سامر حجازي – «صدى الوطن»
سيكتب التاريخ أن العام 2015 كان عام الاعتداءات المتفرقة على المسلمين الأميركيين، بحسب التقرير السنوي الصادر عن «مركز الفقر الجنوبي القانوني» أو Southern Poverty Law Center، وهو أكبر مركز أبحاث قانونية متخصص بمتابعة نشاطات مجموعات الكراهية فـي أنحاء الولايات المتحدة، ومقره فـي مدينة مونتغمري بولاية ألاباما.
ويرى الباحثون فـي المركز أن الولايات المتحدة اليوم تواجه ظروفاً مشابهة لتلك التي مرت بها البلاد فـي حقبة الستينيات إبان الاصطدام العنصري بين السود والبيض. ويرى المراقبون أن أميركا اليوم تعيش مرحلة يتحول فـيها البيض الى أقلية فـيما يزداد حجم ونفوذ الأقليات الأخرى من السود واللاتينيين والآسيويين والعرب والمسلمين وغيرهم من المجموعات المتنوعة التي لطالما شكلت غنى ونعمة للمجتمع الأميركي، لكنها قد تنقلب نقمة مع استمرار تنامي خطاب الكراهية الذي يعتبر المسلمون اليوم أكبر ضحاياها بسبب تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا.
فقد أصدر مركز «قانون الفقر الجنوبي» (SPLC) التقرير السنوي حول الكراهية والبيانات والارقام المرافقة له والتي تصور أن الولايات المتحدة طافحة بالتوترات السياسية والعرقية غير العادية.
غلاف التقرير السنوي الصادر عن «مركز الفقر الجنوبي» |
ويبرز تقرير الكراهية السنوي الصادر عن المركز الذي أنشئ فـي العام ١٩٧١، ارتفاعاً فـي نمو جماعات الكراهية فـي أميركا لأول مرة منذ عام 2010. وأشار التقرير الى أن المشاعر المعادية للإسلام كانت فـي طليعة جرائم الكراهية الموثَّقة فـي جميع أنحاء البلاد.
وسجل التقرير ارتفاعا ملحوظاً فـي اعداد الميليشيات «الوطنية» المناهضة للحكومة الفدرالية، والمجموعات المسلحة الأخرى التي تستوحي نشاطها من نظريات المؤامرة. ووجد التقرير أيضاً أن أعضاءً من جماعات الكراهية والافراد العاملين لوحدهم يجري دفعهم نحو مزيد من الكراهية عبر شبكة الانترنت.
تغيرات ديموغرافـية
وفـي مقابلة مع «صدى الوطن»، قارن ريتشارد كوهين، رئيس مركز «الفقر الجنوبي» وستيفن بيغوت، وهو كبير محللي البحوث لدى المركز، المناخ السياسي السائد حالياً فـي البلاد بفترة الستينيات من القرن الماضي. وأضاف كوهين «أعتقد اننا نعيش فـي لحظة حساسة جداً فـي بلادنا. لقد تولدت لدينا زيادة هائلة فـي التطرف على مدى عقد ونيف. وفـي هذا الموسم السياسي، صعدت وتيرة الخطاب الى درجة خطيرة جداً. لذا أعتقد بحتمية دفع الثمن للأسف».
والعامل الرئيسي وراء هذا الوباء الذي يجتاح أميركا يعود الى مخاوف من تغيير البنية السكانية للمجتمع الأميركي – حيث تتضاءل اعداد البيض فـي حين تنمو ارقام المجموعات العرقية الأخرى لتصبح أكثر هيمنة. وأشار كوهين إلى أنه منذ تولى الرئيس أوباما منصبه فـي عام 2008، فإن عدد الأميركيين الذين انضموا الى جماعات النازيين الجدد (المؤمنة بتفوق العرق الأبيض) ارتفع بنسبة أكثر من ٥٠ بالمئة.
وبحسب تقرير المركز هناك حوالي ٣٠٠ الف من الأميركيين الذين يصنفون أنفسهم انهم مع هذه الجماعات.
تعميم الخوف من الإسلام
ولاحظ المركز فـي تقريره السنوي أن عام 2015 سوف يذكر على أنه عام وقوع الهجمات العشوائية ضد المسلمين. وقد حصلت بالفعل عدة حوادث جديرة بالملاحظة ضد المسلمين منذ بداية السنة – بما فـي ذلك مقتل ثلاثة طلاب جامعيين مسلمين فـي منزلهم بمدينة تشابل هيل، فـي ولاية نورث كارولاينا.
