بيروت – كمال ذبيان
حصل ما كان متوقعاً وتمّ التمديد لمجلس النواب فـي لبنان بتصويت 95 من اعضائه، لولاية كاملة تنتهي فـي حزيران عام 2017، ولفترة تمتد على سنتين وسبعة أشهر، بعد انتهاء فترة التمديد الأولى التي امتدت لعام وخمسة أشهر وتنتهي فـي 20 تشرين الثاني الحالي، ولأسباب موجبة عنوانها الأساسي الوضع الأمني، الذي سبق لوزير الداخلية نهاد المشنوق أن أعلن أن التقارير التي رفعت إليه من الأجهزة الأمنية لا تشجعه على إجراء الإنتخابات، وهذه التحذيرات كانت قبل أحداث عرسال فـي 2 آب الماضي، كما لم تكن معارك طرابلس قد حصلت فـي مطلع تشرين الثاني الجاري، لينهي الجيش بؤرتين أمنيتين كان يمكنهما أن يؤثرا على إجراء الإنتخابات، لكن الجيش حسم المعركة فـيهما بأقل من 48 ساعة ليفرض الأمن ويلاحق المسلحين ويلقي القبض على بعضهم، ويصادر كميات كبيرة من الأسلحة.
فالذريعة الأمنية التي وقف وراءها الوزير المشنوق، لم تُقنع اللبنانيين، بصعوبة أو استحالة حصول الإنتخابات وهي جرت فـي دول أكثر اضطراباً أمنياً وتدور فـيها معارك عسكرية، وهي غير حاصلة فـي لبنان الذي سبق له وأجرى انتخابات مع توقف الحرب الأهلية مباشرة، وكان الاحتلال الإسرائيلي يجثم فوق أراضٍ لبنانية، كما أن الالاف من المواطنين كانوا مهجرين من مدنهم وبلداتهم، وقد جرت الانتخابات فـي صيف 1992 وفـي ظل مقاطعة مسيحية لها، واعتراضات من أطراف لبنانية على قانون الإنتخاب الإنتقائي وعدم الإلتزام بإتفاق الطائف.
فقبل أشهر من انتهاء فترة التمديد لمجلس النواب، بدأ التداول بسيناريو التمديد الثاني، حتى ما قبل حصول الشغور فـي رئاسة الجمهورية فـي 25 أيار الماضي، والذي تذرّع به «تيار المستقبل» وحلفاء له فـي 14 آذار ليكون السبب الموجب للتمديد، لأنه وفـي ظل عدم وجود رئيس للجمهورية، فإن فراغاً سيحصل فـي الحكومة التي ستتحول الى تصريف أعمال بعد الإنتخابات النيابية، ولا يمكن تشكيل أخرى، لأن الدستور يلزم رئيس الجمهورية حصراً أن يجري استشارات نيابية لتكليف رئيس الحكومة ليشكلها، حيث سيقع لبنان فـي فراغين فـي السلطة التنفـيذية بعد رئاسة الجمهورية التي لا يبدو أن حلاً لها متوقعاً فـي المدى المنظور، وقد اتّخذ الرئيس سعد الحريري من هذا الواقع سبباً ليعلن أنه سيقاطع الانتخابات النيابية إذا ما حصلت قبل الرئاسية، فـي وقت كان الرئيس نبيه برّي قد افتتح الترشيح للإنتخابات ضمن المهلة المحددة، وأكّد أنه مصرّ على إجرائها، لأنه يرفض ترؤس مجلس معطل لا ينتج وأعضاؤه عاطلون عن العمل، ولا بدّ من مجلس جديد، إلا أن تطوراً حصل دفع برئيس المجلس لتليين موقفه، وهو أن «تيار المستقبل» الذي كان يعطل انعقاد جلسات التشريع، عاد عن ذلك واتفق مع برّي على فتح أبواب مجلس النواب، على أن يسير بالتمديد الذي يريده «المستقبل» متذرعاً بالوضع الأمني كما فـي عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وخشية من أن لا تكون النتائج لصالحه، بعد اختراق حصل فـي ساحته لقوى إسلامية، فرأى أن التمديد يفـيده فـي هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة، وهو ما يقبله ضمنياً برّي وحليفه «حزب الله» الذي يعمل على إقفال كل أبواب التوتر الأمني الداخلي وتعميم الفوضى التي يستفـيد منها التكفـيريون الذين يقاتلهم داخل سوريا وعند الحدود اللبنانية معها، ويواجههم الجيش فـي عرسال كما فـي طرابلس وعكار ومناطق أخرى، ومن