بكّر «حزب الله» وحركة «أمل» في الإعلان عن تحالفهما الانتخابي في كل الدوائر المشتركة، كما أن كلا منهما بادر إلى الكشف عن اسماء مرشحيه في الجنوب والبقاع وبيروت وجبل لبنان، بحيث انهما سبقا جميع القوى السياسية في إعداد العدة والعديد لخوض الانتخابات النيابية المقبلة في 6 أيار المقبل.
وتعكس هذه الجهوزية المبكرة لدى التنظيمين حرص الثنائي الشيعي على تثبيت التحالف المشترك وتحصينه في مواجهة الغرف السياسية والاعلامية السوداء التي يزدهر عملها في موسم الانتخابات، كما أن حسم الأسماء المرشحة باكراً بالتزامن مع إطلاق الماكينات الانتخابية الحزبية يؤشر إلى إصرار الطرفين على التعاطي مع الاستحقاق الديمقراطي بكل جدية وعدم إبداء أي استرخاء حياله.
وفي المعلومات، هناك اهتمام لدى الحزب والحركة بتحفيز جمهور البيئة الشيعية على المشاركة بكثافة في الاقتراع، خشية من أن تؤدي الثقة المفرطة والمسبقة بالفوز، في أوساطهما الشعبية، إلى انخفاض منسوب الحماسة الانتخابية، وبالتالي إلى تراجع معدلات التصويت، الأمر الذي قد يسمح لبعض الخصوم بتحقيق اختراقات في صفوف «الثنائي الشيعي»، إضافة إلى أن التنظيمين يحرصان في المبدأ على تأمين أكبر نسبة اقتراع وفوز للوائحهما، حتى لو كان الربح مضموناً، لأن حجم الرقم بحد ذاته يكتسب دلالة سياسية ورمزية، في ظل محاولة المعسكر المضاد عزل المقاومة وتضييق الخناق عليها، عبر التشويه المقصود وفرض العقوبات وضخ الشائعات وتحوير الحقائق.
وبهذا المعنى، فان الثنائي الشيعي –خصوصاً «حزب الله»– يريد أن تكون الانتخابات مناسبة لتظهير حجم الاحتضان الشعبي له، رداً على الضغوط الغربية والإقليمية الرامية إلى إضعاف بيئته الحاضنة والتهويل عليها، بغية دفع جزء منها إلى مراجعة خياراتها والتراجع عنها.
نحمي ونبني
وإلى جانب البعد السياسي للانتخابات، يحضرُ البعد الانمائي بقوة هذه المرة، في الطرح الانتخابي للثنائي الشيعي، في ظل مآخذ البعض على طريقة تعاطيه من قبل مع مشروع بناء الدولة ومكافحة الفساد، وهذا ما يفسر أن «حزب الله» اختار لحملته شعاراً مركّباً قوامه «نحمي ونبني»، كما أن البرنامج الانتخابي لحركة «أمل» ركز على جوانب إنمائية واقتصادية.
من هنا، تنشط الدوائر المعنية داخل الحزب والحركة في اتجاه التشديد على أهمية الاستحقاق الانتخابي وحيويته، خصوصاً أن القانون الجديد ينطوي على قدر من الغموض، كونه يُعتمد للمرة الأولى النسبية والصوت التفضيلي، وبالتالي فإن الطرفين يعتقدان بأن المشاركة الكثيفة في الاقتراع من شأنها أن تساهم في تقليص هامش المفاجآت، إلى جانب ما تختزنه من رسائل سياسية.
ضوابط
لكن سعي الثنائي الشيعي إلى شد العصب الانتخابي لقواعده الشعبية يبدو محكوماً في الوقت ذاته بضوابط سياسية وصمامات أمان، لمنع انفلات الخطاب والعواطف، وتجنب أي شكل من أشكال التعبئة المذهبية المتطرفة في مواجهة الخصوم، بحيث تبقى المنافسة متقيدة بقواعد «اللعب النظيف»، وفق ما يؤكد العارفون، لاسيما أن الحدود الفاصلة بين الأطراف الداخلية ذابت إلى حد بعيد، بعدما تبدلت معايير الاصطفاف السياسي، بفعل تداعي منظومتي «8» و«14 آذار» اللتين كانتا تتحكمان باللعبة خلال السنوات الماضية، وظهور تحالفات أو تقاطعات جديدة على أنقاض الاصطفافات القديمة.
ومن دلالات المرحلة المستجدة أن شعار نزع سلاح المقاومة الذي كان عصب الحملات الانتخابية لفريق «14 آذار» في الدورات السابقة بات منتهي الصلاحية، وفقد الكثير من وهجه وقدرته على الجذب، مع قرار الرمز الأبرز لهذا الفريق، وهو الرئيس سعد الحريري، بربط النزاع بينه وبين الحزب، وصولاً إلى سلوكه منحى الواقعية والبراغماتية في مقاربة ملف السلاح، واقتناعه بأن معالجة هذا الملف ترتبط بعوامل إقليمية تتجاوز الاعتبارات المحلية.
تبدلات في المشهد
ومن الوقائع الأخرى التي تعكس التبدلات في المشهد والمزاج، هو أن «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» اللذين كانا يخوضان الانتخابات في الماضي من موقع الصراع الشديد أصبحا متقاربين ومتناغمين، فيما سُجل تباعد بين «المستقبل» و«القوات اللبنانية» بعد أزمة استقالة الرئيس الحريري، حيث اتهم رئيس «القوات» سمير جعجع بالتحريض عليه في الرياض، ومحاولة استثمار أزمته لتحقيق مكاسب سياسية.
أكثر من ذلك، يبدو أن المشكلة الأساسية التي تواجه الرئيس سعد الحريري أصبحت تكمن في داخل بيئته، وتحديداً مع منافسه على الساحة السنية اللواء أشرف ريفي الذي انتقده الحريري بشدة في خطاب 14 شباط، بعدما كان في السابق من أبرز المقربين إليه.
وهناك من يفترض أن جزم الحريري في خطاب «البيال» بأنه لن يتحالف مع «حزب الله» في الانتخابات لم يكن موجهاً إلى السيد حسن نصرالله، بل إلى ريفي وكل المزايدين الآخرين على رئيس الحكومة، ممن يتهمونه بالخضوع للحزب والإفراط في تقديم التنازلات له إلى حدود التفريط بالثوابت.
مؤشر آخر إلى خلط الأوراق والمواقع، يمثله افتراق «التيار الوطني الحر» برئاسة الوزير جبران باسيل و«تيار المردة» برئاسة النائب سليمان فرنجية، علماً أنهما كانا متحالفين في الانتخابات الماضية، فيما يُتوقع في المقابل حصول تعاون انتخابي بين «المردة» والنائب بطرس حرب في الشمال، برغم تباينهما الحاد حول الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بالمقاومة وسوريا. والواضح هنا، أن المصلحة المشتركة للجانبين في التحالف ضد باسيل في منطقة البترون ستكون حافزاً لجمع ما فرقته القضايا الخلافية.
إنها انتخابات مغايرة لكل التجارب السابقة، وأغرب ما فيها انها ستتم «على القطعة» في كثير من الأحيان.
Leave a Reply