المنافسة تنحصر بين أوباما وكلينتون ديمقراطيا وماكين ورومني وهاكوبي جمهوريا
يشهد الأسبوع المقبل جولة الثلاثاء الكبير الحاسمة في الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية، حيث انحصرت المنافسة في الحزب الديمقراطي بين المرشحين باراك أوباما وهيلاري كلينتون بعد انسحاب جون إدواردز، أما في الحزب الجمهوري فيتنافس كل من جون ماكين وميت رومني ومايكل هوكابي بعد انسحاب رودولف جولياني. وشهد الأسبوع الماضي انتخابات تمهيدية في ساوث كارولاينا (ديمقراطيون) وفلوريدا (الحزبان) حيث حقق ماكين فوزا كاسحاً في فلوريدا فيما فعل الأمر نفسه أوباما في ساوث كارولاينا، في حين حققت كلينتون فوزا معنويا في فلوريدا لا يدخل في لعبة الأرقام بعد قرار سابق للحزب الديمقراطي بعدم اعتماد اصوات الولاية. وفيما يلي عدد المفوضين لكل مرشح قبل انتخابات الثلاثاء الكبير.
الديمقراطيون
أوباما يكتسح ساوث كارولاينا
كسح المرشح باراك اوباما ساحة ساوث كارولاينا وفاز فيها حاصدا 25 مفوضا في مقابل غريمته كلينتون التي لم تجمع الا 12 مفوضا.
ولقد وصف اوباما نفسه عقب الانتصار بأنه مرشح التغيير وان هيلاري كلينتون هي مرشحة الوضع الراهن. ولم يكن السود فقط هم من صوت له كما تحاول كلينتون ان توحي. ولقد اكدت جولة ساوث كارولاينا ان نجاح ايوا لم يكن ضربة حظ كما يدعي مناوؤوه بل يؤكد ايمان قسم كبير من الناخبين بتشكيل اوباما حالة تغيير كبيرة.
وكان لافتا للنظر في ساوث كارولاينا امران:
اولا، حجم المشاركة الديمقراطية في هذه الولاية. حيث فاقت المشاركة الديمقراطية نظيرتها الجمهورية مع ان للولاية ولاء تاريخي للجمهوريين وكان متوقعا ان يكون حماس الاخيرين في خروجهم للتصويت اكبر. وهذا يثير اسئلة: هل هذا يعكس ايمانا بالتغيير لدى الناخبين الديمقراطيين اكبر منه لدى نظرائهم الجمهوريين الذين ربما فقدوا الثقة بمرشحيهم؟ او ان اوباما كشف عن كاريزما حقيقية شكلت قيادة واعدة لدى الديمقراطيين غير متوفرة بعد عند الجمهوريين؟ للاجابة عن هذه الاسئلة لا بد من الانتظار والترقب.
وتشير الارقام الى انه عادة ما يخرج قرابة 300 الف ناخب ديمقراطي في التمهيديات الحزبية. واذا عرفنا ان اوباما بمفرده ربح في هذه التمهيديات قرابة 300 الف صوت في ساوث كارولاينا لادركنا معنى التفاوت في الارقام.
اما ثاني الامور التي لفتت النظر فهو فارق الفوز ما بين اوباما وكلينتون، حيث كان كبيرا، بل محرجا لـ كلينتون. فالفوز كان قاصما لظهر الاخيرة ومفندا لاي شكوك ممكن ان تثار لو اتت النسب متقاربة. فـ 28 بالمئة، وهي فارق الاصوات ما بين الاثنين تعبر عن اختيار صريح لـ اوباما وردّ على التشكيك بقدرة الرجل وقوته. وهذا ما سمح له بحصد 25 مفوضا في مقابل 12 لـ كلينتون.
اما المرشح جون ادواردز فقد انتهت اماله بتحقيق اي تقدم، وترجم ذلك بانسحابه عقب جولة فلوريدا.
دعم كينيدي لـ اوباما
واعلن ادوارد كينيدي، السيناتور من ماساتشوسيتس منذ 1962، وشقيق الرئيس الراحل جون كينيدي (الرئيس الـ 35 للولايات المتحدة) دعمه لـ أوباما واصفا اياه بالقائد وصاحب المواصفات التي تخوله الرئاسة مُحيي الامل بالتغيير المرتقب من الوافد الجديد الى البيت الابيض. واعتبر ان انتخاب اوباما سيكون خاتما لعصور من الصراعات السياسية في التمييز العنصري. واعلن انه سيقود حملات انتخابية لصالح اوباما تحضيرا للثلاثاء الكبير في 5 شباط (فبراير) القادم.
