كمال ذبيان – «صدى الوطن»
انطلقت عجلة مؤسسات الدولة، بعد أربعة أشهر على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في لبنان، وشهرين على تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري. فباشرت السلطة السياسية الأسبوع الماضي بالتعيينات في كل إدارات الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية والقضائية، وهو ما كان منتظراً مع بداية العهد الجديد، لاسيما في قيادة الجيش كما في قيادات الأجهزة الأمنية الأخرى، إذ أن التمديد طال هذه المؤسسات، بسبب الفراغ الذي نشأ عن عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وقيام حكومة الرئيس تمام سلام بمهامه وصلاحياته التي بقيت محصورة، فلم تجرِ تعيينات في ظل الشغور الرئاسي، فتمّ التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي مرتين بعد بلوغه السن القانونية قبل ثلاث سنوات، مع رئيس الأركان السابق اللواء وليد سلمان الذي لم يمدد له لمرة ثانية وترك الخدمة في آب (أغسطس) 2016.
وكان العماد عون قبل أن يُنتخب رئيساً للجمهورية من أكثر الرافضين للتمديد لقائد الجيش، أو لأي شخص آخر في أي موقع وظيفي عالٍ، كما كان موقفه هو نفسه من التمديد لمجلس النواب مرتين، وقدّمت كتلته النيابية طعنين أمام المجلس الدستوري الذي طلب بقراره احترام الدستور وإجراء إنتخابات نيابية دورية.
قيادة الجيش
ومنع التمديد للعماد قهوجي، وصول العميد شامل روكز وهو صهر العماد عون، إلى منصب قائد جيش، والذي يستحقه وفق الشروط الموضوعة لذلك، لكن التجاذب السياسي الذي كان قائماً حول رئاسة الجمهورية، وعلاقة رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» بـ«حزب الله»، وصلة القرابة بينه وبين روكز، حالت دون أن يتبوّأ هذا المنصب، الذي وصل إلى العميد جوزف عون وهو واحد من أربعة عمداء من دورة العام 1985، جرى التداول بأسمائهم وهم الياس ساسين، خليل الجميّل وكلود حايك، بعد أن تمّ الاستغناء عن أحد ضباط دورتي 82 و83 التي تضم ما بين 60 و70 عميداً، لأن الواحد منهم يخرج من نصف ولاية رئيس الجمهورية أي بعد ثلاث سنوات، في حين أن العماد عون يريد قائداً للجيش يكمّل معه الولاية، فوقع الخيار على العميد جوزف عون، الذي يشغل منصب قائد اللواء التاسع المنتشر في عرسال وجرودها عند السلسلة الشرقية لجبال لبنان، وسبق له وخدم في ألوية وأفواج وكتائب عدة فكان ضابط ميدان أصيب مرات في أثناء المعارك التي خاضها الجيش وأنهى دورة أركان، ويحمل إجازة جامعية، حيث وفّرت له هذه الشروط أن يقع الخيار عليه من قبل الرئيس عون ويطرح اسمه لتعيينه، دون أن يؤدي ذلك إلى استقالة عمداء هم أعلى منه رتبة بسبب الأقدمية، إلا لمن يريد هو أن يستقيل، أو ما إذا فتحت القيادة باب الاستقالة لمن يرغب مع تقديم حوافز، إلا أن المعلومات تشير إلى أنه لن يحصل أي تبديل، سوى ما سيقدم عليه قائد الجيش مع المجلس العسكري الذي لن يدخله إلا العميد الركن سعدالله حمد كأمين عام للمجلس خلفاً للواء محمد خير الممدّد له أيضاً، إذ سيقوم القائد الجديد بإجراء تشكيلات ومناقلات هي طبيعية في الجيش لقادة الألوية والأفواج والكتائب، وتعيين مدراء للعمليات والأفراد والاستعلام والتوجيه.
والمجلس العسكري يعاون قائد الجيش الذي يرأسه، وأنشئ في ثمانينات القرن الماضي في عهد الرئيس أمين الجميّل، لإقامة توازن في قيادته، بعد أن أتّهمت المؤسسة العسكرية بأنها منحازة لرئيس الجمهورية وتنفّذ أوامره، فتقرّر في مؤتمري لوزان وجنيف اللذين عقدا في عامي 1983 و1984 أن يقوم مجلس عسكري يضم الطوائف الرئيسية في هيكليته، بحيث يتمثّل الموارنة بقائد الجيش والدروز برئيس الأركان والسّنّة بالأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى والشيعة بمدير الإدارة في الجيش، والروم الأرثوذكس والكاثوليك بعضوين برتبة لواء كما الأعضاء الآخرين.
