التقى وزير الأمن الداخلي الأميركي جون كيلي بممثلين عن الجاليات العربية والكلدانية واللاتينية في اجتماعات منفصلة عقدها في منطقة ديترويت، الإثنين الماضي.
وبعد لقائه ممثلين عن الكلدان الأميركيين واللاتينيين في مطار ديترويت الدولي، توجه الوزير كيلي إلى مدينة ديربورن حيث عقد اجتماعاً مغلقاً مع شخصيات عربية أميركية للاستماع إلى شكاوى المجتمع المحلي بدعوة من السناتور الديمقراطي عن ميشيغن غاري بيترز، وحضور زميلته في مجلس الشيوخ الأميركي ديبي ستابينو.
غير أن الاجتماع الذي عقد في إحدى قاعات المتحف العربي الأميركي اتسم بجو من العصبية والتوتر، مع إصرار عدد من الحاضرين على وجود تمييز ممنهج ضد العرب والمسلمين تمارسه الوكالات الفدرالية التابعة للوزارة، وفي مقدمتها شرطة الهجرة والجمارك والحدود.
التمييز في المطارات وعلى الحدود
أثار إصرار مؤسس «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» المحامي نبيه عياد، على وجود تمييز ممنهج ضد العرب والمسلمين، حفيظة كيلي الذي لوح بمغادرة الاجتماع مؤكداً أنه على ثقة تامة بأن عناصر الجمارك والحدود CBP يقومون بمهامهم على أفضل وجه.
وطالب عياد، بوضع آلية لتوثيق التوقيفات والتحقيقات وأوامر منع العبور التي يصدرها العناصر على المنافذ الحدودية، تماماً كما هو حال الكاميرات التي يتم تثبيتها على صدور عناصر الشرطة لتوثيق تعاملهم مع المدنيين.
وأثار إصرار عياد استياء كيلي الذي نهض من مقعده قائلاً إن «عناصر الوكالات يقومون بعملهم بشكل جيد»، وأضاف متوجهاً إلى عياد «ليس عليّ أن استمع إلى كل هذا، سوف أغادر حتى تنتهي من طرح الأسئلة».
فتوقف عياد عن الكلام، واستعاد هدوءه ليواصل اللقاء الذي استمر لمدة ساعة كاملة.
وفي وقت لاحق، أشار ديفيد لابان –وهو أحد ممثلي وزارة الأمن الداخلي ممن حضروا اجتماع ديربورن– في بيان صحفي إلى أن «أحد المشاركين في اجتماع مع قيادات من العرب الأميركيين كان يضغط باستمرار على الوزير، مدعياً بشكل غير صحيح أن مسؤولي وزارة الأمن الداخلي منخرطون في استهداف وتنميط العرب والمسلمين».
وأضاف البيان «إن الوزير كيلي كرّر أن ضباط وكالة الجمارك والحدود (سي بي بي) وشرطة الهجرة والجمارك (آيس) يقومون بواجباتهم بطريقة مهنية وإنسانية طبقاً للقانون»، مشيراً إلى أن الوكالات الفدرالية «لا تستهدف الأفراد تبعاً لأعراقهم وأديانهم وآرائهم السياسية».
ورفم انفتاحه على تقريب وجهات النظر خلال الاجتماع، تمسك كيلي بإنكاره وجود مضايقات عنصرية ممنهجة يتعرض لها العرب والمسلمون الأميركيون في المطارات وعلى المعابر الحدودية الأميركية، مؤكداً على مهنية عناصر «آيس» و«سي بي بي».
وشدد عياد في حديث مع «صدى الوطن»: على أن المضايقات التي يتعرض لها العرب والمسلمون من قبل الوكالات الفدرالية «ليست مجرد مزاعم.. فنحن نعيشها بشكل يومي، وإذا كان (الوزير) لا يرغب بالحديث إلينا، فالخطوة التالية لن تتضمن أية إنجازات».
