القاهرة – في محاولة لاحتواء الفوضى التي ضربت بعدة مناطق مصرية في الذكرى الثانية لانطلاق ثورة «٢٥ يناير»، دعا القادة السياسيون بعد اجتماع عقد في الأزهر إلى إنهاء العنف الذي طغى على الأحداث وكان الأكثر دموية منذ انتخاب الرئيس محمد مرسي الصيف الماضي.
ورغم تلبية المعارضة المصرية ممثلة بـ«جبهة الإنقاذ» لدعوة «الأزهر» بالجلوس مع ممثلين عن جماعة «الإخوان المسلمين» ودعوتها الى نبذ العنف يبقى من غير المعروف مدى التزام الشارع المصري المحتقن بهذه الدعوات ولاسيما في مدن القناة الثلاث (السويس وبور سعيد والإسماعيلية) التي أعلن النظام المصري، أو «حكم المرشد» كما يسميه معارضوه، حالة الطوارئ فيها بعد احتجاجات عنيفة صبت جام غضبها على «الإخوان المسلمين» والرئيس مرسي مع إصدار محكمة مصرية أحكام الإعدام بحق ١٨ شخصاً بتهمة تنفيذ مجزرة بورسعيد، بالتزامن مع دعوة المعارضة الى التظاهر «ضد أخونة الدولة». وترافقت أحداث مدن القناة مع انفجار للوضع في القاهرة حيث تدور اشتباكات يومية في وسط العاصمة بين معارضين وموالين للحكم سقط ضحيتها عشرات القتلى والجرحى.
معارضون للرئيس مرسي في أحد الشوارع |
فتيل التفجير كان القرار القضائي الذي استتبعته موجة غضب وعنف عارمة لاسيما من أهالي المحكومين والضحايا في المحافظات الثلاث التي تسعى دولة قطر الى استثمار مليارات الدولارات فيها بقطاع الغاز وقناة السويس الإستراتيجية، وهذا ما حول مسار دعوة المعارضة للتظاهر السلمي الى منحى آخر عنيف.
وبعد صمت رهيب، خرجت جماعة «الإخوان المسلمين» بتفسير لحالة الغليان والفوضى التي تعمّ مصر، وهي أن «الإعلام المضلِّل ظلَّ يشحن الناس بالكراهية ضدَّ النظام، ويحضُّهم للخروج على الشرعية». وفي المقابل، ترى المعارضة أن «الإخوان» لا ينصتون إلى صوت الشارع، وأن فوز مرسي بنسبة لم تتجاوز ٥١ بالمئة من إجمالي الناخبين خير دليل على أن نصف الشعب على الأقل ضد مرسي وسياساته.
وجاء تهديد مرسي باستخدام القوة ليثير الكثير من الاستغراب والغضب، ولا سيما أن القوة كانت العنوان الأبرز للتعاطي الأمني مع المتظاهرين في المدن المصريّة. فالمشاهد التي تم رصدها خلال الأسبوع الماضي أفضت إلى نتيجة واحدة، وهي أن الثورة لم تنجح بعد، وأن العقلية الأمنية لا تزال هي المسيطرة الأولى على النظام الحالي.
وحمل المتحدث الرسمي لـ«الإخوان المسلمين»، القوى السياسية جزءاً مما يحدث، معتبراً أن هناك جزءاً كبيراً من الموجودين في ميدان التحرير من القوى السياسية، ولا بد لهذه التيارات أن تتحـمّل المسؤولية أمام ما يحدث. كما لفت إلى أنه لا بد من أن تقوم القيادات المتمثلة بحمدين صباحي ومحمد البرادعي وعبد المنعم أبو الفتوح باحتواء الشباب. وهذا مادفع المعارضة الى القبول بدعوة الأزهر للحوار بعد أن رفضت عرضاً مماثلاً من مرسي وصفته بـ«غير الجدي» وانتقدت «جبهة الإنقاذ» قرارات مرسي بفرض حال الطوارئ وحظر التجوال، ووضعت ثلاثة شروط، بينهما تشكيل «حكومة إنقاذ»، للدخول في حوار مع الرئاسة.
مرسي بدوره، وعشية دعوة المعارضة للتظاهر تحت عنوان «جمعة الخلاص» بدأ يشعر بتزايد ضغط الشارع الى جانب ضغط دول غربية على رأسها الولايات المتحدة، لكن رهان «الإخوان» يبقى قائما على التخويف من العنف وعلى الرعاية الدولية لشركة الحكم بين «الجماعة» والجيش. ولم تكن مصادفة أن يخرج وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي ليحذر من انهيار الدولة في ظل الصراعات السياسية والتوترات الأمنية.
ولكن الخوف من العنف لا يصبّ في اتجاه ترميم شعبية «الإخوان»، لأنهم في نظر الغالبية الآن «خطر على الدولة»، بالنزوع إلى السلطوية وجر مؤسسات الأمن الجريحة إلى مواجهات مع المتظاهرين دفاعاً عن نظام «الجماعة». ويبدو أن الشارع يسبق «الجبهة» المعارضة بخطوات واسعة، تجاوزت مطلب الحوار أو تعديل الدستور والحكومة الائتلافية أو إقالة النائب العام، ولم يعد مطلب «إسقاط النظام» يقال عابراً، لأن «لا شرعية لرئيس يصدر أوامره بقتل متظاهرين»! وكان تجاهل الشارع المصري لإعلان حالة الطوارئ في المدن الثلاث أكبر دليل على فقدان هيبة الحكم.
وحتى على مستوى الرعاية الدولية، عاد مرسي محبطاً من ألمانيا حيث رفضت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل طلبه تأجيل ديون تبلغ 240 مليون يورو، فيما وصفت «دير شبيغل» مرسي بأنه المخادع ذو الوجهين، وقالت إنه عاد ليس محملاً بالأموال كما كان يحلم، ولكن بنصائح عن كيفية إدارة الدول.
وقد ألغى مرسي، الذي يتعرض لضغوطات أميركية، زيارة الى باريس حتى تتسنى له العودة قبل «جمعة الخلاص» التي ستشكل منعطفاً رئيسياً في تطور الأحداث المصرية مع ما تحمله الأيام المقبلة من مفاجآت.
Leave a Reply