ما هو المسار الذي ستسلكه العلاقة المتأرجحة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» في أعقاب انتهاء الانتخابات النيابية وصدور نتائجها، وهل صحيح أن تفاهم معراب الذي جمع العماد ميشال عون وسمير جعجع بعد نزاع طويل سيستعيد بريقه ورشاقته في المرحلة المقبلة مع تخلصه من «الحمولة الزائدة» من الهواجس والوساوس التي أفرزتها حسابات التنافس الانتخابي وحساسياته الزائدة؟
قد يبدو للوهلة الأولى أن فرصة إعادة تفعيل التفاهم ستكون متقدمة بعد نفض غبار الانتخابات عنه، لكن التدقيق في التفاصيل وشياطينها يُبين أن الأمر ليس بهذه السهولة، بل أن العلاقة بين الطرفين ستكون على الارجح أمام المزيد من الاختبارات الصعبة، ربطاً بالمعادلات المستجدة التي أفرزتها صناديق الاقتراع.
والأكيد أن النتائج التي انتهت إليها الانتخابات النيابية في الساحة المسيحية ستفرض توازنات جديدة من شأنها أن تنعكس مباشرة على علاقة الرابية–معراب، إذ أن «القوات» التي اتسع حجمها التمثيلي وقفز عدد نوابها من 8 إلى 16، ستحاول تحسين موقعها في معادلة «المصالحة المسيحية» وبالتالي ستصبح أكثر تطلباً وعناداً، مستندة إلى رصيدها النيابي الذي ستسعى إلى توظيفه لتعديل قواعد اللعبة مع «التيار».
انتفاضة «القوات»
ليس خافياً أن «القوات» كانت تشكو من نقص في فيتامين الشراكة، وكانت تتذمر من محاولة رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل الاستئثار بمعظم الحصة المسيحية في السلطة (تعيينات، مشاريع.. ألخ) في مقابل تقديم «الفتات» إلى معراب. باختصار، شعرت «القوات» خلال الفترة الماضية بنوع من الخديعة بعدما أخذ «التيار الحر» من تفاهم معراب ما يريده وهو دعم سمير جعجع لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، من دون أن يسدد في المقابل ما يتوجب عليه من مترتبات في «عقد المصالحة» لناحية احترام الشراكة مع «القوات» بكل مفاعيلها.
والاسوأ بالنسبة إلى «القوات» أن «التيار البرتقالي» لم يكتف بالنزعة الاستحواذية التي تسعى إلى التهام كل مكاسب السلطة واحتكارها، بل عمد أيضاً إلى عرقلة عمل بعض الوزراء القواتيين، كوزير الأعلام ملحم رياشي الذي مُنع، برأي معراب، من تعيين مجلس إدارة تلفزيون لبنان على أساس آلية الكفاءة وفق معايير مجلس الخدمة المدنية، بسبب اصرار «التيار الحر» على القفز فوق هذه الآلية ومحاولة فرض أسماء بناء على مقياس المحسوبية والولاء الحزبي.
بالنسبة إلى معراب، ليس أفضل من هذه اللحظة لإعادة تصحيح ميزان القوى في العلاقة بـ«التيار»، انطلاقا من موقع الندية. ولا يخفي جعجع قناعته بان ما كان يصح قبل 6 ايار لم يعد يصح بعده. وعلى هذا الاساس، اعطى جعجع اشارات واضحة إلى أن حصة «القوات» في الحكومة الجديدة يجب أن تكون متناسبة مع حجم كتلتها النيابية الذي تضاعف عن السابق، بل هو اكد انه لن يسمي سعد الحريري لرئاسة الحكومة إلا بناء على تفاهم سياسي واضح.
وفي دلالة واضحة على المنحى الذي ستسلكه «القوات» في المرحلة المقبلة، أطلق جعجع رسمياً من معراب تكتل «الجمهورية القوية» بحضور 16 نائباً، وسط تقديرات بأن المهمة الضمنية لهذا التكتل ستتركز على تحقيق التوازن مع تكتل «لبنان القوي» الذي يضم 29 نائباً ينتمون إلى «التيار البرتقالي» وحلفائه.
موقف «التيار»
ولكن كيف سيتعاطى «التيار الحر» مع الـ«نيو لوك» للقوات اللبنانية؟
أغلب الظن، أن «التيار» لن يتقبل بسهولة، النزعة المتصاعدة لدى «القوات» للتحول إلى شريك مضارب له في الدولة مرتكزة على أرباحها الانتخابية، وهو سيسعى إلى استخدام تفوقه النيابي العددي للمحافظة على أرجحية مريحة في السلطة، علماً أن المبارزة الأقسى المرتقبة قريباً بين الطرفين ستتمحور حول الحجم التمثيلي لكل منهما في الحكومة الجديدة، حيث يُتوقع أن ينشب بينهما صراع سياسي حاد على الحصة المسيحية في مجلس الوزراء، خصوصاً أن المرجح أن يطلب جعجع توسيع تمثيل «القوات»، تناسباً مع وزن كتلتها النيابية.
وما يزيد من حساسية «التيار» حيال الطموحات السلطوية لـ«القوات»، شعوره بأن الهم الأساسي لجعجع هو التصويب على العهد ومحاولة عرقلة الإنجازات التي يسعى إلى تحقيقها، تحت شعار مكافحة الفساد، في حين أن الغاية الحقيقية من هذا السلوك تبعاً لتفسير «التيار» هي التشويش على عهد الرئيس عون، بدلاً من دعمه وفق ما تم الاتفاق عليه في تفاهم المصالحة. وليس أدل على هذه النيات السيئة من طريقة تعاطي «القوات» مع ملف بواخر الكهرباء، تبعاً للرابية.
Leave a Reply