الجيش والمقاومة
وتعيين قائد للجيش يجب أن يكون موثوقاً داخلياً، كما على المستوى الدولي. إذ لم يعد اختيار رئيس للمؤسسة العسكرية لا يطمئن المقاومة، ولا ينسق معها، وهي تجارب ناجحة حصلت منذ ما بعد اتفاق الطائف مع أول قائد للجيش العماد إميل لحود الذي كان هو مَن أطلق عملية التنسيق بين الجيش والمقاومة، ورفض التصادم معها، أو أن ينتشر مكانها كما حاول البعض أن يفعل بعد العدوان الإسرائيلي في تموز 1993، فرفض لحود تنفيذ قرار مجلس الوزراء، الذي أوحى له بعض الوزراء أنه قرار سوري، فلم يمتثل ووصل الخبر إلى الرئيس السوري حافظ الأسد آنذاك، فوثق به واستقبله ووضعه على أول لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية وهذا ما حصل وانتخب في العام 1998 رئيساً للجمهورية.
وبعد العماد لحود، استمرّ العماد ميشال سليمان على النهج نفسه، إلا أنه بدأ يتراجع عنه بعد انتخابه رئيساً للجمهورية لاسيما في أواخر عهده، حيث كانت الأحداث في سوريا قد بدأت، فحاول مقايضة التمديد له في رئاسة الجمهورية، بوصف مقولة «الجيش والشعب والمقاومة» بـ«الخشبية»، وبدأ ينتظر سقوط النظام السوري الذي ابتعد عنه واقترب من دول الخليج ليحصل على التمديد، فلم يفلح، إلا أن قائد الجيش جان قهوجي، لم يساير سليمان في نهجه وظلّ محتفظاً بعلاقة جيدة مع المقاومة وينسّق معها، في ظل الحرب ضد الجماعات الإرهابية، ولم يقطع تواصله مع القيادة السورية.
فثلاثة قادة للجيش وعلى مدى ربع قرن، لم يصطدموا بالمقاومة، كما لم يخوضوا معارك داخلية، إلا مع الخارجين عن القانون والمجموعات الإرهابية، والمحاولات الإسرائيلية لإختراق السيادة اللبنانية، مما أعطى المؤسسة العسكرية احتراماً وثقة من كل الأطراف السياسية، إذ كانت دائماً موضع خلاف وطني، إلا أنه ومع تحديد عقيدة الجيش القتالية، والتناغم مع المقاومة، فإن الجيش بات يحظى بالتقدير، إلا أن ما يحتاجه هو السلاح الذي يوازن به مع العدو الإسرائيلي، من الصواريخ المضادة للطائرات، وتلك البعيدة المدى، إضافة إلى الطائرات، وهو ما لم يتوفر له، لأن الدول الغربية لاسيما أميركا لا تسلّح الجيش بوجه إسرائيل، بل تريده بوجه المقاومة، وأن الأسلحة التي تقدّم له كهبات لا تقوم بواجب المواجهة والصمود ضد العدو الإسرائيلي، مما حدا برئيس الجمهورية العماد عون إلى إعلان موقف قبل أكثر من شهر وأثناء زيارته إلى مصر، بأن المقاومة موجودة لتكمّل الجيش الذي ينقصه السلاح والأعتدة، وهو ما أغضب إسرائيل وأميركا ودولاً عربية، كانت تريد منه أن يقول إنه سيعمل لنزع سلاح المقاومة، ويدخل في مواجهة مع «حزب الله» وهو ما لم ولن يحصل، وخيّب الرئيس عون ظنون كثيرين في أنه سيقف بوجه «حزب الله» وسلاحه مقابل كرسي الرئاسة.
ويوحي القائد الجديد للجيش بالثقة للمقاومة إذ ثمة تجربة ميدانية معه، عندما كان لواؤه منتشراً في الجنوب ثم في عرسال، إذ أثبت أنه موضع ثقة المقاومة التي تطمئن إلى أداء كل المؤسسة العسكرية، وهو ما سيعزز التعاون والتنسيق أكثر على جبهتي العدو الإسرائيلي الذي يكثر من تهديدادته للبنان، وأن الجيش والمقاومة هما جسم واحد، وكذلك الأمر بالنسبة لقوى الإرهاب التي يتصدّى لها الجيش منذ مطلع العام 2000، من جرود الضنية إلى مخيم نهر البارد في العام 2007، ومعارك شرق صيدا عام 2013 مع الشيخ أحمد الأسير ومجموعاته المسلحة، إلى عرسال وجرودها في عام 2014.
