المشكله التي تعاني منها جاليتنا ان هناك قوى أكبر من امكانياتها تتدخل في شؤونها، فما من حزب أو فئة إلا ولها عناصرها المزروعة فيها، هذا غير الواقفين بالطابور ممن يلمعون انفسهم لأدوار مرتقبة، لعل وعسى ان تلتقطهم بعض الكاميرات الحزبية، املا في الحصول على وظيفه شاغرة على حساب الجالية.
فلو كانت هناك أحزاب وطنية كما تدعي لضربت لنا المثل في حسن الحرص والتواصل وتغليب المصالح العليا على ولاءاتها الحزبية الضيقة، ولكنها من خلال عملها في صفوف الجالية فشلت فشلا ذريعا في التوافق حتى فيما بينها لما يخدم مصالح الجالية، والمرء يستغرب كيف يمكن ان تشكل هذه الاحزاب بديلا للسلطة.
انهم يتكلمون عن الوطنيه ويمارسون الانتهازية، وعن النضال ويمارسون النفاق والارتزاق، وعن الديمقراطية ويشيعون الانقسامات بل يعجزون عن التعاون مع الآخر، حيث يتمترسون وراء ولاءاتهم بدلا من الاستفادة من القواسم المشتركة، وهي كثيرة. إنها الإنانية وعبادة الذات، والشمولية المقيتة التي يلبسونها مسميات ولافتات جميلة.
والخلاصه ان الاحزاب مجتمعه قررت اجهاض قيام كيان موحد للجالية، تحت مبررات مختلفه (تختلف باختلاف توجهات احزابها) حتى العناصر المحسوبة على حزب السلطة (المؤتمر الشعبي) والذي من المفترض ان تكون احرص الاحزاب على انجاح هذه التجربة قد آثرت مصالحها الشخصية على مصلحة سلطتها المتبنية للدعوة، فعملوا بوتيرة محمومة على اسقاط الفكرة في مهدها، حتى لا تفلت الوكالة من بين ايديهم ولو ادى الى تقزيم الفكرة وخلق دكان من طراز جديد، كبقية دكاكين الاحزاب الموجودة. انه الخوف من المنافسين الذين يحومون داخل الدائره ويترقبون القفز الى الواجهة، فـ”لوبيات” الحزب الحاكم صارت تضرب اليوم أخماسا بأسداس نتيجة لهلامية هياكلها المتعددة والمتناقضة في انتماءاتها وولاءاتها، فأفرغته من كل مقومات الحكم.
أما مشكلة الجالية، فحتى تسقط عن نفسها عامل التردد الذي حولها الى رهينه لعناصر احزاب حولوها الى مغارف شحاتة، فلا بد من نفض غبار التردد وان تملك مصيرها بنفسها، وان تشحذ همتها وان تعلم ان ثمن التحرر والانطلاق اقل بكثير من ثمن الخنوع والاستسلام لمن تعز عليه كرامته. وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
هناك الكثيرون، والحمد لله، لم يرهنوا في أي يوم من الايام مواقفهم، ولم يتكئوا لا على دولة ولا حزب، فمواقفهم نابعة من قناعاتهم التي تنسجم مع قناعات الجالية، والتي تنطلق من الإلتزامات العقائدية والوطنية، ولم يكن موقفهم المتجاوب مع مشروع كيان الجالية الموحد وانخراطهم فيه إلا امتدادا لمواقفهم منذ السبعينات، وهو لا يعني الوقوف مع الدولة ولكنه موقف يؤمن بوحدة الأمة أيضا، من جاكرتا الى طنجة، “ان هذه امتكم امة واحده وانا ربكم فاعبدون”.
