واشنطن
سجل معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة، تباطؤاً طفيفاً خلال شهر نيسان (أبريل) المنصرم، وسط تشكيك في قدرة إدارة الرئيس جو بايدن على احتواء ارتفاع الأسعار التي تواصل تسجيل مستويات قياسية، لاسيما أسعار الوقود والغذاء.
وأظهرت البيانات الرسمية الصادرة الأربعاء الماضي، ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة بنسبة 8.3 بالمئة مقارنة بشهر أبريل 2021، وذلك بعدما ارتفع بنسبة 8.5 بالمئة في آذار (مارس) السابق، في حين أشارت توقعات المحللين لارتفاعه 8.1 بالمئة.
أما على أساس شهري، فقد ارتفعت أسعار المستهلكين 0.3 بالمئة الشهر الماضي، أي أبطأ من وتيرة الارتفاع الشهري البالغة 1.2 بالمئة في مارس، والتي كانت مدفوعة بارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة، المرتبطة بالغزو الروسي لأوكرانيا، وهي عوامل لا تزال ضاغطة.
وعند استثناء البنود المتذبذبة مثل الغذاء والطاقة، فإن أسعار المستهلكين الأساسية ارتفعت 0.6 بالمئة خلال أبريل على أساس شهري، وبنسبة 6.2 بالمئة مقارنة مع شهر أبريل 2021.
وسجلت أكبر الزيادات في أسعار الغذاء والسكن وتذاكر الطيران وتكاليف السيارات الجديدة.
وتظهر تلك البيانات، الضغوط التضخمية على مستوى أكبر اقتصاد في العالم والتي تثقل كاهل الأسر وتحفز الاحتياطي الفدرالي على رفع أسعار الفائدة.
من جانبه، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، عشية صدور أرقام التضخم الجديدة، أن مكافحة هذه المعضلة هي التحدي الاقتصادي الأكبر لإدارته، وأعرب عن دعمه لجهود الاحتياطي الفدرالي للسيطرة على التضخم عبر رفع معدلات الفائدة.
أسعار الوقود
واصلت أسعار الوقود في ميشيغن، خلال الأسبوع الماضي، تسجيل أرقام قياسية جديدة بشكل يومي، وسط توقعات باستمرار المنحى التصاعدي للأسعار نتيجة ارتفاع الطلب مع حلول الصيف وموسم السفر البري.
ووصل سعر غالون البنزين الخالي من الرصاص إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ الولاية متجاوزاً 4.35 دولار للغالون الواحد يوم الأربعاء المنصرم، كما سجل سعر الديزل مستوى قياسياً جديداً عند 5.25 دولار للغالون.
ووفق جمعية السيارات الأميركية AAA، التي تستطلع أسعار نحو 4,200 محطة وقود في ولاية ميشيغن. حقق غالون البنزين في ميشيغن، خلال الأسبوع الأول من أيار (مايو) الجاري، أكبر قفزة في الأسعار مقارنة بجميع الولايات الأميركية الأخرى، مسجلاً زيادة بمقدار 30 سنتاً للغالون الواحد في غضون سبعة أيام، قبل أن يواصل صعوده خلال الأسبوع المنصرم بمعدل سنتين يومياً.
ويأتي الارتفاع القياسي لأسعار الوقود، بعد فشل جهود إدارة الرئيس جو بايدن في تهدئة الأسعار عبر ضخ كميات هائلة من احتياطات النفط الاستراتيجية في الأسواق، خلال الأسابيع الماضية.
وقالت أدريين وودلاند، المتحدثة باسم AAA التي تتخذ من مدينة ديربورن مقراً إقليمياً لها، إن «شح مخزونات البنزين في منطقة الغرب الأوسط الأميركي، إلى جانب ارتفاع الطلب وغلاء النفط الخام، دفعت أسعار وقود السيارات في ميشيغن إلى مستوى قياسي جديد»، مرجحة أن تسجل أسعار الوقود صعوداً إضافياً مع تحول الشركات إلى استخدام مزيج البنزين الصيفي الأعلى كلفة والأكثر مقاومة للتبخر.
وعلى الصعيد الوطني، حقق سعر البنزين، يوم الخميس الماضي، متوسط 4.42 دولار للغالون الواحد وهو الأعلى في تاريخ البلاد، وكذلك الأمر بالنسبة للديزل الذي سجل متوسط 5.55 دولار للغالون، بحسب بيانات AAA.
أسعار الغذاء
وإذا كانت أسعار الوقود تواصل تسجيل الأرقام القياسية، فإن الأمر نفسه ينطبق على أسعار المواد الغذائية وفواتير الاستهلاك الأخرى التي تواصل صعودها الصاروخي منذ بداية جائحة كورونا.
فعلى مدى الأشهر الـ12 الماضية، ارتفعت أسعار فئات المواد الغذائية الرئيسية بأرقام مزدوجة (10 بالمئة وما فوق)، وفقاً لمؤشر أسعار المستهلك الأميركي الصادر عن وزارة العمل يوم الأربعاء الماضي.
وفي حين شهدت أرقام أبريل انخفاضاً طفيفاً في التضخم الإجمالي، لم يسر الانخفاض على المواد الغذائية بشكل عام، حيث ارتفعت التكاليف للشهر السابع على التوالي، محققة زيادة بمقدار 1 بالمئة عن شهر مارس، و10.8 بالمئة مقارنة بشهر أبريل 2021، وهذه أكبر زيادة سنوية منذ خريف 1980.
وعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار اللحوم والدواجن والأسماك والبيض 1.4 بالمئة مقارنة بشهر مارس، لكنها ارتفعت بأكثر من 14 بالمئة خلال سنة. وهي أكبر زيادة سنوية تشهدها الولايات المتحدة منذ ربيع 1979.