أسئلة مشروعة
واعتبر المدير التنفيذي لـ«أكسس» حسن جابر في تصريح لـ«صدى الوطن» أن أسئلة عيّاد مشروعة وتمثل حقيقة إحباط ومخاوف الجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة، وقال «علينا أن نتحدث بصراحة حول المخاوف الاجتماعية.. علينا أن نكون حقيقيين، وأن نعبر عن هواجس المجتمع بالمطالبة بما هو عادل».
وأضاف جابر الذي كان حاضراً في الاجتماع أنه –بكل الأحول– على العرب الأميركيين أن يتوقعوا أوقاتاً أكثر صعوبة تحت إدارة ترامب، لكن ذلك لا ينبغي أن يثنيهم عن الاستمرار بالمشاركة في العملية السياسية.
وفي سياق اعتراضه على الأوامر الرئاسية بحظر السفر من بلدان أغلبية إسلامية، أفاد جابر لـ «صدى الوطن» بأنه أبلغ كيلي خلال الاجتماع بأن المسلمين الأميركيين يتعرضون لضرر بالغ حين تقوم الإدارة الأميركية بتحميل الإسلام مسؤولية التهديدات الإرهابية، وليس لتنظيمات محددة كـ«داعش» و«القاعدة».
وأبدى كيلي تفهمه لهذا الطرح، مؤكداً أن البلاد بحاجة إلى البدء بنقاش وطني حقيقي حول هذه المسألة.
كما أبدى كيلي انفتاحاً حول دراسة مقترح تزويد عناصر «آيس» و«سي بي بي» بكاميرات محمولة على صدورهم، بحسب جابر.
بيترز يتضامن مع الجالية.. ولكن!
ووصف السناتور الأميركي غاري بيترز الاجتماع الذي كان هو أحد الداعين إليه، بأنه كان اجتماعاً بنّاء، مؤكداً ضرورة إنشاء آلية تحمّل شرطة الهجرة والحدود مسؤولية التمييز في حال وقوعه، مشيراً إلى أنه لا تتوفر حالياً أية بيانات أو دلائل رسمية على وجود تمييز ممنهج ضد العرب والمسلمين الأميركيين.
ولفت السناتور إلى أن جولته مع كيلي، شملت أيضاً اجتماعاً مع جمعية «ضباط شرق أوسطيين في الوكالات الفدرالية» (ميلوا) التي نفى أعضاؤها انخراط دوائرهم في ممارسات التضييق واستهداف الأقليات.
وعلى غرار كيلي، أبدى بيترز لـ«صدى الوطن» ثقته بعناصر وكالات الهجرة والحدود، لكنه حثّ النشطاء الحقوقيين على تزويد مكتبه بأي تفاصيل أو شكاوى محددة لأفراد تعرضوا لمعاملة خاطئة.
وأكد بيترز أن وجود شعور عام لدى مجتمع برمته بأن أفراده معرضون للتمييز له انعكاسات سلبية على هذا المجتمع برمته، مشدداً على ضرورة معالجة الموضوع.
تجدر الإشارة إلى أن ديربورن كانت قد صُنفت كثاني مدينة بعد نيويورك من حيث عدد الأشخاص الموضوعين على لوائح «مراقبة الإرهاب»، بحسب تقرير مسرب من «مكتب التحقيقات الفدرالي» (أف بي آي)، نشره موقع «إنترسبت» الإلكتروني عام 2014.
وفي أعقاب نشر ذلك التقرير، بادرت «اللجنة العربية الأميركية للحقوق المدنية» بفتح خط هاتفي ساخن، لمساعدة العرب الأميركيين المدرجين على قوائم مراكز مراقبة الإرهاب
1–844–CANT–FLY
كما انتقد بيترز قرار وزارة العدل الأميركية بمعاقبة «مدن الملاذ» التي لا تسلم المهاجرين غير الشرعيين لسلطات الهجرة بقطع التمويل الفدرالي عنها، مؤكداً أنه لا يجوز معاقبة المدن لعدم قيام الحكومة الفدرالية بواجباتها، لاسيما وأن البلديات المحلية تعاني أصلاً لتوفير الخدمات الأساسية لسكانها، وبالتالي يجب على السلطات الفدرالية مناقشة سبل توفير تمويل إضافي لهذه المدن لكي تتمكن من التعامل مع المجرمين والمطلوبين بدل حرمانها من الأموال الحكومية.
