ديربورن – خاص “صدى الوطن”
أقامت الجالية اللبنانية ممثلة بمؤسساتها وتياراتها وتجمعاتها وأطيافها مساء الأحد الماضي، في المركز الإسلامي في أميركا، في ديربورن، حفلاً تأبينياً لضحايا كارثة الطائرة الإثيوبية التي أودت بحياة 90 راكباً بينهم 54 لبنانياً إثر سقوطها قبالة ساحل بلدة الجية، جنوب بيروت، وتحطمها وسط ظروف ماتزال غامضة حتى الآن.
وحضر الحفل التأبيني عدد من ممثلي المؤسسات والهيئات والجمعيات العربية الأميركية يتقدمهم القنصل بشير طوق، قنصل لبنان في ديترويت بالوكالة، وحشد كبير من أبناء الجاليتين العربية واللبنانية. كما وصلت برقيات من المؤسسات العربية والإسلامية والمسيحية واللبنانية، ومنها رسائل من رئيس المجلس الاغترابي الدكتور نسيب فواز، ومن سفير لبنان في ساحل العاج علي عجمي، التي تقدم العزاء إلى لبنان وإلى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان.
بدأ الاحتفال بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، ثم تتابعت فقرات البرنامج الاحتفالي حيث ألقيت عدد من الكلمات التي ركزت في معظمها على تقديم التعازي إلى أهالي الضحايا وأسرهم وأقربائهم، وإلى كامل الشعب اللبناني.
وقدم عريف الاحتفال التأبيني الناشط زهير علوية للبرنامج بكلمة وجدانية مؤثرة تناول فيها حال المغتربين اللبنانيين، فقال: “نحن في الأوطان نسمى بمسميات غربتنا، وفي المغترب نسمى بمسميات أوطاننا، ففي أوطاننا نحن أميركيون وفي أميركا نحن عرب أميركيون. ليس لنا في لبنان حقوق المغترب، وليس لنا في المغتربات حقوق المواطنين. نعيش بقلب مشلع وبعواطف مبعثرة وبانتماء يسكنه ألف لاانتماء ولاانتماء. تنتمي إلى الأرض فتقذفنا الى الفضاء، وتنتمي إلى السماء فترمينا في قاع اليم، وتبقى الآية الكريمة تلاحقنا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها..”.
وقدم الشيخ حسن صالح تعازيه إلى أهالي الشهداء وذويهم داعياً إياهم إلى مزيد من الصبر في هذه المصيبة التي آلمت الجميع، وقال “عزاؤنا أنهم شهداء سقطوا ضحية كارثة جوية.. سقطوا من الأعلى فاحتضنتهم يد العناية الإلهية”.
وتحدث الأب راني عبد المسيح عن حجم الألم الذي خلفته الكارثة في قلب اللبنانيين وقلوب الناس جميعاً كونها “كارثة إنسانية” منوهاً بأن “الألم جزء لا يتجزأ من الحياة البشرية” وداعياً إلى الوثوق برحمة الله لأن “رحمة الله هي التي تعزينا، ورحمة الله هي التي تنجينا”. وشغل الحديث عن المحبة جزءاً كبيراً من كلمة الأب عبدالمسيح باعتبارها خلاص البشر وطريقهم إلى ملكوت الله. وقدم الأب تعازيه لأسر الشهداء، وصلواته لأرواح شهداء الكارثة الجوية سائلاً الله “أن يمنح مكاناً لأرواحهم في السماء إلى جانب الملائكة والقديسين”.
وقدم العلامة السيد ابراهيم صالح التعازي إلى أهالي الشهداء، وقال في كلمته “في ذلك الفجر الكئيب، فوق أفق البلاد، نعق الغراب الحديدي الطائر فوق سماء ذلك الوطن الحبيب، من أحشائه صرخة ونداء إلى السماء، وأسمعت تلك الصرخة الحاكم والمحكوم”. وخاطب السيد صالح الوطن اللبناني بالقول “إلى متى أنت عاق لنا أيها الوطن، تبحث عن أشلاء في عمق البحر. ياليتك تبحث عنا أحياء، قبل أن نخرج خائفين شرقا وغربا نبحث عن حياة كريمة”.
ونوّه السيد صالح إلى الحرمان الذي دفع أعداداً كبيرة من اللبنانيين إلى الهجرة بحثاً عن حياة أفضل “نحن نتكلم عن الأحياء الذين يتم التعامل معهم كالأموات. أين المدارس؟ أين الدواء وباقي الخدمات (..) يا وطني لا تبحث عن الأشلاء، بل ابحث عن الأحياء الذين يعملون ويكدون ويغتربون”.
