بالرغم من الصور النمطية الفاقعة التي تحيط بالسعوديين، إلا أن نموذج الإنسان السعودي في الولايات المتحدة عادة مايكون طالباً جامعياً حيث إرتفعت بسرعة فائقة نسبة الوجود السعودي في المعاهد والجامعات الأميركية خلال السنوات السبع الماضية، إذ بات عدد الطلاب السعوديين الذين يدرسون في الجامعات الأميركية يشكل نسبة 4,5 بالمئة من مجمل عدد الطلاب الأجانب في الولايات المتحددة. أما في جامعات ميشيغن فيحتل الطلاب السعوديون المرتبة الخامسة بين الطلاب الدوليين ويشكلون ما نسبته 5 بالمئة من الجسم الطلابي الأجنبي.
البداية في هذا الإرتفاع كانت عام 2006 حين دشنت وزارة التعليم العالي السعودية برنامج المنح الدراسية لإرسال طلاب (مبتعثون) إلى الجامعات العالمية. وحسب عمرو العمري الرئيس السابق لرابطة الطلاب السعوديين في جامعة «وين ستايت» فإن أحد أهداف برنامج البعثة الدراسية هو تجهيز الكادر التعليمي والمهني لجامعات المملكة البالغ عددها 27 جامعة.
وأضاف العامري الذي يسعى حالياً للحصول على درجة الدكتوراه في الهندسة الصناعية من جامعة «وين ستايت» في ديترويت، أن الطلاب الذين يستوفون شروط برنامج البعثة يحصلون على منحة دراسية كاملة للدراسة في جامعة يختارونها مع مخصصات شهرية من أجل السكن والتنقل.
أما الروابط الطلابية الجامعية فيجري تمويلها من قبل الحكومة السعودية بالتعاون مع إدارة الجامعات المضيفة. والهدف هو مساعدة الطلاب الجدد على التأقلم مع الوضع الجديد والسكن والإندماج في الحياة الجامعية. وقال العمري «نقوم بنقل الطلاب من المطار ونجد لهم أماكن للسكن ونؤمن لهم هاتفاً خليوياً وبطاقة إئتمان (كريدت كارد) بعد ذلك يتعلمون اللغة، والنظام العام وفي شهور عديدة يقومون هم بمساعدة القادمين الجدد من الطلاب وهكذا دواليك مثل سلسلة متكاملة».. وأردف «أن الطلاب السعوديين في منطقة ديترويت هم محظوظون بسبب وجود الجالية العربية التي تحيط بهم من كل جانب»، معظم الطلاب يسكنون في حرم الجامعات ولكنهم يزورون المساجد والمطاعم في ديربورن، لذا نقول نحن محظوظون هنا.. على عكس طلاب يعيشون في ولاية تينيسي مثلاً.. حيث يعانون صعوبات في إيجاد مسجد أو شخص يتحدثون إليه باللغة العربية».
واستطرد العمري الذي إنتسب إلى جامعة «وين ستايت» عام 2007 أن «الطلاب السعوديين يتفاعلون مع باقي أفراد الجالية العربية وعلاقتهم معها جيدة، والأمر السلبي الوحيد لوجودهم هنا هو عدم إتقانهم اللغة الإنكليزية بنفس الإلحاح الشديد مثل غيرهم من السعوديين في أجزاء أخرى من الولايات المتحدة لأنهم هنا يتكلون على المخاطبة بالعربية مع المتحدثين العرب بشكل يومي».
وأردف «السعوديون في ديربورن لا يمكن تمييزهم عن غيرهم لأن مظاهرهم الخارجية متنوعة وهم مندمجون تماماً وكأنهم جزء لا يتجزأ من الجالية».
وأشار إلى عدم وجود تمثيل رسمي للسعوديين داخل الجالية إلا عبر الرابطة الطلابية ولأن الجميع مازالوا طلاباً فلا يوجد مثلاً أطباء أو محامون سعوديون في منطقة ديربورن، مثل باقي الجنسيات العربية.
إبراهيم المرحبي طالب يدرس برنامج اللغات الشرقية في جامعة «وين ستايت»، منذ فصلين دراسيين، قال إنه لم يشعر بأي تمييز من أحد في الولايات المتحدة وإن «رابطة الطلبة السعوديين» ساعدته على التكيف مع الثقافة الأميركية.
