مضى أكثر من أسبوع على مجزرة «الراشدين» الوهَّابية في حلب التي استهدفت السكان النازحين من بلدتي «كفريا» و«الفوعة» وأدت إلى استشهاد 126 شخصاً من بينهم 80 من الأطفال، ولم ينخلع قلب إيڤانكا، ابنة الرئيس ترامب، على صور أولئك الأطفال، وهم بالمناسبة سوريون أيضاً كأطفال «خان شيخون» الأبرياء، رغم أنَّ وسائل الاعلام و«السوشال ميديا» أظهرت أشلاءهم داخل وخارج الباصات بشكل مرعب ومقزِّز أكبر من تمثيلية الكيماوي التي على أساسها قامت واشنطن بالإعتداء على سوريا عبر قصف مطار «الشعيرات» بصواريخ «توماهوك». وعلى غير عادته، الرئيس المغرِّد لم ينبس ببنت شفة عن هذه الجريمة المروِّعة.
لقد خطط السفاحون الدواعش لهذه المجزرة بحيث يفتكون بأكبر عدد ممكن من الأطفال بشكل يذَكِّر بممارسات إسرائيل حيث وقَّت الإنتحاري التكفيري تفجير جيفته أثناء توزيع الأكل والحلوى على الأطفال وابتعاد المسلحين عن مسرح جريمته. لكن رغم المذبحة، لم تتصرف الحكومة السوريَّة وحلفاؤها بمنطق ردة فعل وطبَّقت اتفاق نقل سكان مضايا والزبداني، الذين لم يتعرضوا لسوء، بحذافيره. بل حتَّى أهالي كفريا والفوعة الطيبين الذين نجوا من المجزرة أصدروا بياناً اتهموا فيه رعاة الإرهابيين (قطر والسعودية وتركيا) بالجريمة النكراء وترحَّموا على شهدائهم وأبنائهم المخطوفين بعد التفجير وطالبوا بإسعاف جرحاهم والاقتصاص من القتلة ثم أثنوا على عدم أذية عائلات الزبداني ومضايا النازحين واحترام العقود والمواثيق. هذه أخلاق مدرسة أهل البيت مقابل «أخلاق» وعهود الوهَّابية الداعشية!
ولنبقَ بظل الحديث عن الأخلاق والقيم المعدومة في الغرب المنافق الذي لم يهتم باستشهاد الأطفال في «الراشدين» ولم يقم بعمل ما ضد المسلحين المجرمين حتَّى ولو بالكلام ولم يصفهم بأبشع النعوت كما فعل مع الرئيس السوري بشَّار الأسد وحكومته حتَّى قبل ان يكتمل التحقيق في قضية الهجوم الكيماوي ولم يزر أحد الموقع الخاضع لسيطرة «النُصرة» غير أصحاب «الخوذ البيض» الكذابين المتواطئين مع الدواعش.
فرنسا مشغولة بانتخاباتها الرئاسية ولعق جراحها بعد هجوم الشانزليزيه ولم تتعلم نتيجة دعمها للارهاب، اما مندوب بريطانيا الاستعمارية الحاقد في الأمم المتَّحدة ماثيو رايكروفت الذي كان رأس الحربة في الحملة على سوريا قبل أن يؤدِّبُه المندوب الروسي فلاديمير سافرونكوف، لم يقل كلمة واحدة عن مجزرة «الراشدين» وكذلك رئيسه الصهيوني وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون، أو معلمته الشمطاء تيريزا ماي التي تطمح لتكون مارغريت تاتشر مسعورة أخرى. وهذا بالضبط ما حمل الكاتب البريطاني روبرت فيسك على التساؤل عن ازدواجية المعايير والنفاق الغربي وتابع قوله: «كيف لا يشعر هؤلاء بالعار؟ ما هذا الوجه المكشوف الذي يظهرونه؟ وما مدى الفظاعة التي من شأنها أن تجعل الرحمة تجف في عروقنا، ألا تستحق المجزرة الأخيرة التي وقعت بحق الأطفال الأبرياء نفس الكم من الدموع والغضب، كما حدث في المذبحة الأولى». وختم فيسك مقاله في «الاندبندنت» بالقول «إننا ندعي بكل أسف أن العنف في الشرق الأوسط ليس له علاقة بنا، في حين نحن مصدره الرئيسي».
بالعودة إلى المسرحية الكيماوية في «الخان»، أكد الخبير الأميركي العالمي في الأسلحة الكيميائية، ثيودور بوستل، في مقال له مدعم بالوثائق والتحليل العلمي نشره في صحيفة «كاونتر بانش» الأميركية على الإنترنيت، أكد براءة الحكومة السوريَّة من الهجوم الكيميائي وشكَّك في صحة تقرير الإستخبارات الأميركية الذي قدمته لترامب وزعمت فيه أنَّ الطائرات السوريَّة ضربت المنطقة بقنبلة كيميائية وهذا غير صحيح لأنَّ القنبلة كانت موجودة على الأرض وأنَّ الروس أبلغوا الأميركيين بأنَّ المقاتلات السوريَّة ستقصف المنطقة قبل 24 ساعة. إذاً الفبركة التي تحدث عنها الرئيس الأسد لم تعد مستبعَدَة، بدليل التراجع في الموقف الأميركي باستثناء مندوبة ترامب المسعورة في الأمم المتَّحدة نيكي هيلي، فخلال زيارة وزير الخارجية الاميركي ريكس تيليرسون إلى موسكو اتفق مع نظيره الروسي سيرجي لاڤروڤ على ضرورة التحقيق في القضية ممَّا يعني أنَّ الإدارة الأميركية قامت بالعنوان من دون التأكد مئة بالمئة من مسؤولية دمشق. وإذا أخذنا كلام بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري بأنَّ الروس أبلغوا الوفد السوري الزائر لموسكو أنَّ ترامب لن يكرِّر الضربة الصاروخية على قاعدة «الشعيرات» ولا غيرها، فهذا يعني أنَّ واشنطن هيَّأت وفبركت الأسباب لتبرير العدوان بهدف إظهار ترامب بمظهر الرئيس القوي والمتحرر من سطوة بوتين. وإنْ لم يصدقن أحد بوجود هذه الفبركة فتذكروا كولن باول وطوني بلير (بيبي) ومسرحية أسلحة الدمار الشامل في عهد السيِّء الذكر جورج دبليو بوش.
لكن هذا لا يمنع وجود مخطَّط أميركي بتعزيز الحلف مع بني سعود رغم قانون «جاستا» وبدء مقاضاتهم في المحاكم الأميركية لابتزازهم أكثر كالبقر الحلوب، وتمتين التحالف بينهم وبين إسرائيل بالاضافة إلى الإمارات وقطر والبحرين والأُردن، كما تدل زيارة ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، إلى الرياض بالتزامن مع إعلان فشل السعودية في عدوانها على اليمن وأخذ واشنطن زمام المبادرة منها بدليل حملة ماتيس على إيران وصواريخ اليمن الصامد التي تدك حصون بني سعود. وربَّما لهذا السبب شرب بقايا 14 آذار حليب السباع فبعث وزير الدولة لشؤون النازحين في حكومة الحريري، معين المرعبي، عزاءه لبني سعود لموت 12 من ضباطهم بتحطم طائرتهم وأدان الصواريخ اليمنية على السعودية التي «تفتك بالأبرياء»، لكنَّه لم يسمع بأطفال اليمن والمدنيين الآخرين العُزَّل الذين استهدفتهم يد الإجرام السعودي! إنَّه زمنُ انقلاب القيم والمفاهيم!
Leave a Reply