وقال التقرير إن الزيادة السنوية في تكلفة البقالة تراوحت من 7.8 بالمئة للفواكه والخضروات إلى 14.3 بالمئة للحوم والدواجن والأسماك، أما البيض فارتفع بنسبة 22 بالمئة.
أما أسعار وجبات المطاعم فارتفعت بنسبة 0.6 بالمئة عن شهر مارس، وحوالي 7 بالمئة عن أبريل 2021. في حين ارتفعت فواتير المطاعم التي تقدم الخدمة الكاملة بنسبة 9 بالمئة تقريباً.
ومن المتوقع أن ترتفع أسعار البقالة، بحسب وزارة الزراعة الأميركية، بين 3 بالمئة و4 بالمئة في الأشهر المقبلة. هذا علاوة على كل الزيادات الأخرى التي واجهها المستهلكون خلال الأشهر العديدة الماضية. وقالت الوزارة إن المستهلكين سيدفعون أكثر مقابل كل شيء تقريباً، «سواء كنت تطبخ وجبات الطعام في المنزل أو تذهب إلى المطاعم».
حلول بايدن
تحاول إدارة بايدن والاحتياطي الفدرالي بكل السبل منع الأسعار من مواصلة ارتفاعها بهذه السرعة، لأن ذلك يتسبب بتراجع قدرة الأُسر الشرائية ويهدد صحة الاقتصاد الأميركي، وكذلك شعبية الرئيس الأميركي الضعيفة أصلاً مع اقتراب موعد انتخابات منتصف الولاية.
وأكد بايدن، الثلاثاء الماضي، أنه يضع «التضخم على رأس أولوياته الوطنية»، ويشعر بمعاناة الأميركيين بعد أن بلغ التضخم أعلى معدل له في أربعة عقود.
وقال الرئيس الأميركي في كلمة بالبيت الأبيض «يتعين على البنك الاحتياطي الفدرالي القيام بعمله وسوف يؤدي وظيفته. أعتقد أن التضخم هو التحدي الاقتصادي الأكبر لدينا الآن، وأعتقد أنهم يرون ذلك أيضاً».
وشدد بايدن على أن خطته الرئيسية تتمثل في خفض التكاليف اليومية للأميركيين الكادحين وخفض العجز من خلال مطالبة الشركات الكبرى والأميركيين الأكثر ثراءً بدفع نصيبهم العادل من الضرائب.
كما شدد على أن بعض «جذور التضخم خارجة عن سيطرته»، مشيراً إلى جائحة «كوفيد–19» وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، غير أن الجمهوريين لا يفوّتون فرصة للتذكير بأن التضخم بدأ يرتفع قبل بدء الحرب الأوكرانية.
كذلك حاول بايدن تحميل الجمهوريين جزءاً من المسؤولية بسبب إجهاضهم لخططه الاقتصادية في الكونغرس، وقال: «جعل سلاسل التوريد الخاصة بنا أكثر أماناً يعتبر محوراً رئيسياً لاستراتيجيتي الاقتصادية، لكن بعض الأجزاء الخاصة بخطتي تعرقلت بسبب الكونغرس».
وإلى جانب دعمه لسياسة رفع الفائدة، أشار بايدن إلى أن إدارته تدرس إمكانية إلغاء الرسوم الجمركية التي فرضها سلفه دونالد ترامب عام 2018 على منتجات صينية بقيمة 350 مليار دولار سنوياً، ما قد يسمح بإبطاء ارتفاع الأسعار، حسب تعبيره. وقال بايدن: «نناقش الأمر، لم يتمّ اتخاذ أي قرار بعد».
ويُفترض أن تنتهي صلاحية هذه الرسوم الجمركية في السادس من تموز (يوليو) المقبل. وأعلن مكتب الممثلة التجارية الأسبوع الماضي بدء مشاورات لتعديلها أو حتى إلغائها في سياق التضخم غير المسبوق منذ بداية الثمانينيات.
رفع الفائدة
وأقرّت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين أثناء جلسة استماع في مجلس الشيوخ، بأن «مسار التضخم لا يزال غامضاً للغاية».
وأوضحت بأنه إضافة إلى الوباء، تفاقم تدابير الإغلاق المفروضة على الصين مشاكل سلاسل الإمدادات.
وفي السياق، قالت رئيسة الاحتياطي الفدرالي في كليفلاند، لوريتا ميستر، إن البنك المركزي يحتاج إلى رؤية معدل التضخم يتراجع بصورة مُرضية قبل أن يبدأ في التفكير في إيقاف رفع معدل الفائدة.
وأكدت ميستر خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» على هامش مؤتمر الاحتياطي الفدرالي في أتلانتا، أن المخاطر حالياً تشير إلى أن السيطرة على وتيرة زيادة الأسعار ستكون صعبة، ومن الضروري تراجع البيانات الشهرية بشكل مقنع قبل التوقف عن رفع الفائدة.
وعن تحركات معدل الفائدة، ذكرت ميستر أنه من المتوقع أن يقر الاحتياطي الفدرالي رفع الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس خلال اجتماعيه في حزيران (يونيو) وتموز (يوليو)، ثم سيتابع البنك كيفية تغير معدل التضخم ومناقشة الخطوات التالية بشأن معدل الفائدة.
وأوضحت عضو الاحتياطي الفدرالي، أن الحرب الأوكرانية وعمليات الإغلاق في الصين بسبب كورونا وعوامل أخرى تسببت في تزايد المخاطر الصعودية التي تواجه التضخم، لذلك فإنها لا تتوقع عودة التضخم لهدف البنك البالغ 2 بالمئة خلال العام الحالي أو العام المقبل.
Leave a Reply