وقد يتساءل المراقب عن السبب في صعود نجم اوباما السياسي وهو ابن مهاجر كيني ووالده مسلم واميركي اسود. كيف استطاع ان يتخطى كل هذه العقبات ويقنع الناخب الاميركي بجدارته؟ هل استطاعت اخطاء الجمهوريين والديمقراطيين معا الغاء الحاجز العنصري الذي طالما سيطر على امزجة الناخبين ومنعهم التصويت لأسود؟
ربما ساعدت خبرة اوباما الوليدة على تقديمه على انه سوف يكون المنتظر الذي يقلب السياسات ويهدم هياكلها التي شكل رأس المال بكل تجلياته الشرسة اعمدة لها بعد ان استطاع ان يتغلغل في قلب الجسد السياسي في واشنطن ويمد اذرعته الاخطبوطية في كل مكان. ولكن من المؤكد انه سيكون من الصعب عمليا على اوباما تغيير الكثير في واشنطن لأن اي قادم جديد للبيت الابيض سيكون محكوما لا محالة لموازين القوى التي تدير السياسات في العاصمة الاميركية.
على اي حال، قام كينييدي في خطاب دعمه لأوباما بتفنيد كل الادعاءات التي اتهم بها كلينتون الزوج خصم زوجته اوباما. وظهر ان دعمه لـ أوباما لم يكن الا تصديا لآل كلينتون. اذ ستشكل خطوة كينيدي مواجهة حادة وشجاعة في وجه كلينتون الزوجة والزوج اللذين استطاعا ان يتواجدا في ولايات مختلفة لقيادة حملة كلينتون الزوجة وتجييش الناخبين ليصبح الصراع كما وصفه اوباما اثنان في مواجهة واحد. ورغم ان اوباما حافظ على المركز الاول في النتائج العامة للتمهيديات رغم تصديه بمفرده لكلينتون الزوجين الا ان انضمام لاعب من الوزن الثقيل الى حلبة الصراع السياسي كالسيناتو المخضرم ادواردز كينيدي سيعيد تصحيح الموازين وستكون النتائج في اقلام الاقتراع اكثر عدلا وتعبيرا عن قوة اوباما. وهذه نتائج ساوث كارولاينا:
اوباما 55 بالمئة 25 مفوضا
كلينتون 27 بالمئة 12 مفوضا
ادواردز 18 بالمئة 8 مفوضين
فوز معنوي لكلينتون فـي فلوريدا
فازت كلينتون في تمهيديات فلوريدا وحل اوباما ثانيا رغم انه لم يشارك في التحضير للتمهيديات ولم يتواجد في الولاية. وبعد فوزها ألقت كلينتون خطاب نصر صاخب رغم ان انتصار فلوريدا كان كانتصار ميشيغن: لم يحصد الفائز فيه اي مفوض، حيث لم يحتسب عدد المفوضين في الولاية، كما سابقتها ميشيغن، كعقوبة من قبل المؤتمر الحزبي الوطني الذي اتخذ قراره على خلفية مخالفة هاتين الولايتين للمواعيد التي حددها الحزب للتمهيديات. وهذه نتائج فلوريدا:
كلينتون، 50 بالمئة: لا مفوضين
اوباما 33 بالمئة: لا مفوضين
ادرواردز 14 بالمئة: لا مفوضين
انسحاب ادواردز
اما ادواردز والذي لم يترك له نجما المناظرات الديمقراطية اي بقعة من الضوء، فانسحب يوم الاربعاء دون ان يقرر ما اذا كان سيمنح دعمه لأي من المتسابقين الاولين اوباما وكلينتون، على الاخص بعد خسارته المفجعة في ساوث كارولاينا.
واعلن ادواردز انسحابه من نيواورليانز، مركز الولاية التي كان اعلن منها ترشيحه، لما لها من دلالة انسانية.
ولقد اثنى، بالطبع، كل من اوباما وكلينتون على قرار ادواردز بالانسحاب بعد ان مدحا حملته الانتخابية، وبالفعل، كانت حملات ادواردز الانتخابية نظيفة من الناحية الاخلاقية فهو لم ينزلق الى مهاترات الانتخابات السخيفة ولم يحول خطاباته حملات على شخصية منافسيه كما تفعل كلينتون.
وكان ادواردز قد جمع حتى لحظة انسحابه 26 مفوضا حزبيا (14 في ايوا، 4 في نيوهامبشر، و8 في ساوث كارولاينا).
