رحيل الحاج محمد طرفة عن 88 عاماً
ديربورن – «صدى الوطن»
ودعت حشود غفيرة من أبناء الجالية العربية في منطقة ديترويت الكبرى الأسبوع الماضي، أحد أبرز الوجوه التأسيسية للجالية، الحاج محمد طرفة، إلى مثواه الأخير في مقبرة «ميموريال غاردنز» بمدينة وستلاند.
طرفة، الذي توفي في 27 آذار (مارس) المنصرم عن عمر ناهز 88 عاماً بعد معركة استمرت لسنتين مع سرطان البنكرياس، كان له دور ريادي في تشكيل المشهد العربي الأميركي اجتماعياً وثقافياً، رغم عدم انخراطه المباشر في العمل السياسي، وذلك من خلال مشاركته بتأسيس «المركز الإسلامي في أميركا» في ستينيات القرن الماضي و«نادي بنت جبيل الثقافي الاجتماعي» أواسط التسعينيات.
وخلال مراسم التأبين التي أقيمت في «المركز الإسلامي في أميركا»، أشاد د. طلال طرفة بجهود الفقيد في رعاية طاقات الشباب العربي المسلم على مر العقود، مؤكداً «لقد أراد الحاج محمد لشبابنا الذين نشأوا في أميركا، كبلد ليس ذي أغلبية إسلامية، أن تكون لديهم مساحة وافية لصياغة هويتهم الإسلامية».
أضاف: «لقد كان شخصاً صبوراً للغاية، أحب أسرته وأقاربه وأصدقاءه، كما أحب مجتمعه، وفعل كل ما بوسعه من أجل دعم الشباب وتمكينهم».
ووصف عائلته بـ«المتماسكة للغاية»، لافتاً إلى أن الفقيد كان «مسلماً متديناً، تعلم أن يكون أميركياً». وتابع: «لقد عمل دائماً على دعم الأفراد في مجتمعنا، إضافة إلى دعم المؤسسات الإسلامية، عندما كانت بأمس الحاجة لمن يساعدها ويساندها».
وأعرب حفيد الفقيد، طارق ديفيد طرفة، عن مدى افتقاده الكبير لجده الذي ربطته به علاقة مميزة، وقال: «إنني أفتقده كشخص غال على قلبي، لقد أحببته، وما زلت أشعر بألم فقدانه، لقد كنا قريبين جداً. لقد كان رمزاً في المجتمع، وسوف نفتقده على الدوام كشخص غال وقريب من القلب».
وتلا سورة الفاتحة وبعض الآيات القرآنية، طالباً المغفرة لجده من الله العلي القدير. وقال: «بلا شك، لن تكون سهلة، مهمة إحياء ذكرى جدي من قبل شخص واحد في جلسة واحدة، ولهذا فإنني أبدأ برجاء أن تتغمد روحه الرحمة الواسعة، لأنه أنجز الكثير في الحياة العظيمة التي عاشها».
أضاف: «أيتها السيدات، أيها السادة.. إن تاريخ جدي الحاج محمد طرفة ليس تاريخاً يخصه وحده. إنه ليس تاريخه الشخصي ولا تاريخ عائلته وأولاده وأحفاده، ولا حتى تاريخ المسلمين في أميركا. تاريخ جدي.. هو قصة إنسانية، هو قصة الرؤية والعمل الجاد والمثابرة والتضحية».
وأشار إلى أن أكبر رسالة في حياة الفقيد كانت تتمثل في «أن يظل الناس قريبين من بعضهم البعض، وأن ينخرطوا في الحياة المجتمعية».
وختم بالقول: «التعليم، الشهادات الجامعية الثلاث، المسيرة المهنية لـ44 عاماً، 7 أبناء، 20 حفيداً، 6 من أحفاد الأبناء، نادي بنت جبيل، المركز الإسلامي في أميركا، عشرات المنظمات، السياسية، خدمة المجتمع، الإحسان، الأعمال الخيرية، الإيمان، الأسرة.. هذه هي الحياة التي عاشها جدي الحاج محمد يوسف طرفة».
