كمال ذبيان – «صدى الوطن»
تفاهم 6 شباط في العام 2006، الذي وُقّع بين رئيس «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، لم يسرِ على رئيس حركة «أمل» نبيه برّي، الذي لم تقم علاقة إيجابية دائمة بينه وبين العماد عون، بل كانت ظرفية ومصلحية، وهو ما حصل أيضاً مع وريث عون السياسي، صهره الوزير جبران باسيل، والذي نصّب رئيساً للتيار دون انتخابات داخله، وسهّل وصوله إلى أن يكون وزيراً لعدة دورات، ومن ثمّ نائباً، وحمل معه إرث اللاثقة بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر»، وقد تراشقا بالإتهامات ما بعد أحداث الطيونة–عين الرمانة.
عزل عون
فالعلاقات بين الطرفين، لم تكن سليمة، إذ اختلف عون وبرّي على مفهوم بناء الدولة، منذ انخراط «التيار الوطني الحر» في الحياة السياسية اللبنانية، وعودة مؤسسه من منفاه القسري في فرنسا، حيث وقف رئيس مجلس النواب، في منطقة وسطية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقرّر استيعاب ما حدث، بمنع حصول فتنة سنّيّة–شيعية، كانت هدفا للذين خططوا لمقتل الحريري، فنجح في إقامة تحالف رباعي في الانتخابات النيابية التي حصلت في أيار 2005، وضم حركة «أمل» و«حزب الله» من جهة، و«تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» من جهة ثانية، والتحقت به «القوات اللبنانية» بطريقة غير مباشرة، عبر ضم مرشحها الدكتور إدمون نعيم إلى لائحة «الثنائي الشيعي» في دائرة بعبدا، حيث فاز بأحد المقاعد المارونية.
حينها، شعر عون، أن هناك مَن يعمل لعزله وتحجيمه سياسياً، بعد أن حذر رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، من أنه سيشكّل «تسونامي» في الانتخابات النيابية، وهو ما تحقق للجنرال باكتساحه للشارع المسيحي بعد أن بدا محاصراً ومستهدفاً من قبل القوى الحزبية الإسلامية.
وبالفعل، جاءت نتائج الانتخابات لصالح التيار البرتقالي الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد المسيحية مشكلاً كتلة نيابية من 29 نائباً، ضمّت بعض النواب من طوائف أخرى.
انتصار عون الكاسح أجبر البطريرك الماروني الراحل نصرالله صفير، على الاعتراف بزعامته للمسيحيين بعد أن حصد 70 بالمئة من أصواتهم في 2005، وهذا ما شجّع «حزب الله» على التعجيل في إبرام التفاهم مع «التيار الوطني الحر» –رغم مساعي برّي الرافضة لهذا التقارب– ليشكل التيار البرتقالي غطاء مسيحياً للمقاومة، لاسيما وأن كلا الطرفين يتفق على محاربة الفساد.
تفاهم مار مخايل
شكّل تفاهم «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» –الذي جرى توقيعه في كنيسة مار مخايل، التي لها رمزية تاريخية على خطوط التماس التي تشكلت خلال الحرب الأهلية– رافعة شعبية للمقاومة لدى غالبية المسيحيين الذين رفضوا المشروع الإسرائيلي، على عكس «القوات اللبنانية» التي لطالما راهنت على الغرب ودولة الاحتلال.
وبالفعل، كان العدوان الإسرائيلي على لبنان في 12 تموز 2006، امتحاناً قاسياً للتفاهم الذي صمد وشكّل حاضنة شعبية للمقاومة التي رأت في الحليف الجديد خياراً صائباً، وقررت منذ ذلك الحين أن تدعم وصول عون لرئاسة الجمهورية، خلفاً للرئيس إميل لحود الذي ساند المقاومة خلال حرب تموز وقبلها، كما احتفل معها بتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي عندما كان قائداً للجيش عام 2000، وهو الذي أسس ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» التي مكّنت لبنان من تحرير الأرض والصمود أمام الغطرسة الإسرائيلية، بعد أن كانت البلاد على وشك توقيع اتفاق سلام مخز مع إسرائيل (اتفاق 17 أيار) في عهد الرئيس الأسبق أمين الجميل.
تناقض عون وبرّي
صمدت المقاومة وصمد معها تفاهم مار مخايل، لكن التناقض بين عون وبرّي أخذ يتزايد، حتى قبل أن يصل الجنرال إلى رئاسة الجمهورية، وذلك لأن زعيم «التيار الوطني الحر» أراد أن يكون شريكاً فعلياً في السلطة رافعاً شعاري «الإصلاح والتغيير» و«حماية حقوق المسيحيين»، وهو ما لم يعجب برّي، الذي يعتبر أحد أبرز أركان تركيبة النظام اللبناني بعد انتهاء الحرب الأهلية.