اثر انسحاب ادواردز
طبقا لقوانين الحزب الديمقراطي، فإن انسحاب ادواردز سينتج عنه توزيع 10 من المفوضين الذين لديه ما بين اوباما وكلينتون بطريقة تلقائية (6 لـ أوباما و4 لـ كلينتون). اما الـ 16 الباقين فسيكون لـ إدواردز نفسه تقرير الى من سيتم منحهم. ثلاثة من هؤلاء المفوضين كانوا للتو وحتى قبل ان يعلن ادواردز انسحابه من السباق قد اعلنوا دعمهم لـ اوباما.
اما من المستفيد من انسحاب ادواردز في التمهيديات القادمة فهذا يعتمد على ناخبي الاخير. فأغبيتهم المطلقة من البيض الذي ربما يفضلون كلينتون على اوباما ان كان لموضوع اللون تأثير كبير عليهم. اما اذا كانت اجندة ادواردز تتقدم في الاهمية على لونه الابيض فإنهم سيجدون انفسهم اقرب الى اوباما منهم الى كلينتون لأن من اهم النقاط على اجندة الاول محاربة اصحاب المصالح الخاصة الذين بلغوا من القوة ما جعلهم العامل الاول في افساد السياسات الاميركية وهذا بالطبع يتطلب التغيير الذي يبرع اوباما في تقديم نفسه فارسا له. ينسحب الامر ايضا على الموضوعات الاقتصادية الاخرى كاتفاقيات التجارة وغيرها حيث ادواردز واوباما اكثر قربا.
مناظرة ساوث كارولاينا
وفي مناظرة الديمقراطيين التي جرت الاثنين الماضي في ساوث كارولاينا بلغ النقاش ما بين اوباما وكلينتون مستوى التشنج اذ تحولت المناظرة الى هجوم شخصي على تاريخ كل مرشح من قبل خصمه كما خلاف الاطفال. فتارة يتهم اوباما كلينتون انها تصوت على مشروع قانون ثم تكتشف خطأها وتارة تنتقض الاخيرة على تاريخ تصويت اوباما مع ما يتطلب ذلك من رد على الرد والانزلاق الى مستوى هابط من الجدل السياسي العقيم.
الجمهوريون
ماكين يفوز فـي فلوريدا
جمهورياً، فاز المرشح جون ماكين بالمركز الاول في فلوريدا وحصد كل المفوضين الجمهوريين في الولاية (57 مفوض) ولم يترك شيئا لـ ميت رومني الذي حل ثانيا.
اما رودولف جولياني فانسحب بعد ان خرج مهزوما بفداحة من فلوريدا ولم يربح بطبيعة الحال اي مفوض. واعلن دعمه لـ ماكين. وكان كل ما حصل عليه حتى انسحابه مفوضا واحدا في نيفادا.
اما بقاء مايكل هاكوبي في السباق فسيفيد ماكين في الولايات التي يربح فيها الفائز كل الفوضين الحزبيين ولو كان الربح بصوت واحد (بعض الولايات توزع المفوضين بطريقة نسبية وبعضها الآخر توزعهم بمنطق حاصد الاكثرية البسيطة من الاصوات يحصد كل المفوضين كما في فلوريدا). فـ هوكابي يأخذ من طريق رومني الناخبين المسيحيين الذين لا يصوتون للأخير بسبب مذهبه (مذهب المورمين الذي يعده كثير من المسيحيين الانجيليين مذهبا مارقا في المسيحية) وهذا يضعفه امام ماكين القوي الذي يشكل المنافس الاكثر خطورة له. وهذا ما حصل في فلوريدا حيث خسر رومني كثيرا من الاصوات بسبب منافسة هاكوبي.
ويطرح ماكين نفسه على انه القائد الملهم الذي سيجمع اشلاء الحزب الجمهوري الذي مزقته سياسات «المحافظون الجدد»، لدرجة فقد التصدي لقيادته من قبل اي من الجمهوريين كل بريق.
وربح ماكين في فلوريدا باصوات الناخبين اللاتينيين والذين بلغوا 65 من العمر، وايضا باصوات من يعتبرون الاقتصاد اولوية عندهم. وهذه نتائج فلوريدا عند الجمهوريين:
ماكين 36 بالمئة 57 مفوض (جميعهم)
رومني 31 بالمئة
جولياني 15 بالمئة
هوكابي 13 بالمئة
استراتيجيات جمهورية
وفي خطابه قبل جولة فلوريدا، كان رومني مفعما بالحس الامبراطوري التوسعي. استعرض انتصارت تاريخية للأمة الاميركية بلغت ان ذكّر بالانتصار على الفاشية؟ ثم عرّج على «الجهادوية» او «الجيهاديزم» كما يحبذها الجمهوريون. حتى وصل في خطابه الى تبني بضاعة اصبحت الاكثر رواجا: الفساد في واشنطن والحاجة الى التغيير لا عبر ارسال الاشخاص انفسهم الى البيت الابيض، وهو يغمز بهذا ضد ماكين، بل عبر اناس جدد!
