عماد مرمل- «صدى الوطن»
عندما وُلدت وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر فـي شباط 2006، افترض البعض ان هذا التفاهم سيكون عابرا وسطحيا، وانه لن يقوى على الصمود طويلا، لاسيما ان التيار والحزب يأتيان اليه من بيئتين سياسيتين واجتماعيتين متباعدتين جدا.
نصرالله وعون خلال توقيع وثيقة التفاهم في شباط 2006 .(أرشيف) |
لكن، لم تكد تمر بضعة أشهر حتى تحققت المفاجأة الاولى. فـي تموز 2006شنت اسرائيل عدوانا واسعا على لبنان، كان يستهدف سحق حزب الله وشطبه من الوجود. حينها، راح الكثيرون يبنون حساباتهم على قاعدة ان ايام المقاومة أصبحت معدودة، ولا بد من الاستعداد للتعامل مع مرحلة ما بعد إنهائها، بل ان بعض الشخصيات السياسية ذهبت فـي رهانها على العدوان الى حد انها بدأت تعدد أسماء السجون التي ستتوزع عليها قيادات المقاومة بعد اعتقالها!
اما العماد ميشال عون الذي كان قد أنجز للتو تفاهما مع السيد حسن نصرالله، فقد اختار من اليوم الاول للحرب الوقوف الى جانب حزب الله، بمعزل عن حسابات الربح والخسارة، مستعينا بقوة الخيار على خيار القوة، ومانحا المقاومة غطاء وطنيا حال دون محاصرتها واستفرادها فـي سياق السعي الى القضاء عليها.
بعد 33يوما على العدوان، خرج حزب الله رابحا من المواجهة الوجودية.. وخرج معه التفاهم بين الحزب والتيار أقوى من أي وقت، بعدما نجح فـي الاختبار-المحك، واكتسب من تجربة الحرب مناعة وصلابة إضافـيتين.
وما هي إلا أشهر قليلة حتى كانت «وثيقة التفاهم» على موعد مع استحقاق جديد، بعدما تطور الصراع السياسي الداخلي فـي اتجاهات دراماتيكية، دفعت وزراء حزب الله وحركة أمل والوزير المحسوب على رئيس الجمهورية اميل لحود آنذاك، الى الاستقالة من الحكومة التي كان يرأسها الرئيس فؤاد السنيورة، علما ان التيار الحر لم يكن ممثلا فـيها أصلا بفعل عدم منحه الحجم الوزاري الذي كان يعتقد انه يستحقه.
وبرغم ان الحكومة «المبتورة»، كما وصفها معارضوها، فقدت ميثاقيتها الوطنية نتيجة خروج المكون الشيعي منها، وغياب طرف مسيحي وازن عنها، فقد واصلت العمل واصدار القرارات كأن شيئا لم يكن.
هنا، كان على «التفاهم» بين الحزب والتيار ان يثبت جدواه وأهليته مرة أخرى، وهذا ما حصل بالفعل، إذ سرعان ما تم «تسييله» الى تظاهرات «مختلطة» وحاشدة فـي الشارع، للمطالبة باسقاط الحكومة واحترام قواعد الشراكة والتوازن فـي السلطة. حاصر اللونان الاصفر والبرتقالي السرايا الحكومية لاشهر طويلة، وأثبتا انهما رقم صعب فـي المعادلة اللبنانية.
من جديد، حصل التفاهم على علامة مرتفعة فـي امتحانات الواقع اللبناني المعقد.
تلاحقت الاحداث، ووقعت معركة 7أيار الشهيرة، التي تلاها انعقاد مؤتمر الدوحة بين المتخاصمين اللبنانيين برعاية اقليمية ودولية. ولئن كانت متطلبات التسوية فـي قطر قد استوجبت الموافقة على انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجهورية، فإن حزب الله وقف إلى جانب عون فـي مطالبته بقانون عادل ومنصف للإنتخابات النيابية يحقق تمثيلا أصح وأفضل للمسيحيين فـي مجلس النواب.