أزمة هوية
وتخللت الاجتماع مع كيلي في ديربورن، مداخلات لكل من مديرة غرفة التجارة الأميركية العربية فاي بيضون التي استعرضت أمام الوزير الانعكسات الاقتصادية السلبية لقرار حظر الهجرة الرئاسي على المجتمع المحلي.
كما تحدثت خلال الاجتماع ممثلة «جمعية الطلاب المسلمين الوطنية»، الناشطة فاطمة سلمان، التي أكدت على وجود «أزمة هوية» يعيشها الكثير من الشباب الأميركي المسلم الذين «يتم إقصاؤهم وربطهم بشيء لا ينتمون إليه إطلاقاً» بحسب ما صرحت لـ «صدى الوطن».
سلمان شددت على أنه لا يوجد تعارض بين عقيدتها ومواطنيتها، ولفتت أنظار كيلي إلى أن الشباب المسلم لم يسمعوا من الرئيس (دونالد ترامب) أي شيء إيجابي عن المسلمين في أميركا.
وأضافت بأن «الشعور بالانعزال وعدم الانتماء إلى المجتمع هما أساس التطرف، وإن إدارة ترامب تمهد الطريق لتفاقم هذه المشكلة».
وأشارت سلمان إلى أنها أجرت محادثة جانبية مع كيلي عقب انتهاء الاجتماع، وسألته لماذا لا تعكس سياسة الإدارة مواقفه المرنة التي أبداها خلال الاجتماع لاسيما انفتاحه على مقترح تزويد عناصر الهجرة والحدود بكاميرات محمولة وضرورة فتح نقاش وطني بشأن تحميل الإرهابيين مسؤولية الإرهاب وليس المسلمين. فأجاب كيلي –بحسب سلمان– إنه يبذل أقصى جهوده لتحقيق ذلك.
وشارك بالاجتماع أيضاً كل من الرئيسة المشاركة لمنتدى «بريدجز» المحامية منى فضل الله، ومحامية مقاطعة وين زينة الحسن، والدكتور يحيى الباشا، ومدير عمليات شرطة مقاطعة وين مايك جعفر وآخرون.
مؤتمر صحفي
وفي وقت لاحق من يوم الاثنين الماضي، تحدث كيلي إلى الصحافيين خلال تفقده لمنشأة فدرالية تابعة لوكالة «سي بي بي» بالقرب من جسر إمباسادور في مدينة ديترويت، حيث شدد وزير الداخلية على أنه سيواصل تطبيق القوانين التي أقسم على تنفيذها، قائلاً إن الاعتراضات على إجراءات الإدارة الجديدة بشأن الهجرة يمكن طرحها أمام الكونغرس بغرض تعديل القوانين، مؤكداً أنه سيواصل تنفيذ القانون بغض النظر عن مواقفه الخاصة تجاه القضية.
وأكد كيلي أن إجراءات التدقيق الإضافية على المعابر الحدودية لا تقوم على أساس الدين أو العرق أو الميول السياسية، قائلاً «إنني أرفض (ادعاء) أي شخص يزعم عكس ذلك».
وأشار وزير الأمن الداخلي إلى أن البلاد تواجه أزمة حقيقية بوجود ١١ مليون مهاجر غير شرعي على أراضيها، وقال إن «معظمهم ليسوا أناساً سيئين ولكن بعضهم كذلك ونحن سنلاحق أسوأ السيئين» في إشارة إلى عمليات الترحيل التي تقوم بها وكالة «أيس».
كما أكد كيلي على أن قراري إدارة ترامب بحظر السفر من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا –ورغم تعليقهما من قبل القضاء الفدرالي– لا يستهدفان فئة محددة، مشيراً إلى أن وزارته ليست بصدد تشديد إجراءات حماية الحدود الشمالية (مع كندا) بل ستبذل جهوداً إضافية على الحدود الجنوبية لمنع تسلل المهاجرين غير الشرعيين الذين بدأت أعدادهم تتراجع بوتيرة سريعة منذ تولي ترامب الرئاسة.
Leave a Reply