من جانبه، وصف مؤسس «مجلس الأعمال اللبناني الاغترابي»، الدكتور نسيب فواز رحيل طرفة بـ«الخسارة للجميع»، وقال: «لقد كان أحد أعمدة المجتمع. كانت لديه رؤية واضحة عما يريد، وقد تمكن من تحقيق جميع الأهداف التي حلم بها».
وأشاد مؤسس «النادي اللبناني الأميركي»، علي جواد بدور الفقيد في ترسيخ دور المجتمع العربي الأميركي في منطقة مترو ديترويت. وقال: «لقد كان الراحل شخصاً متديناً وطيباً، وفعل الكثير من أعمال الخير للفقراء والمحتاجين في هذا البلد»، مؤكداً «لقد ترك الحاج محمد طرفة إرثاً عظيماً» وأن مسيرته تمثل «قدوة عظيمة للشباب العربي والمسلم لكي يحتذوا بها».
نبذة عن الفقيد
ولد طرفة في 6 كانون الثاني (يناير) 1931 في ديترويت، لمهاجرين لبنانيين، وعاد إلى لبنان في سن الثالثة حيث قضى معظم طفولته قبل أن يعود مجدداً إلى الولايات المتحدة في عمر المراهقة. ورغم اندماجه التام في وطنه الجديد والخدمة في صفوف الجيش الأميركي، تمسك الفقيد منذ شبابه بالثقافة العربية والانتماء الديني، فشارك عام ١٩٦٢ بتأسيس «المركز الإسلامي في أميركا» على شارع جوي في ديترويت، قبل أن ينتقل–عام 2005– إلى موقعه الحالي على شارع فورد كأحد أكبر المساجد في الولايات المتحدة اليوم.
أثناء توليه رئاسة مجلس أمناء المركز الإسلامي، استدعي طرفة عام 1952 للخدمة في صفوف الجيش الأميركي إبان الحرب الكورية، حيث خدم برتبة رقيب إمدادات قبل أن يتم تسريحه عام 1954 مع مرتبة الشرف.
إثر عودته إلى ديربورن، انخرط طرفة –إلى جانب نشاطه الخيري والاجتماعي– في الخدمة العامة وتولى عضوية لجنة تجميل المدينة من عام 1962 إلى 1982، وعضوية لجنة التجديد الحضري طوال السبعينيات والثمانينيات، كما شغل عضوية المجلس الاستشاري لرئيس البلدية الأسبق جون أورايلي الأب (1978–1985).
في عام 1994، أسس طرفة «نادي بنت جبيل الثقافي الاجتماعي» في ديربورن، وكان لهذه المؤسسة دور بارز في ترسيخ حضور الجالية العربية في المدينة لاسيما مع قدوم مئات الأسر اللبنانية المهاجرة من قضاء بنت جبيل–جنوب لبنان إلى الولايات المتحدة خلال التسعينات، حيث شكل النادي ملتقى للمهاجرين القدامى والجدد وساهم في تمكينهم ودمجهم في الوطن الجديد، متمسكين بالحفاظ على ارتباطهم وتواصلهم الدائم مع الوطن الأم ولاسيما مدينة بنت جبيل التي يشكل المهاجرون المتحدرون منها شريحة أساسية من الجالية العربية في ديربورن وجوارها.
نال الراحل، العديد من الجوائز والشهادات التقديرية أبرزها من الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عام 1996 لخدمته المجتمعية.
الراحل كان متزوجاً من الحاجة يسرا بيضون طرفة، ولهما سبعة أبناء هم: عماد، جيري، ديفيد (قاضي محكمة مدينة ديربورن هايتس)، ليلى، إيفون، فاي وواندا.
Leave a Reply