه الخصوص، لاسيما وأنها تقدم رؤية عادلة ومستدامة لمستقبل البلاد بعيداً عن سياسات الحزبين التي تمعن في تعميق الأزمات.
إن هاريس وبايدن وجميع أعضاء إدارتهما هم مجرمو حرب يجب أن يقادوا إلى محكمة العدل الدولية، فالسجن هو المكان الوحيد الذي يليق بهم، لأن أيديهم ملطخة بدماء أكثر من 300 ألف فلسطيني ولبناني، بينهم كوادر طبية ومتطوعون إنسانيون وصحفيون، وطواقم إغاثة ينتمون إلى عديد الجنسيات العالمية، بما فيها الجنسية الأميركية.
إن وضع يدك –عزيزي الناخب– في يد تلك الحفنة المجرمة هو جريمة موصوفة، ستحل لعنتها علينا وعلى أولادنا وأحفادنا للأبد، فالتصويت لهم يشبه التصويت لهتلر وموسوليني وستالين.
أما تصريحات ومواقف ترامب فهي الأكثر شبهاً بالفاشية بما تنطوي عليه من حض على الكراهية والعنف، ناهيك عن أنه هو الذي أهدى الجولان السوري لدولة الاحتلال، وهو الذي أمر بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهو الذي مارس سياسة التفريق بين الأسر وأطفالهم على الحدود الأميركية، وهو الذي يتوعد بعظائم الأمور، ويتحدث عن توسعة خريطة إسرائيل لأن مساحتها «صغيرة جداً». إن وضع يدك –عزيزي الناخب– في يد هذا الشخص هو جريمة إضافية لن يتحمل ضميرك عواقبها.
أما جيل ستاين، فهي المرشحة الإنسانية التي وقفت منذ صغرها مع قضايا الناس، وهي التي تقف اليوم مع فلسطين غير آبهة بالأثمان، بالإضافة إلى نضالها من أجل القيم والقضايا العادلة الأخرى، ولاشيء يمنعها من الفوز في سباق البيت الأبيض وتنظيف أيدي أميركا من دماء الفلسطينيين واللبنانيين ومسح الغبار عن وجه العالم المدمر إلا ترددك في كسر الصنم الديمقراطي أو الجمهوري.
إنها تستحق صوتك بجدارة، فلا تبخل على نفسك وعليها بصوتك لمساعدتها على كسر الثنائية الحزبية المتحكمة بالولايات المتحدة منذ ما يزيد عن قرنين من الزمن.
Leave a Reply