وفي ختام الاحتفال التأبيني ألقى القنصل طوق كلمة لبنان الرسمي، فتوجه بالعزاء إلى أهالي الضحايا وأبناء الجالية اللبنانية في المغترب، وإلى كامل لبنان: “باسم الدولة اللبنانية نتقدم بالتعازي لأهالي الضحايا والمفقودين إثر تحطم الطائرة الإثيوبية” وشكر جميع الأشخاص والهيئات التي دعت إلى تنظيم ذلك الاحتفال التأبيني ليكون مناسبة للصلاة والتأمل وتقديم التعازي.
وأكد طوق أن “الدولة اللبنانية بكافة أجهزتها المدنية والعسكرية قامت ولاتزال بتوجيهات من الرؤساء الثلاثة ببذل الجهود لأجل معرفة حيثيات الحادثة”، وتوجه بالتحية التي يبذلها “وزيرا الصحة العامة ووزير الأشغال العامة اللذين قاما بجهود كبيرة”، في هذا الخصوص، ومشيراً في الوقت نفسه إلى أن “الفاجعة ألمت بالوطن كاملاً حكومة وشعباً، مقيمين ومغتربين، ووجدنا هنا دليلا على وحدة الشعب اللبناني في أفراحه وأحزانه”.
ونقل القنصل طوق تعازي سفير لبنان في واشنطن انطوان شديد الذي يتواصل ويعمل مع “المسؤولين الأميركيين للمساعدة في العثور على الصندوق الأسود” وشكر في هذا السياق الجهود الأميركية على المساعدات التي قدمها الأسطول الأميركي السادس، ومن خلال غرفة العمليات المشتركة مع قوات اليونيفيل في الجنوب اللبناني.
وكانت “صدى الوطن” قد رصدت وجود بعض أقرباء الضحايا من أبناء الجالية اللبنانية في ديربورن الذين شاركوا في المجلس التأبيني.
وقال ناصر الشموط رئيس جمعية أهالي بلدة العباسية: “لقد مثلنا أهل بلدتنا التي فقدت أربعة من أبنائها، وقد حضرنا لتأبين جميع الشهداء والضحايا، فقد تركت الحادثة حزنا عميقاً في نفوسنا ومشاعر مأسوية على كامل لبنان، فمأساة لبنان عامة وهي مأساة على الجميع”.
وروى جورج سعد أنباء تلقيه لخبر تحطم الطائرة التي كان على متنها قريبه انطوان زاخم الذي يعمل مهندساً للإلكترونيات في “شركة زاخم”، فقال: “كنت في مطار بيروت عندما وصلنا خبر تحطم الطائرة، فتفاجأنا وأصابنا خوف شديد، وعرفت أن قريبي كان على متن الطائرة فآلمنا ذلك، خاصة وأنه كان في زيارة إلى لبنان لإتمام مراسم خطبته”. وعن الحفل التأبيني قال سعد “لقد كانت الكلمات ممثلة لجميع الطوائف اللبنانية، وكانت مشاركتنا تعبيراً عن وحدة المصاب، فهذه الكارثة هي كارثة على كل لبنان وعلى الإنسانية جمعاء”.
وأبدى جهاد فرحات حزنه وأسفه على فقدان ابن خالته حسين فرحات وعلى جميع ضحايا الطائرة، وقال إن ابن خالته الشهيد فرحات كان في زيارة إلى عائلته إثر وضع زوجته صبياً بعد أربع بنات، وقضى إثر عودته من الإجازة . وشكر جهاد الجالية اللبنانية والمراكز والهيئات على تلك الخطوة الإيجابية بإقامة الاحتفال التأبيني. وأبدى لومه للقائمين على الاحتفال كونه قد اقتصر “على أصحاب الفعاليات الدينية الاسلامية والمسيحية، وكان المفروض إشراك المؤسسات الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى”.
وقال محمد أمين الذي كثيراً ما يتنقل بين الولايات المتحدة وإفريقيا، إنه يعرف الكثيرين من الضحايا، وأن أخبار الكارثة قد آلمته، وقد ضاعف من مشاعره تلك أنه كثيراً ما سافر على الخطوط الإثيوبية وعلى الطائرة نفسها، وقال “كان من الممكن أن أكون أحد هؤلاء”، ووصف أمين موقف الجالية بأنه “ممتاز.. ويدل على مسؤولية أبناء الجالية تجاه ذويهم وأهاليهم وابناء وطنهم”.
Leave a Reply