بقلم: فاطمة الزين هاشم
من المعروف أنّ المادّة الإعلامية المرئيّة أو الصوتية، أنها مرآة تعكس حضارات الشعوب ومنجزاتها العلمية والعملية، كما أنها أداة تثقيف، وإضافة معلومة جديدة للمتابعين، والتي غالباً ماتقترن تلك الأداة بإمتاعهم، على العكس ممّا نراه اليوم في محطّاتنا التلفزيونية، حيث تزخر بالبرامج التهريجية، إضافةً إلى القرف الذي يسببه المذيعون والمذيعات، إذ يمارسون تكسير اللغة العربية، بحيث لو وضعت جائزة لأفضل تكسير، لفازوا بها دون منازع، متفوّقين على مشاهد تكسير الصحون في الحفلات والمطاعم بتهاويها من أيدي عمّال غير مهَرَة في أساليب التقديم.
وتمتدّ العروض التلفزيونية في أذاها ضمن الهوس والعشوائية، فقد تابعتُ أحد البرامج التي ينصّب أصحابها أنفسهم، محكِّمين لاختيار أفضل الأصوات الغنائية، فينبري المذيع أو المذيعة أو مقدّم البرنامج كلّ حسب تسميته، بتقديم المتبارين في المسابقة، لتبدأ المهزلة، بحيث لا المذيع يصلح أن يكون مذيعاً، ولا المحكّمون يصلحون للتحكيم، لأنهم أنفسهم بحاجة إلى تدريب وصقل مواهب ومعرفة أصول الطبقات الصوتية، وفي نهاية هذه المهازل يراودني السؤال الصعب، حول جدوى وفائدة مثل هذه البرامج التي تكلّف أموالاً طائلة قد تصل إلى ملايين الدولارات، والتي تشغل مساحة واسعة من الإعلام المرئي وإلهاء الشباب عن دروسهم وأعمالهم وصرف النقود للإتصلات الهاتفية، أليس هناك الكثير من الشباب لديهم طموح في مواصلة تحصيلهم العلمي، والحصول على شهادة عليا تفيد بلادهم ومجتمعهم وإعانة أسرهم، فيما يقف العامل المادّي عائقاً دون تمكّنهم من تحقيق أمنياتهم تلك؟ فلماذا لا تُصرف هذه الملايين لهذا الغرض النبيل وتحقيق مثل هذا الإنجاز المشرِّف؟ حيث الشباب عماد المستقبل وركيزة البلاد اللاحقة، ماهي الفائدة المجتناة من تلك البرامج التي يقدّمها النشازون الذين خدّشوا مسامعنا بصراخهم، وأتعبوا ضمائرنا بسخف عروضهم كما لو كانوا في حفلاتٍ خاصة بالعري، أو في حفلات تنكّرية تقشعر لها الجلودعلى أقلّ تقدير.
أين البرامج التثقيفية المفيدة لأفراد الأسرة بأجمعها، سواء أكانت معلوماتية أو طبية أو قصصية أو اجتماعية، مواضيع توقظ الذاكرة وتغذّي العقل البشري، ذلك أنّ الإنسان يعيش كائناً في مجتمع يتأثر به، ويؤثّر فيه، وهو من هذا المنطلق يبقى بحاجة للثقافة الهادفة والملتزمة بقضاياه الأشمل عمومية.
إنّ على الجهات المعنيّة بالإصلاح، أن تتحرّك لإيقاف مثل هذا الهراء والتخلف الإعلامي الذي لا يفضي إلا إلى تضييع الوقت وهدر الأموال دون طائل، في الوقت الذي يموت فيه الآلاف في العالم على أبواب المستشفيات لعدم قدرتهم على دفع فواتير علاجهم أو شراء الدواء الكفيل بشفائهم من المرض، وهاهي الأخبار تصلنا من مناطق متفرقة من الأرض، كم من أطفال ينامون جياعاً ويرتجفون من البرد في الشتاء دون أن يجدوا غطاءً يقيهم من قسوته، وكم من عجوز تموت في بيتها دون أن يعلم بها أحد إلا بعد فوات الأوان؟ فلو كان هناك ملجأ لكبار السنّ المحتاجين يقوم بإنشائه المموّلون بدلاً من الصرف على تلك البرامج التلفزيونية عديمة الجدوى، لكانت أموالهم ذهبت إلى المكان الصحيح، فينالوا حسنة الدنيا والآخرة.
عودوا إلى ضمائركم أيّها المموّلون وأصحاب الخزائن المنتفخة، وأعيدوا حساباتكم تحت عرش الله، وقبل حتمية الموت، وارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء.
Leave a Reply