وكان مكتب التحقيقات الفدرالي قد كشف أنه فـي عام 2014، ارتفعت جرائم الكراهية ضد المسلمين بنسبة 14 بالمئة، رغم ان جرائم الكراهية ضد كل الفئات الرئيسية الأخرى قد انخفضت.
وشهد الشهران الأخيران من عام 2015 ذروة الإسلاموفوبيا فـي أعقاب هجمات باريس التي ارتكبها قبل تنظيم «داعش» الإرهابي فـي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وحادث اطلاق النار الذي تبعها فـي سان برناردينو فـي كانون الأول (ديسمبر)، والذي ارتكبه زوجان مسلمان من باكستان.
وفـي خضم هذه الأحداث ظهر دونالد ترامب، المرشح الجمهوري للرئاسة واصبح فـي طليعة المروجين للإسلاموفوبيا.
النتيجة – فـي الشهرين الأخيرين من عام 2015، صب المتطرفون الأميركيون جام غضبهم على المواطنين المسلمين الأبرياء حيث تم الابلاغ يومياً عن هجمات ضد المسلمين فـي كل الولايات وتم استهدافهم فـي المساجد فـي جميع أنحاء البلاد من خلال الحرق الى التهديدات الى إطلاق عيارات نارية الى استخدام الخنازير لتدنيس مقدساتهم.
وفـي محاولة للتصدي لهذه الكراهية المقيتة، نظم مركز «الفقر الجنوبي» تحالفاً مع جماعات هدفها الكفاح معاً ضد صعود الإسلاموفوبيا. وأشار كوهين إلى أن المركز تلقى رد فعل عنيف من قبل جماعات الكراهية فـي أعقاب هذه الخطوة.
«قبل بضعة أشهر، كنا مستهدفين من قبل مجموعة معادية للمسلمين بارزة جداً» كشف كوهين وتابع «كان افراد المجموعة فـي طريقهم الى هنا لإقامة يوم رسوم كاريكاتورية للنبي محمد أمام مكتبنا لكنهم لم يحضروا واعتقد انها كانت محاولة ربما لتخويفنا»، مشيراً الى أن هناك جماعات معادية للمسلمين لديها قدرات ضخمة فـي المجال السياسي.
منظمات كبرى تعادي المسلمين
وقد أدرج «مركز الفقر الجنوبي» منظمتي «السياسات الأمنية من أجل أميركا» و«العمل من أجل أميركا» (آكت فور أميركا)، على لائحة مجموعات الكراهية المعادية للمسلمين.
وتعتبر منظمة «آكت»، أكبر منظمة غير ربحية وغير حزبية فـي البلاد، وهدفها «تعزيز الأمن الوطني ودحر الإرهاب الإسلامي» ولدى المنظمة أكثر من ٢٨٠ الف عضو فـي الولايات المتحدة. لكن الأكثر فداحة فـي الموضوع ان المنظمة مدارة من قبل بريجيت غابرييل، وهي امرأة لبنانية تدعي «ان كل مسلم ملتزم هو مسلم راديكالي».
ولدى «مركز السياسات الأمنية» أيضاً بيان مهمة مماثل للمنظمة السالفة.
وفـي بداية هذا العام، عقدت المنظمتان أنشطة مشتركة فـي ولايات آيوا ونيوهامبشير وساوث كارولاينا والتي حضرها ترامب وغيره من المرشحين الجمهوريين للرئاسة مثل تيد كروز وبن كارسون.
وأفاد بيغوت فـي هذا الشأن «اذا نظرتم الى هاتين المؤسستين الشيء الوحيد الذي يطرح إشكالية كبيرة هو تقديرهم العالي من قبل المسؤولين المنتخبين»، واضاف «فـي عام 2015، عقدت المنظمتان مناسبات رئيسية فـي بداية دورة الانتخابات. وهذا مثال جيد على تعميم الكراهية».
ورسم كوهين مقارنة بين المعاملة الحالية للمسلمين الأميركيين مع المعاملة التاريخية للأميركيين الأفارقة. وقال «هناك بالتأكيد أوجه شبه. هاتان مجموعتان من الأشخاص الذين يجري تصويرهم على أنهم يشكلون خطراً. الأميركيون من أصل أفريقي وفكرة المفترس الأسود فكرة سادت. والآن لدينا فكرة ان جميع المسلمين مرتبطون بالإرهاب».
الكراهية بالأرقام
فـي التقرير السنوي المذكور، يعدد «مركز الفقر الجنوبي» 892 مجموعة من جماعات الكراهية النشطة فـي الولايات المتحدة وهذا العدد ارتفع بنسبة ١٤ بالمئة عن عام 2014، عندما كان يوجد 784 منظمة كراهية فقط.