الأمن الداخلي
ومع تسلم قائد جديد للجيش لمهامه، فإن قوى الأمن الداخلي، تمّ تعيين مدير عام لها، مع إحالة اللواء ابراهيم بصبوص إلى التقاعد بعد تمديد له، إذ سيحل مكانه رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد عماد عثمان الذي تسلّم الشعبة بعد اغتيال رئيسها العميد وسام الحسن، بحيث اختير عثمان من بين أربعة ضباط وهم العمداء: فارس فارس، أحمد الحجار وسمير شحادة، وكل هؤلاء هم من المحسوبين على «تيار المستقبل» وقد وقع اختيار الرئيس سعد الحريري على العميد عثمان الذي عمل في فريق المرافقة مع والده الرئيس رفيق الحريري، وموثوق منه، كما الضباط الآخرين الذين يستحقون هذا المنصب بسبب الأقدمية، لاسيما العميد فارس الذي لم يكن من زوار قريطم أو بيت الوسط، بل كان مرافقاً للرئيس سليم الحص، وهو ما قد يكون حال دون وصوله، كما لم يتمكن العميد شحادة من اجتياز حواجز منعه من تبوّء هذا الموقع بالرغم من دعم النائبة بهية الحريري له.
أمن الدولة
وتبقى مديرية أمن الدولة التي شهدت خلافاً بين مديرها الحالي اللواء جورج قرعة ونائبه العميد محمد الطفيلي الذي أحيل إلى التقاعد قبل حوالي عام، إذ تمّ تعطيل هذا الجهاز، واتّخذ الصراع طابعاً طائفياً، إذ نُظر إلى الخلاف على أنه بين المدير الكاثوليكي ونائبه الشيعي الذي انتصر له الرئيس نبيه برّي، ووقف إلى جانبه وزير المال علي حسن خليل الذي أوقف صرف مبالغ مستحقة للمديرية، وقد تدخّلت شخصيات ومراجع سياسية ودينية لحل الإشكال فلم توفق، إلى أن انتخب عون رئيساً للجمهورية فصحح الخلل، ودعا اللواء قرعة لحضور الاجتماعات الأمنية، وهو كان سيحال إلى التقاعد في حزيران (يونيو) القادم، وسيحل مكانه في سلة التعيينات العميد طوني صليبا وهو مفصول من الجيش إلى أمن الدولة، وقد نجا من محاولة الاغتيال التي تعرّض لها الوزير السابق الياس المر في تموز 2005 في إنطلياس، وكان صليبا من ضمن جهاز المرافقة، وهو ابن بلدته بتغرين.
ومع صليبا سيعين العميد سمير سنان نائباً له، إذ يجري الحديث عن إعادة نظر في مديرية أمن الدولة وعملها، وهي استحدثت عام 1984 من أجل التوازن في المديريات الأمنية، وأعطيت للشيعة، وتسلّمها اللواء نبيه فرحات، لتتبدّل الهوية الطائفية لها، فيصبح المدير العام للأمن العام شيعياً، بتعيين اللواء جميل السيد في أول عهد الرئيس إميل لحود، وأصبح مدير عام أمن الدولة كاثوليكياً.
الأمن العام
ولن يحدث تغيير في المديرية العامة للأمن العام إذ سيبقى على رأسها اللواء عباس ابراهيم، إذ سيعين من خارج السلك العسكري الذي يفرض سن الـ 59 عليه الإستقالة، فيعيّن كمدني ليخدم حتى عام 64، ويكمّل ولاية الرئيس عون، وهو الذي يحظى بثقة ومحبة واحترام الجميع وبنى مؤسسة حديثة، وقام بمهام أمنية وسياسية ونجح.
الى جانب المؤسسات العسكرية والأمنية، فالتعيينات طالت الجمارك التي يعلّق عليها آمال في مكافحة الفساد ومنع التهريب، واستيفاء الرسوم الصحيحة.
إنها مرحلة إعادة الدور إلى المؤسسات.
Leave a Reply