طارق عبدالواحد وعلي حرب – «صدى الوطن»
بالإضافة إلى كونه شهراً مباركاً من الناحية الدينية، حيث أنزل فيه القرآن الكريم هدى ورحمة للعالمين، إلا أن شهر رمضان يتصف لدى عموم المسلمين بكونه أيضاً مناسبة اجتماعية لتعميق الروابط العائلية والإنسانية القائمة على المودة والغفران والتسامح ووصل الأرحام، لكن أخبار المذابح والتفجيرات الإرهابية المتعددة، في لبنان وتركيا والسعودية والعراق، صبغت الشهر الفضيل بألوان الحداد وملأت قلوب المؤمنين بالألم والحزن والغضب والأسئلة الجارحة عن الدوافع التي تتلطى خلفها حفنة من الموتورين والمهووسين الطائفيين، وتأويلاتهم المتعسفة للنصوص الدينية التي يفبركونها من أجل تبرير جرائمهم الوحشية التي يذهب ضحيتها، بين آن وآخر، العشرات من الأبرياء، من معصومي النفوس التي حرم الله قتلها واستباحتها.
وأخبار المآسي والحروب والمذابح التي لم يراع مرتكبوها أية حرمة للشهر الفضيل، حولت عيد الفطر السعيد إلى يوم كئيب وحزين أيضاً ولكنها لم تطفئ بصيص الأمل بغد أفضل ولو كره الكارهون.
للأسف، العيد الذي يطلق عليه العرب والمسلمون وصف «العيد الصغير» (3 أيام) لتمييزه عن «العيد الكبير» (4 أيام)، عيد الأضحى المبارك، تحول هذا العام إلى «عيد صغير» بالمعنى الحرفي للكلمة، ليس في العالمين العربي والإسلامي وحسب، وإنما في المجتمعات العربية والإسلامية في المهاجر حول العالم، حيث غابت بهجة العيد إلى درجة بدا فيها وكأن الكثيرين يحتفلون به من باب الحفاظ على التقاليد لا أكثر، باعتباره مناسبة للترويح عن الأطفال الذين لا يدركون فظاعة ما يجري في البلدان التي جاء منها آباؤهم.
حزن وغضب وأمل
مرتادو «مركز كربلاء» بمدينة ديربورن حوّلوا أول أيام العيد، يوم الأربعاء الماضي، إلى مناسبة لإطلاق المواقف السياسية بدل تبادل التهاني والتبريكات، وتجمهروا أمام المركز مطلقين الهوسات العراقية التي تندد بالإرهاب «الداعشي» وتتوعد بالثأر من المجموعات التكفيرية التي نفذت، الأسبوع الماضي، مجزرة دموية في منطقة الكرادة بمدينة بغداد، ذهب ضحيتها مئات الشهداء والجرحى، ونتجت عنها ردود أفعال شعبية ومواقف رسمية شاجبة حول العالم.
«داعش رايح ويا علوجه، والموصل بعد الفلوجة»، هي هوسة (نوع من الشعر الحماسي الشعبي العراقي) كانت بمثابة بيان سياسي، يختصر موقف العراقيين الأميركيين في منطقة ديترويت من الصراع الذي يفتك ببلدهم منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، والذي كان سببا رئيسا في تهجير ملايين منهم إلى أصقاع ووصول بعضهم إلى بلاد العم سام.
ولكن العيد يبقى عيدا على الرغم من كل شيء، لا تطفئ ذبالة بهجته المرارات ولا تطمس معانيه المآسي، ولذلك ما لبث أن نفث العراقيون أنفاس غضبهم على وقع الهوسة الحماسية، وأخذهم «الطرب» إلى يوم العيد، فبادروا إلى تبادل التهاني والتبريكات وأطيب الأمنيات بأن يعيده الله على الجميع، باليمن والسعادة والبركات.