وبرغم عدم حماسة الحزب لإعتماد القضاء دائرة إنتخابية، إلا أنه تجاوز هذا الإعتبار، ووظف كل ثقله لدعم عون فـي مسعاه لانتزاع موافقة على قانون انتخابي يستند الى الدائرة الصغرى وتحديدا القضاء، كخطوة متقدمة على طريق تحسين مواصفات الحضور المسيحي فـي مجلس النواب.
مجددا، تأكدت أهمية «التفاهم» الذي استطاع تحصيل مطلب حيوي لعون، سمح له لاحقا بتحقيق نتائج جيدة فـي الانتخابات النيابية وتاليا بتكوين ثاني أكبر كتلة نيابية بعد كتلة تيار المستقبل.
وعملا بمفاهيم «التفاهم» ذاته، أيد حزب الله عون فـي كل المعارك السياسية التي كان يخوضها لتحسين نسل التمثيل الوزاري المسيحي فـي الحكومات المتعاقبة، الامر الذي ساهم فـي تمكنه من انتزاع العديد من الحقائب الوزارية الحيوية.
ومع نشوب الازمة السورية، واضطرار حزب الله الى القتال ضد الجماعات التكفـيرية، سارع عون، كما فعل فـي حرب تموز، الى مؤازرة الحزب والاشادة بالتضحيات التي يبذلها فـي خضم المواجهة المحتدمة ضد الارهاب. «التفاهم» مرّ من هنا أيضا.
وعند انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان، فُتحت معركة رئاسة الجمهورية وهي الاهم لعون.
لم يتأخر الحزب فـي مساندة الجنرال، متدرجا فـي مواقفه من الصمت الى الايماء فالتليمح وصولا الى التصريح العلني والواضح بـ«ان الحرف الاول من اسم مرشحنا الى رئاسة الجمهورية هو العماد ميشال عون».
وبرغم ذلك، لم تتوقف قوى 14آذار عن الترويج بأن الحزب لا يعني ما يقوله، وأنه يبيع عون كلاما غير قابل للصرف، وأن مرشحه الحقيقي لم يُعلن بعد، وأنه يوظف طموح الجنرال الشخصي لعرقلة إنتخابات الرئاسة فـي انتظار التوقيت الإيراني. بل أن هذه القوى ذهبت فـي «حربها النفسية» الى حد التأكيد بأن الحزب ليس مع عون، حتى فـي مسألة رفض التمديد للقادة العسكريين، واللجوء إلى الشارع للإحتجاج.
وحسما للنقاش خرج نصرلله فـي 14آب ليجزم بأن ميشال عون ممر الزامي لانتخابات الرئاسة وتفعيل العمل الحكومي، وان الحزب سيكون فـي الشارع الى جانب الجنرال إذا لزم الامر.
ها هو «التفاهم» يقول كلمته، ويبرهن انه لا يزال ساري المفعول على الورق.. والارض.
لم يستسلم فريق 14آذار، وأطل باجتهاد جديد، قوامه أن قول نصرالله بأن عون ممر الزامي للانتخابات الرئاسية، إنما يخفـي فـي طياته تراجعا فـي الموقف من سقف دعم ترشيح الجنرال إلى سقف اعتباره مفاوضا حتميا للبحث فـي اسم أي مرشح آخر.
ومرة أخرى، استفاد نصرالله من احدى المناسبات حتى يضع حدا للالتباس المفتعل، مؤكدا ان عون هو مرشح طبيعي وقوي الى رئاسة الجمهورية وان الحزب مستمر فـي تأييده.
نعم.. ربما يكون «التفاهم» بين حزب الله والتيار الوطني الحر قد سقط، إنما ليحل مكانه، على ما يبدو، «تحالف وجودي» هو أعمق دلالة وأقوى تأثيرا، كما يتبين من مسار الاحداث.
Leave a Reply