الى هنا، تختلط الخطابات ما بين الحزبين في البلاد، اذ لم تعد واضحة الحدود التي تفصل الخطابين الجمهوري والديمقراطي ومعالم كل منهما. فبعد ان ادخل الجمهوريون الى خطاباتهم الانتخابية خفض الضريبة لصالح الافراد بعد ان كان ذلك شبه محرم عليهم في كل مناظراتهم قبل بدء الانتخابات، قام الرئيس الحالي جورج بوش في خطاب «حالة الاتحاد» بالحديث عن خفض الضرائب والضمان الصحي لكل الافراد، رغم انه اختلف في شكل الضمان الصحي عن طرح الديمقراطيين فهو لا يراه عبر تأميم شكل من اشكال الضمان الصحي، وهو اقرب الى الاشتراكية كما في اوروبا وكندا، بل عبر خلق المزيد من الخيارات للمستهلك اي عبر صيغة تتواءم مع الطرح الرأسمالي من عدم تدخل الدولة وتركه ليد السوق الخفية التي تنضم حركته.
ومن هذا نرى ان المرشحين لم يعودوا اوفياء لاجندات حزبهم بقدر ما هم مهتمون بطرح القضايا الاكثر جاذبية والتي تهم الناخب حاليا.
الثلاثاء الكبير
سيكون الثلاثاء الكبير حاسما في تقرير الفائز من الجمهوريين اما على الجانب الديمقراطي فلن تنقشع الرؤية الا بعد الوصول الى اخر التمهيديات. ويحتاج المرشح الديمقراطي 2025 مفوض للفوز بترشيح الحزب بينما يحتاج المرشح الجمهوري 1191 مفوض.
ويظهر جمهوريا، حيث تجرى التمهيديات في 21 ولاية، وفيها 942 مفوض، ان ماكين يملك قدرة على الصمود خلال عواصف الثلاثاء الكبير للخروج بما يكفي من مفوضين. والسبب الاول يرجع الى ان الفائز في اغلب التمهيديات الجمهورية في هذه الولايات القادمة يحصد كل المفوضين في الولاية. ولـ ماكين قدرة في الحلول اولا في العديد من هذه الولايات. إن انسحاب جولياني وتجيير ناخبيه لصالح ماكين منح الاخير حسما في ولايات مثل نيويورك ونيوجرسي وكينيتيكيت وديلاوير بالاضافة الى ماساشوسيتس (ولاية ماكين) مما سيخوله ربح 234 مفوضا دون اي عناء يذكر.
واذا اضفنا كاليفورنيا التي من المفترض ان يربح فيها ماكين قرابة 200 مفوضا، فإنه سيضمن عددا وفيرا من المفوضين. اما ولايات مثل ميسوري، الاباما، جورجيا، وتينيسي، فمن المتوقع ان يبلي فيها ماكين بلاء حسنا، وهذا بالطبع نتيجة تأثير هاكوبي الذي سيقلل من فرص رومني هناك من كسب اصوات المسيحيين الانجيليين، مما سيخول ماكين بالمحصلة بلوغ العدد المطلوب للفوز بالتسمية.
لذلك ستكون جولة الثلاثاء الكبير حاسمة جمهوريا وسيحدد بوضوح المتربع على عرش التسمية الجمهورية للرئاسة الأميركية.
اما ديمقراطيا، حيث تجري الانتخابات في 22 ولاية وفيها ما مجموعه 1678 مفوض، فالمسألة ليست واضحة ولا يتوقع ان تتضح الصورة كثيرا بعد الثلاثاء الكبير ومحتمل ان يستمر عدم الوضوح حتى بلوغ مراحل متقدمة من التمهيديات. والسبب في ذلك يعود الى ان معظم الولايات في التمهيديات الديمقراطية تتبع مبدأ التوزيع النسبي للمفوضين مما يؤخر اتضاح الصورة لعدم استفراد المرشح الحالي في المركز الاول على كل المفوضين.
وعند الديمقراطيين، تشكل كاليفورنيا، نيويورك، نيوجيرسي، ماساتشوسيتس، جورجيا، والينوي الولايات صاحبة العدد الاكبر من المفوضين وستكون المعارك هناك حامية.
واشارت الاستطلاعات ان كلينتون متقدمة في نيويورك، نيوجيرسي، كاليفورنيا، وحتى في ماساشوسيتس. اما اوباما فهو الاقوى في ولايته الينوي، وجورجيا، كما انه يركز على الولايات الاصغر مثل ايداهو، كولورادو، مينيسوتا، نورث داكوتا، ويوتا.
Leave a Reply