اننا حقيقة لسنا معنيين بمواقف الاحزاب من وحدة الجالية، فهذه الاحزاب قد راقها هذا النهج الذي يدر ربحا وزعامة وتجارة على حساب الجالية، لكن المفارقة هو حزب المؤتمر الذي ضيع الوطن ويريد تصدير فرمانات الضياع الى المهجر. والسؤال هو: اذا حاربوا وحدة الجالية سابقا وهو ما اكدته اجراءات السفارة والوزارة عام 2000، حينما زاروا الجالية ووقفوا ضد مطالبها وحولوا احزاب المعارضة الى بديلا لها، فلماذا يصدرون تعميمهم هذا في الوقت الذي يعملون من خلال عناصرهم على اختطاف المشروع وتوظيفه للعبة جديدة في محيطنا الاغترابي؟ وقد ظهر ذلك من خلال زعم أحدهم اختياره رئيساً للجنة التحضيرية، وحينما فشلت المحاولة، كانت المحاولة الثانية بشق اللجنة التحضيرية وحمل وثيقة العهد والطيران باقصى سرعة الى صنعاء للحصول على فرمان تفويض الزعامة، وكأن الجالية مجموعة من الجعاشن! ولسنا نعني وزير المغتربين ولكن اللوبيات التي اختطفت الوزارة منذ عام 2000، والذي يتعين على الوزير ان يتعامل مع هذه اللوبيات كمقدمة لتصحيح مسار الوزارة.
ان هذه المحاولات البائسة بقدر ما تصطدم بوعي الجالية وبواقعها المنفلت في مجتمع حضاري يقوم على العمل المؤسساتي وليس على الولاءات، تكشف عن خواء سياسي وحركي لحزب يحكم بعقلية القبيلة، لكنه لا يلتزم حتى بأعرافها وأخلاقياتها. ان فكرة المشروع قد تم اجهاضها ولا ينفع ترقيعها..
ترى ما هو موقف ورأي الجالية؟ فمن تبنى المشروع في الداخل ليس حريصاً على انجازه. هل تعول على احزاب العشرة + واحد، التي اصبح كل منها رهين علاقته بأمينه العام، ورهين مصالحه بمنظمة في الساحة الاغترابية يعمل في ذيلها كمرشد سياحي؟ هل سترهن الجالية وجودها وواقعها بفرمانات تصدرها لوبيات الحزب الحاكم، التي تشفط الاعتمادات ولا نرى لها اثر منذ عشرين عاما؟
ان واقعنا الاغترابي يختلف عن واقع باب السبح وسوق الصميل، واقعنا يتطلب ان يكون لجاليتنا حضور مؤسسي فاعل في هذا المجتمع الذي يستدعي الاهتمام بالاجيال الجديدة التي تتخبط بها الاغراءات والانحرافات من كل جانب، وتمتد امامها فرص النجاح والعلم بافقها الذي يهيئ فرصا لمن يمدون ايديهم اليها، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال مؤسسة متكاملة يقف على هرمها حملة مؤهلات وليس شللا من المغامرين في ديكس!
ترى هل نتأمل من عقلاء الجالية واكاديميها وحملة الشهادات العليا الذين يعدوا بالمئات ان ينهضوا بدورهم المرتقب ليحققوا هذه الخطوة. نأمل ذلك. وهو كما قال الشاعر: لا تنفع الخيل الكريمة والقنا اذا لم يكن فوق الكرام كرام
ان دور المؤهلين علماً ودراية واخلاصاً صار ملحاً وتحتمه الظروف التي يمر بها الوطن وتقتضيها التحديات التي تحيط بوجودنا العربي الاسلامي في المجتمع الذي بقدر ما يكفل الحقوق والحريات، الا انه لم يتمكن بعد من التعرف على تعاليم ديننا وقيمنا التي كانت وظلت مصدرا للتعايش وحاضنا لمختلف الافكار وموظفا لها لخير البشرية جمعاء، ولا اظن ان الجالية تخلو من هؤلاء، لكن غيابهم عن واقع الجالية قد يكون من اسباب التهميش والتغييب الذي يمارس ضدها من اكثر من جهة. ان دعوتي هذه ارجو ان تمهد الطريق لوجود مؤسسة فاعلة ومتكاملة تبني ندوات وحوارات، تفرز قيادات ندفع بها الى هرم الكيان المرتقب، ولا نربط انفسنا بمدة محددة، وانما نخلق ضمانة لكيان متكامل يبعدنا عن الارتباط بفرمانات لوبيات الوطن ومكائد أحزاب رؤيتها لا تتعدى اخمص قدميها.
Leave a Reply