تثبت مداهمة عيادة الطبيب محمد ديراني واقتياده مخفوراً بتهمة توزيع العقاقير المخدرة إلى استفحال آفة تعاطي المخدرات في مجتمع محافظ كمدينة ديربورن، مما يدفعنا –من جديد– إلى المساءلة الأخلاقية حول مسؤولية الأفراد والمؤسسات في جاليتنا، وطبيعة الدور الذي يجب أن تلعبه لحماية الشباب من خطر تعاطي العقاقير القاتلة والإدمان عليها.
لقد صنّف ديراني من قبل «دائرة التنظيم وشؤون التراخيص في ميشيغن» (لارا) في قائمة الأطباء صارفي الأدوية الخاضعة للرقابة الحكومية خلال عامي 2015 و2016، فالطبيب العربي صرف خلال الأشهر الستة الماضية أكثر من نصف مليون حبة مخدرة، على مرأى من الجميع، وفي وضح النهار. كما شكلت عيادته الطبية مقصداً للمدمنين الذين شكلوا مصدرإزعاج مستمر لسكان الحي والتسبب بقذارة منطقتهم، لدرجة أن أحد الجيران كتب معلقاً على صفحة «صدى الوطن» على فيسبوك «كلما مررت من هناك، ظننت أنه يوم الجمعة السوداء»، في إشارة إلى ازدحام المراجعين الذين يبدأون بالتوافد منذ ساعات الصباح الأولى.
ويبدو أن الازدحام الشديد لم يثر حفيظة أحد من فعاليات جاليتنا ولم يثر استغراب نشطائها أو تساؤل أبنائها.. عن سر ذلك الاكتظاظ المريب الذي لا تخطئه العين. ولا غرابة في ذلك.. فالبعض من أبناء جاليتنا مشغولون بالمهاترات وتبادل التعريضات والشتائم على شبكات التواصل الاجتماعي، بدلاً عن تحمل المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية في معالجة بعض المظاهر والآفات التي تفتك بجاليتنا، كالقيادة المتهورة وتعاطي المخدرات والإقدام على الانتحار، التي أودت بحياة عدد من العرب الأميركيين.
ومن المفيد الإشارة إلى أننا في الصحيفة دأبنا على دق ناقوس الخطر عقب كل حادثة يقضي فيها أحد أبناء جاليتنا في حادث سير أو نتيجة جرعة زائدة، وناشدنا العائلات والأخصائيين والناشطين المجتمعيين والقادة الروحيين لتكثيف جهودهم والعمل الجاد على مكافحة تلك الظواهر القاتلة.
من ناحية أخرى، فإن اعتقال ديراني، الطبيب المناطة به معالجة المرضى وتخليصهم من معاناتهم وآلامهم، يدفعنا للحديث عن الجزء المسكوت عنه من الحكاية، ونقصد به مسؤولية الأطباء والصيادلة والعاملين في المجالين الصحي والطبي، هؤلاء الذين يقودهم الجشع والطمع إلى تكديس الأموال غير آبهين بالمخاطر التي تهدد حياة الآخرين. ومن هنا، يجب إدراك أن علاج ظاهرة تعاطي المخدرات لا يقتصر على التوعية وتثقيف المواطنين حول مخاطر الإدمان، وإنما يوجب العمل على تجفيف مصادر العقاقير المخدرة التي لا يتورع بعض الأطباء –وبينهم العرب الأميركيون– عن صرفها طمعاً بالمال.
لقد أشار قائد شرطة ديربورن رونالد حداد إلى وجود «سوق سوداء كبيرة للحبوب المخدرة» في مدينة ديربورن، كما أشارت «دائرة التنظيم وشؤون التراخيص في ميشيغن» إلى أن نصف المواد المخدرة التي صرفها ديراني انتهى بها المطاف إلى الشارع، أي إلى المدمنين..
إذن، المسألة ذات بعدين، ومعالجتها لا تقتصر على توعية المدمنين وحدهم وإنما تطال المزودين الذين يمدونهم بالمواد القاتلة. ومن الطبيعي أن تناط بالأجهزة الأمنية مسؤولية محاسبة الأطباء والعاملين الصحيين في حال مخالفتهم للقوانين المرعية، لكن المجتمع بأفراده ومؤسساته يمكن أن يلعب دوراً موازياً في مكافحة هذه السلوكيات، فيما يعرف بـ«المراقبة الاجتماعية» التي يبدو أن جاليتنا العربية في ديربورن لا تعيرها أي اعتبار، وإلا.. كيف تجرأ ديراني على صرف العقاقير المخدرة لعشرات الأشخاص يومياً من دون أن يتدخل أحد أو يتساءل عن سبب ذلك الإقبال المنقطع النظير على عيادته؟
من المفارقات، أن بعض المبادرات الأمنية الرامية لتطويق التطرف في المجتمعات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة كانت قد بذلت جهوداً مضنية لتفعيل آلية المراقبة الاجتماعية بين العرب والمسلمين، لمساندة الأجهزة الأمنية، وقد تحمس الكثير من الناشطين والسياسيين لترويجها في مجتمعهم، لكنهم لم يسعوا إلى استثمارها لمكافحة بعض الظواهر القاتلة في جاليتنا.
بالفعل.. أين هو دور الناس في حماية مجتمعهم، وأين كان عرب ديربورن طوال السنوات الثلاث الماضية التي صرف خلالها ابن جلدتهم ملايين الحبوب المخدرة التي قد تكون تسببت بموت بعض مراجعيه، وأين هي مسؤوليتهم الأخلاقية.. والدينية التي تعتمد على «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»؟ وهنا يطرح السؤال المشروع: ديراني.. طبيب أم مريض؟
Leave a Reply