المناسب للمستقبل أن يحصل التمديد الذي رأى الرئيس برّي تخريجه من خلال رفض إجراء انتخابات إذا ما قاطعها مكوّن طائفـي وسياسي أساسي فـي البلد، وضمن المعادلة الداخلية، وقد استند الى مقاطعة «تيار المستقبل» للإنتخابات منصة يعتليها ليعلن أنه يرفض إجراء انتخابات تقاطعها الطائفة السّنّيّة التي يمثّلها «المستقبل» وتصبح غير ميثاقية، وهو نهج اعتمده مع جلسات مجلس النواب التي لم يكن يفتتحها ويعقدها، طالما أن المكون السّنّي فـي مجلس النواب يغيب عنها، وهكذا ربط إجراء الإنتخابات بالميثاقية، وبات التمديد أمراً واقعاً، بعد أن كان النائب وليد جنبلاط قد وافق عليه فتوفر له التأييد الإسلامي السنّي والشيعي والدرزي، وبقي أن يتأمن له القبول المسيحي الذي كان هناك إجماع داخل مكوناته على رفض التمديد، وربط كل طرف سياسي مسيحي مواقفته بما يؤمن مصالحه، وتضاربت الآراء حوله، «فالتيار الوطني الحر» تمسك بإجراء الإنتخابات النيابية فـي موعدها، ورفض ربطها بانتخابات رئاسة الجمهورية التي تقدم باقتراح أن تجري مباشرة من الشعب طالما أن مجلس النواب منقسم حول المرشحين، ولا يتأمن النصاب القانوني للجلسة، حيث تتحكم فـيه الكتل النيابية بالأصوات القريبة من التعادل بين 8 و14 آذار، وترشيح جنبلاط للنائب هنري حلو، لأنه يرفض التصويت لأي من المرشحين ميشال عون وسمير جعجع اللذين لم ينجح أي منهما فـي تأمين أكثرية الى جانبه، فلا عون استمال «تيار المستقبل»، ولا جعجع نجح فـي فك حظر 8 آذار عنه، كما لعبت الصراعات الدولية والإقليمية أيضاً فـي عدم تمكين لبنان من صناعة رئيسه، وقد ساعد فـي ذلك عدم توافق اللبنانيين على مرشح كان دائماً ينتخب نتيجة تسوية دولية – إقليمية، ويأتي من غير أسماء الأقوياء أو الكبار أو الممثلين الفعليين لطائفتهم أو بيئتهم، حيث ظنّ العماد عون أن مرحلته قد حانت بعد استحقاقين ابتعدا عنه فـي العام 1988 و2008، ليتبيّن له أن السعودية التي تقرّب منها وانفتح عليها وغازل سفـيرها فـي لبنان، وزارها الوزير جبران باسيل موفداً عنه، وضعت «فـيتو» عليه لأنها تعتبره مرشح «حزب الله» فـي لبنان وتحالفه مع إيران، وقد أعلن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله صراحة فـي ذكرى «عاشوراء» أن مرشح فريقه السياسي هو العماد ميشال عون وهي المرة الأولى التي يذكره ودعا الحريري للحوار حوله، دون أن يدخل الصراع السعودي – الإيراني فـيه، وأن إيران تقبل بما يقبل به حلفاؤها وكذلك سوريا.
أما «القوات اللبنانية» فإنها كانت ترفض التمديد وتدعو الى انتخابات رئاسة الجمهورية قبل النيابية، وهو ما أعلن عنه جعجع قبل جلسة التمديد، طالما أن النصاب القانوني للجلسة مؤمن، وليتنافس هو وعون على منصب الرئاسة، لكن ما سماه رئيس القوات مبادرة قبل الولوج الى التمديد الذي تؤيّده القوات كأفضل من الفراغ وإسقاط المؤسسات، فإن عون لم يعطِ رأيه فـيها، ولم تلقَ الصدى الإيجابي فـي 8 آذار التي انقسمت بين مؤيّد للتمديد ورافض له، كما هو واقع 14 آذار فرفض حزب الكتائب التمديد ولم يحضر جلسة مجلس النواب، فـي حين أن «تكتل الإصلاح والتغيير» كما فـي التمديد السابق، انقسم بين مؤيّد ورافض فرفضه نواب «التيار الوطني الحر» وقاطعوا الجلسة ويتجهون الى تصعيد سياسي وقانوني وحضرنواب الطاشناق الجلسة وصوتوا ضد التمديد الذي أيّده نواب كتلة «لبنان الحر الموحد» برئاسة النائب سليمان فرنجية.