وقال محمد الهمداني إن الحزن الذي يملأ صدورنا أقوى من الفرح وقد أثر ذلك بلا شك على احتفالنا بالعيد. وأكد هذه المشاعر الملتبسة عراقي آخر، اسمه محمد عبد النبي، التقته «صدى الوطن» بينما كان يشتري بعض الحلويات من متجر «شاتيلا»، وأشار إلى أنه فضل البقاء في البيت مع عائلته «لأنه من الصعب الاحتفال بالعيد مع كل هذه الحروب والصراعات التي تجتاح العالم العربي».
وأضاف: لا أشعر بأنه يوم عيد كما كنت أشعر في السابق.. لقد تبددت أفراحنا، فآثار ما يحدث في الشرق الأوسط تتمدد إلى مجتعمنا في الولايات المتحدة وتغرقنا بالحزن والكآبة.
من ناحيتها، أكدت اللبنانية صفاء جابر التي تحتفل بالعيد مع أطفالها في «المركز الإسلامي في أميركا» أنه من حق الأطفال أن يحتفلوا بهذا اليوم وأن يعرفوا مكانته وبركته، وقالت: «إننا نشعر بالألم لما يحدث للمسلمين حول العالم، ولكن يجب أن يبقى الأطفال قادرين على الفرح والاستمتاع ببهجة هذا اليوم».
لا لليأس
وشدد محمد ابراهيم على المسلمين في مجتعمنا المحلي بأن لا يدعوا اليأس يتسلل إلى قلوبهم وأوراحهم، وقال: «على المسلمين هنا أن لا يتركوا للآلام فرصة أن تحرمهم من الاستمتاع بالعيد، وقد فعلنا كل ما بوسعنا لمنح الأطفال الفرصة الكاملة من أجل الاستمتاع به».
وكان أكثر من 2000 شخص قد قصدوا «المركز الإسلامي في أميركا» لأداء صلاة العيد، بحسب رئيس مجلس أمناء المركز جيم صفي الدين الذي أكد «أن الاحتفالات بالعيد كانت رائعة» مشدداً في رسالة للجالية العربية على ضرورة نبذ الطائفية والتمسك بالوحدة.
وصبيحة يوم العيد تقاطر أكثر من 3000 مصلٍّ إلى «ميموريال بارك» في مدينة هامترامك وأدوا صلاة العيد في تقليد سنوي يحرص عليه اليمنيون الأميركيون الذين يشكلون الغالبيية الساحقة من الجالية العربية في المدينة، وقال إمام «مسجد معاذ بن جبل» الشيخ عبدالرزاق السعيد: «نعرف حجم الألم والأسى الذي يملأ قلوب المسلمين جراء ما يجري في بلداننا، ولكننا حرصنا على الاجتماع وأداء شعائر العيد جريا على التقليد السنوي الذي نتبعه منذ عدة سنوات.. إنه يوم ينتظره الأطفال من السنة إلى السنة، وعلينا ألا نحرمهم من هذه الفرصة».
وكانت عشرات العائلات اليمنية قد اصطحبت أولادها إلى الحديقة العامة التي نصبت فيها الأراجيح والألعاب الأخرى، كما أقيمت فعاليات وأنشطة أخرى تعرف بالعادات والتقاليد اليمنية، حيث قام بعض الشبان بأداء رقصة البرع الفولكلورية، كما كان لافتا ارتداء عشرات الشبان للزي اليمني التقليدي (الشال والجنبية). وأشار قاسم مرشد الذي يحرص على الذهاب إلى «ساحة العيد» مرتديا الزي اليمني التقليدي إلى أن العيد في الولايات المتحدة مختلف عنه في اليمن، بسبب بعض الظروف الموضوعية، مؤكدا أن «العيد في اليمن يبقى هو الأجمل بالرغم من هول الحرب الدائرة هناك».
أما عبد العزيز عبيد (16 سنة) الذي وصل إلى أميركا منذ خمسة شهور فقط، فكانت بهجته بالعيد أقل لأسباب تتعلق باشتياقه إلى أقربائه وأصدقائه، مؤكدا أن العيد سيكون أجمل فيما لو كان الآن في وطنه الأم.
Leave a Reply