وأكد عدم وجود أي توتر على أساس مذهبي أو عرقي بين الطلاب السعوديين والجالية العربية الأميركية وأضاف «هناك مفهوم خاطىء بأن بعض الناس لا يروقون لبعضهم الآخر لكن الحقيقة أن في السعودية مذاهب عديدة مختلفة ونحن لا نفكر حتى مجرد تفكير بالموضوع (المذهبي)». وأكد أن «ولاية ميشيغن هي المثلى للطلاب الأجانب خصوصاً العرب.. وأنا أعيش في ديربورن هايتس والجالية العربية هنا عظيمة ودائماً تشجعنا وتساعدنا وأنا لي الشرف بأن أكون جزءاً منها». ووصف العمري والمرحبي الجالية بأنها متسامحة وتعددية، وأعرب الأخير عن رغبته بالمشاركة في نشاطات الجالية العربية إلا أن شروط الفيزا الطلابية تحد من هذا الطموح وكل النشاطات تتم عبر حرم الجامعة. وتحتفل رابطة الطلبة السعوديين بمناسبات ثلاث في حرم الجامعة هي عيد الفطر وعيد الأضحى واليوم الوطني السعودي.
وسنوياً، يجتمع رؤساء الروابط الطلابية المنتشرة في الولايات الأميركية مرتين في واشنطن لبحث التحديات التي تواجه الطلاب. كما أن الحكومة السعودية تمول مهرجاناً سنوياً لربط الطلاب في أميركا بمؤسسات عمل في السعودية من بينها جامعات سعودية وشركات أميركية، كما أن قبل إبتعاث الطلاب إلى أميركا يجري تعريفهم على الثقافة الأميركية واللغة عبر محاضرات في السعودية قبل أن يسافروا إلى الولايات المتحدة. وقال العمري إن السعودية تغيرت في الآونة الأخيرة وأضحت أكثر إنفتاحاً من الناحية الثقافية. إلا أن الحنين إلى البلد الأصلي وعاداته وتقاليده لا يمكن إلغاؤه تماماً رغم أن هذه الظاهرة بدأت تتضاءل سنة بعد أخرى حيث أن «الصدمة الثقافية» بدأت تضمحل حيث أن الطلاب السعوديين المبتعثين باتوا يعرفون الكثير عن الثقافة والعادات والأخلاق الأميركية حتى قبل وصولهم الى الولايات المتحدة، بحسب وليد العمر، رئيس رابطة الطلاب السعوديين في «جامعة ميشيغن-آناربر».
والرابطة التي يرأسها العمر لا تلقى دعماً مباشراً من الحكومة السعودية بسبب حجم العضوية، حيث تضم هذه الرابطة ٣٠ طالباً فقط، في حين أن رابطة «وين ستايت» تضم ٢٥٠ طالباً سعودياً. ويشير العمر الى إن الرابطة التي يرأسها لا تنظم مناسبات بسبب غياب التمويل لكنها تحرص على عقد لقاءات دورية بين الطلاب ومساعدتهم، بدعم من رابطة الطلاب السعوديين في جامعة «إيسترن ميشيغن» في مدينة إبسلانتي المجاورة لآناربر.
ويلفت العمر الى أن جامعة «ميشيغن-آناربر» تضم أقل عدد من الطلاب السعوديين مقارنة بباقي جامعات الولاية، وذلك بسبب سياسات القبول المتشددة التي تتبعها الجامعة. ويضيف «الطلاب المبتعثون يرغبون بالإنضمام الى جامعات مرموقة مثل هارفرد أو ستانفورد، وفي أحيان كثيرة يكونون مخوّلين لذلك، لكن حاجز اللغة يدفع الكثيرين الى القبول بجامعات ذات مستوى أقل».
وبحسب معهد التعليم الدولي، بلغ عدد الطلاب السعوديين في الجامعات الأميركية حوالي ٣٤ ألف طالب في العام ٢٠١٢.
ويتفق العمري والعمر على أن نسبة الطالبات السعوديات من المبتعثين في أميركا ٥٠ بالمئة. ويقول العمر «إن عدم السماح للنساء بقيادة السيارة «لا يمنع أعداداً كبيرة منهن من الإنضمام إلى سوق العمل، بسبب البحبوحة الإقتصادية والتطور المجتمعي هناك». وأضاف أن «قيادة السيارة لا تشكل عائقاً أمام النساء السعوديات اللواتي يردن التخرج والحصول على وظيفة»، مشيراً الى إطلاق مشروع نقل عام ضخم جداً يجري العمل به حالياً في المدن السعودية.. والأمور تبشر بالخير».
Leave a Reply