وفي ظل التناقضات مع عون، تبنّى برّي وصول سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية –على عكس «حزب الله»– وذلك بسبب تباعد الرؤى بينه وبين الجنرال، لاسيما في فكرة محاربة الفساد، التي وضعت عون في مواجهة مع بقية أركان السلطة كالحريري وجنبلاط.
ووسط حياد «حزب الله»، كان عون وتياره السياسي يتهمون بري بالوقوف عقبة أمام الإصلاح، فرد الأخير بالتصويب على ممارسات «التيار الوطني الحر»، ولاسيما جبران باسيل أثناء توليه وزارة الطاقة، حيث ظهرت اتهامات بالفساد ضده خاصة في ملفات معامل إنتاج الكهرباء وبواخر الفيول فضلاً عن توظيف أنصاره في إدارات الدولة، تحت شعار «حقوق المسيحيين». وازداد الشرخ بين الطرفين وسط عتب كل منهما على «حزب الله»، لوقوفه على الحياد.
التوتر بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر»، ازداد حدة بعد وصول عون إلى رئاسة الجمهورية، رغماً عن برّي الذي لم يسهّل له انطلاق العهد، وفق ما يؤكّد باسيل الذي وصف في إحدى المناسبات رئيس مجلس النواب بـ«البلطجي»، وقد أشعلت تلك العبارة شارع الطرفين، وحصلت مناوشات بينهما في أكثر من منطقة، ليزداد «حزب الله» حيرة في التعامل مع حليفيه.
فالحزب لا يريد فك ارتباطه بحركة «أمل» للحفاظ على وحدة الموقف السياسي، ومنع الصراع داخل الطائفة الشيعية، وفي الوقت نفسه يرغب في أن يبقى التفاهم مع «التيار الوطني الحر» قائماً، للحفاظ على الغطاء المسيحي للمقاومة.
وحتى الآن، يحرص التيار والحزب على القفز فوق التناقضات والظروف المرحلية والمصلحية، لكن العلاقة السلبية للعونيين مع برّي لاتزال تهدد التحالف مع «حزب الله» المنزعج من تبادل الاتهامات بين حليفيه، والتي كانت تنعكس على محازبي الطرفين وجمهورهما.
ولا يخفى على أحد أن من أبرز أسباب العلاقة السيئة والملتبسة بين الجانبين، أن برّي مازال على موقفه بدعم فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهو موقف «حزب الله» المبدئي، مما أثّر على العلاقات مع «التيار الوطني الحر» ورئيسه باسيل الطامح للرئاسة.
ولكن ما زاد الطين بلة بين عين التينة وبعبدا، كان موضوع القاضي طارق البيطار، والتحقيق العدلي الذي يجريه في قضية انفجار مرفأ بيروت، والذي عمق الشرخ بين حركة «أمل» و«حزب الله» من جهة، و«التيار الحر» من جهة ثانية. وقد برز ذلك بوضوح من خلال مواقفهم المعلنة، إذ يؤيّد الحليفان الشيعيان إقالة البيطار بسبب استنسابية التحقيق ومحاولات تسييسه، فيما يرفض الرئيس عون وتياره، وأطراف مسيحية أخرى، المس بالقاضي. وأدّى هذا الخلاف إلى تعليق جلسات الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، حيث هدّد وزير الثقافة محمد مرتضى (عن «أمل») بالنزول إلى الشارع، مهدداً بأن مَن يمسّ بوزير الحركة السابق علي حسن خليل، «سيلقى ما لا يرضيه». واعتبر هذا التهديد رسالةً من برّي إلى عون المتمسك بالبيطار، ومثله ميقاتي الذي ترك للقضاء معالجة الموضوع، لأنه ليس ضمن صلاحيات الحكومة.
وفي الوقت الذي كانت تجري معالجة عودة الحكومة إلى اجتماعاتها، حصلت مجزرة الطيونة بحق متظاهرين من أنصار حركة «أمل» و«حزب الله»، ليزداد مصير حكومة ميقاتي تعقيداً.
وبينما وضع القضاء العسكري يده على التحقيق في مجزرة الطيونة، مدعياً على 68 شخصاً بينهم «قواتيون»، ترى أوساط «التيار الوطني الحر» أن الجريمة الدموية يجري استغلالها بالتواطؤ بين «أمل» و«القوات اللبنانية»، للإطاحة بالقاضي بيطار من جهة وتحسين شعبية سمير جعجع في الشارع المسيحي، قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات النيابية المقررة في الربيع القادم.
Leave a Reply