بلال شرارة
لم أصدق عندما نـُمِيَ إليّ أن وظيفة مراجع حكومية وسياسية لبنانية وفصائل رسمية واسلامية (كانت ربما ولم تزل) هي زيادة الاحباط اللبناني وبشكل خاص الفلسطيني عبر الازمات الاجتماعية تمهيداً لجعل مشروع التوطين أمراً واقعاً.
طيب، إذا كان مشروع المواطنة فـي الاردن قد حقق دمج الفلسطينيين فـي المجتمع (الدولة فـيما بعد).. وإذا كانت مخيمات سورية قد دمرت والعودة اليها غير ممكنة وغير مشكورة.. وإذا كان اللاجئون الفلسطينيون فـي العراق قد اضحوا على قارعة الوطن العربي.. وإذا كان اللاجئون الفلسطينيون فـي الكويت (أي الخليج) بصورة عامة قد «ضيعوا فـي الصيف اللبن»، فلا يبقى إلا فلسطينيو لبنان.
فـي لبنان دمرت على التوالي مخيمات: تل الزعتر، ضبية، النبطية ومؤخراً نهر البارد (أغلبها لاسباب انخراط الفلسطينيين فـي حروب لبنانية داخلية والاخلال بحسن الجوار) ما عدا النبطية (بسبب القصف الجوي الاسرائيلي) وصبرا وشاتيلا بسبب مجزرة عام 1982.
وإذا كان مخيم «عين الحلوة»، المخيم الفلسطيني الاكبر يعيش -أو نعيش بسببه- هاجس القلق وتقع فـي اطاره تحولات اجتماعية وسياسية. واذا كان مخيم «ويفل» فـي البقاع قد انحسر تأثيره السياسي والانتاجي.. واذا كانت مخيمات صور (برج الشمالي-البص-الواسطة-القاسمية-الرشيدية – البرغلية) إضافة الى مخيم «المية ومية» فـي صيدا، تعيش توترات داخلية وتهدد الجوار بأنها «مخيمات نائمة» يمكن ان تنفجر لاسباب سورية (وهو واقع الامر بسبب المؤامرة على سلاح المقاومة الفلسطينية واللبنانية واسقاط دور ومشروع سلاح المقاومة).
اذا كان كل ذلك حقيقة -وليس نتاج مخيلة مؤامراتية مريضة مثل مخيلتي- يصبح أن الامور تسير نحو استكمال الاحباط الفلسطيني من مشروع التحرير (أيضاً على خلفـية دولية) وهي أن الادارة الاميركية حققت التفاهم بين إيران ودول 5+1 على الملف النووي وعادت العلاقات الدبلوماسية مع كوبا الى مجراها، والولايات المتحدة لا تزال تطرح مشروع الدولتين -احدها الفلسطينية فـي الشرق الاوسط- وهي فـي هذا الاطار حققت وضعاً صعباً ودقيقاً عبر حكومة اسرائيلية هشة وعبر (فلسطين) الانقسام الجغرافـي والسياسي على القرارات فـي غزة. اذا كان كل ذلك حقيقة يضاف اليها تلاشي خدمات «الاونروا» للمخيمات الفلسطينية فـي لبنان، فإن كل ذلك يعني أن تهيّؤ العقل الفلسطيني لقبول التوطين مستمر على قدم وساق.
ما تجدر ملاحظته فـي هذا الامر، أن النقص فـي ميزانية «الاونروا» للعام 2015 بلغ 101 مليون دولار، وأن المتضررين من التلويح بوقف خدمات «الاونروا» يقدر عددهم بحوالي نصف مليون نسمة (نصف مليون لاجىء) فـي لبنان وحده، وان وقف الخدمات سيطال تعليم الاطفال (700 مدرسة فـي مناطق الانتشار الفلسطيني فـي الشرق الاوسط)، منهم ٣٦ ألف طالب فـي لبنان، إضافة الى وقف صرف بدلات السكن وخفض بدل الغذاء.
المجتمع الدولي ليس عاجزاً عن تعويض «الاونروا» على خدماتها، بل هو يتقاعس بشكل مقصود، واللجنة الاستشارية «للانروا» التي اجتمعت فـي عمان يوم الاحد الماضي والتي سبق لها ان اجتمعت فـي ١٦ حزيران (يونيو) الماضي ناقشت تقارير عن واقع الحال و«الخطط المقبلة المتوجب اتخاذها لمواجهة الكارثة».
لبنان تمثل فـي اجتماع عمان بالقائم بالاعمال الياس نقولا.
طيب اذا كان واقع الحال على هذا النحو الا يستحق لبنان أن يتمثل بأعلى شخصياته المعنية بالملف الفلسطيني (مع بالغ الاحترام والتقدير للقائم بالأعمال).
لماذا لم نسمع كلمة من الدول المانحة والمضيفة؟
لماذا تواصل اسرائيل الاستيطان بوتيرة عالية؟
اليست الحرب حرب التوطين؟ أي رؤوس ستتدحرج مقابل ذلك؟
وماذا سيفعل لبنان (المسكين لبنان) ازاء كل ذلك؟ «الاونروا» كانت تقدم الحد الأدنى على الأقل، فهل يستطيع لبنان استيعاب الطلاب الفلسطينيين من ابناء اللاجئين فـي المدارس اللبنانية والمساهمة فـي الخدمات الطبية لاصحاب الامراض المستعصية والحالات الطارئة وغسل الكلى؟
هل عاد لبنان ليكون الوطن البديل؟
Leave a Reply