ويصنف المركز مجموعة الكراهية كمنظمة «شيطنة واساءة لمجموعات كاملة من البشر على أساس الخصائص والميزات التي تعود لها». ولا تستند التصنيفات على الإجرام أو العنف، ولكن من خلال المهمات التي تعلنها المنظمات نفسها على شبكة الإنترنت أو عن طريق قادتها.
وفـي حين ان اعداد «النازيين الجدد» و«القوميين البيض» و«حليقي الرؤوس» وغيرهم من فصائل حركة التفوق الأبيض شهدت فـي الواقع تراجعاً طفـيفاً فـي العام الماضي، قال المركز إن المجموعات المناهضة للحكومة والمنظمات الانفصالية للسود (مثل الفهود السود) و«كوكلوكس كلان» (KKK) تضاعفت جميعها بسبب الأحداث المتتالية التي جرت فـي جميع أنحاء البلاد وحظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق.
وأشار التقرير أن بعض فصائل KKK، التي استهدفت تاريخياً الأميركيين السود، تركز الآن أيضاً على المسلمين. وتشمل هذه الأمثلة منشورات معادية للمسلمين يجري توزيعها فـي ولاية ألاباما لتجنيد أعضاء جدد فـي التنظيم العنصري.
وفـي ولاية كارولاينا الجنوبية، استهدفت مجموعة KKK منظمة كانت تساعد فـي اعادة توطين اللاجئين السوريين. كما تلقت المجموعات العنصرية هذه المسماة «وطنية» دفعة ثانية هائلة فى اعقاب خطوة مثيرة للجدل من قبل ولاية كارولاينا الجنوبية العام الماضي لإزالة العلم الكونفدرالي من المبنى الحكومي لعاصمة الولاية. ووثق التقرير أكثر من 300 مسيرة فـي جميع أنحاء البلاد تأييداً لعلم الكونفدرالية رغم رمزيته العنصرية.
وعلق كوهين بالقول «هذا العلم يمثل الفخر للعنصر الأبيض وعندما ينزع هذا العلم يشعر هؤلاء الناس ان ثقافة البيض تتعرض للهجوم والتعددية الثقافـية تحل محلها».
أيضاً ارتفع فـي عام 2015 عدد جماعات الكراهية الانفصالية السوداء، من 113 فـي 2014-الى 180 فـي العام الماضي. ويفسر التقرير ان السبب يرجع إلى زيادة حدة التوتر الكبيرة بين الشرطة والمجتمع الافريقي الأميركي. وأشار الى ان منظمة «حياة السود مهمة» ليست واحدة من هذه المجموعات الانفصالية، وبيان مهمتها ينص ببساطة على إصلاح دوائر الشرطة.
عدا عن ذلك فإن هذه جماعات الانفصاليين السود تشيطن صورة البيض ومثليي الجنس واليهود، جنباً إلى جنب مع دوائر الشرطة.
وهناك أيضا نظرة مغلوطة تفـيد بأن مقر معظم جماعات الكراهية هو فـي ولايات الجنوب وولايات «حزام الكتاب المقدس». وهذا ليس صحيحاً- حيث تضم ولاية تكساس (غرب) أكبر عدد من جماعات الكراهية فـي عام 2015، تتبعها ولاية كاليفورنيا وفلوريدا فـي المركزين الثاني والثالث.
وقال مارك بوتوك، كاتب التقرير السنوي لمركز الفقر الجنوبي خلال اتصال عبر الهاتف يوم الاربعاء الماضي
ان تقاسم تكساس الحدود مع المكسيك هو أيضاً عامل
مهم. وأضاف «شعار لا تعبث معنا هو الشعور القوي بشكل خاص فـي ولاية تكساس والمعركة الضخمة على الحدود تفسر جزءاً من سبب زيادة جماعات الكراهية فـي ولاية تكساس أيضاً».
وخارج هذه المجموعات، وثق التقرير أيضاً موجة من جرائم الكراهية التي ارتكبها أفراد. وتشمل هذه الأمثلة ديلان روف، البالغ من العمر ٢١ عاماً والذي ذهب الى الكنيسة الافريقية الأميركية التاريخية فـي ولاية كارولاينا الجنوبية وقتل ٩ ضحايا. المثال الآخر هو روبرت لويس دير، الرجل من كولورادو الذي أغلق عيادة تنظيم الأسرة وقتل ثلاثة أشخاص.
والجدير بالذكر أن المقر الرئيسي لـ«مركز الفقر الجنوبي» يضم ٢٢٥ موظفاً وله مكاتب إقليمية فـي نيو اورلينز، وجاكسون وأتلانتا وميامي.
Leave a Reply