والميثاقية التي طلبها الرئيس برّي من الكتل المسيحية الأساسية، حصل عليها من «القوات اللبنانية» ليصبح عدد النواب المسيحيين المؤيدين للتمديد 39 نائباً من ضمنهم النواب المنضوون فـي كتل إسلامية، وهكذا يكون التمديد قد تأمّن له الغطاء المسيحي بأكثرية ثلثي النواب المسيحيين، ويكون رئيس مجلس النواب قد كرّس عُرفاً له سلبياته وإيجابياته، حيث نظر إليه البعض على أنه محاولة لتعطيل الديمقراطية، وعدم تداول السلطة، واستخدام الطوائف لـ «فـيتو» رفض إجراء الإنتخابات، إذ يكفـي أن تعلن طائفة عدم مشاركتها فـي الإنتخابات، سبباً لتأجيلها، وهو لم يحصل فـي العام 1992 عندما قاطع المسيحيون أول انتخابات بعد الحرب الأهلية، وهذا العُرف الجديد وإن كان يستند الى مقدمة الدستور التي تنصّ على أن لا شرعية لأي سلطة لا تمثل أو تعكس صيغة العيش المشترك، إلا أن خبراء قانونيين ودستوريين، يعتبرون ما أقدم عليه الرئيس برّي بدعة لا يمكن تكريسها، لأن من شأن ذلك القفز فوق الدستور، وإن كانت نيته حسنة، و أن رئيس المجلس يفتتح الجلسة وفق تأمين النصاب القانوني لها وليس النصاب الطائفـي أو المذهبي مع أهمية أن يؤخذ بالعامل الطائفـي، لأن الديمقراطية فـي لبنان توافقية ونظامه طائفـي، وهو تكريس للطائفـية السياسية بدل العمل على إلغائها وفق ما نصّ عليه الدستور حتى ما قبل الطائف لأن المادة 95 منه هي حالة مؤقتة، والرئيس برّي من أكثر المتحمسين لتشكيل الهيئة الوطنية التي نص الدستور عليها لتعمل على ا لغائها.
والتمديد المرفوض شعبياً، كان الحراك المدني ضده محدوداً، وهو ما يعكس أن اللبنانيين ليسوا أدوات تغيير الذي لا يرون إمكانية حصوله، وقد تعاطوا مع تمديد النواب لأنفسهم كأمر واقع، وأن الإنتخابات لو حصلت لن تبدل نتائجها فـي حجم الكتل النيابية الحالية، مع قانون انتخاب يوزّع الدوائر الإنتخابية وفق المصالح السياسية والطائفـية لأمراء الطوائف ومرجعياتها الذين يفرضون المرشحين على ناخبيهم، كما يعزز سلطة المال إذ زاد عدد النواب الرأسماليين فـي الدورات التي أعقبت وقف الحرب عما كان عليه قبل اندلاعها، إذ يلعب المال السياسي مع احتكار الإعلام دوراً فـي تزوير ارادة الناخبين والتأثير على قرارهم.
فعدم قيام مجلس النواب فـي الفترة الأولى التي تمّ التمديد له فـيها من إصدار قانون انتخاب جديد نص اتفاق الطائف على أن يكون خارج القيد الطائفـي ويوزّع الدوائر من خلال تكبيرها واعتماد النسبية، هو الذي فرض التمديد الثاني، لأنه لو صدر قانون انتخاب على أساس لبنان دائرة واحدة واعتماد النسبية، لكان تغيّر وجه لبنان السياسي أقله بحوالي 50 بالمئة ويكون اللبنانيون اتّجهوا نحو دولة مدنية، وبدأوا السير على طريق إلغاء الطائفـية، و تلاشت كل مصطلحات الميثاقية والعيش المشترك والديمقراطية التوافقية.
التمديد لمجلس النواب يعكس أن النظام الطائفـي المستمر دون الاصلاح الذي نص عليه اتفاق الطائف سينفجر من جديد، وهو تمديد لأزمة يرفض السياسيون حلّها.
Leave a Reply