دمشق، القاهرة – لا توفر جامعة الدول العربية، بشقها الخليجي الطاغي، الوقت في هجومها وضغطها المتواصل على سوريا، فقد تقدمت “الجامعة” خطوة إضافية نحو دفع الأزمة السورية الى التدويل، رغم كافة المحاذير المرتبطة، عبر إعلان وزراء الخارجية، للمرة الأولى، “اللجوء إلى الأمم المتحدة للمساعدة في تسوية الأزمة السورية”، وأمهلوا دمشق أقل من 24 ساعة للتوقيع على بروتوكول بعثة المراقبين تحت طائلة توقيع عقوبات اقتصادية على النظام السوري (المهلة تنتهي بعد صدور هذا العدد)، حيث يستعدّ المجلس الاقتصادي والاجتماعي لعقد اجتماع للنظر فيها، في حين تصاعدت الهجمات على القوات الأمنية بشكل غير مسبوق في محاولة لفرض أمر واقع ميداني قبل أي تحرك نحو حظر جوي، قد تكون تركيا والدول الخليجية المنفذ الظاهر له، فيما تتحدث التقارير عن إقامة مناطق آمنة داخل سوريا وإنما تكون مرتبطة جغرافياً بتركيا ولبنان او بسواحل البحر المتوسط!
لكن إذا رضخت دمشق، المدعومة بتظاهرات مؤيدة جارفة في البلاد، وقررت التوقيع على البروتوكول فإنها ستلغي إمكانية عقد اجتماع المجلس الاقتصادي، والاجتماع الطارئ الجديد الذي سيعقده وزراء الخارجية الأحد المقبل. ولكن في السياق، شكل التحفظ الجزائري-المصري عائقاً أمام الطموح الخليجي الجامح، حيث مانعت الجزائر ومصر في البداية موضوع تحويل الملف إلى مجلس الأمن الدولي، وهو ما أجبر الوزراء على تعديل الصيغة الرئيسية إلى الطلب من “اللجوء إلى الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) للمساعدة في حل الأزمة السورية”. ورفض لبنان ومصر والأردن فرض عقوبات اقتصادية على دمشق، فيما كانت دول مجلس التعاون الخليجي، مدعومة بعدد من الدول التي تسير في ركبها، تضغط لتمرير القرارات كما هي.
وقرّر الوزراء العرب، في ختام اجتماع دورتهم الاستثنائية المستأنفة في احد فنادق القاهرة بسبب التطورات في ميدان التحرير بعد اجتماعين للجنة الوزارية الخاصة بالملف السوري برئاسة رئيس الحكومة القطرية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وبمشاركة وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بالرغم من أن الرياض ليست عضواً في اللجنة، “إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة” بان كي مون بقرارهم الذي يمهل (ساعات) سوريا لتوقيع بروتوكول المراقبين “والطلب إليه اتخاذ الإجراءات اللازمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة لدعم جهود الجامعة العربية في تسوية الوضع المتأزم في سوريا”.
واعتبر دبلوماسيون عرب شاركوا في الاجتماع أن هذا النص “يفتح مزلاج الباب المؤدي إلى الأمم المتحدة، وبالتالي مجلس الأمن الدولي”. وبعد اندلاع الانتفاضة في ليبيا علقت الجامعة عضوية طرابلس ودعت إلى فرض منطقة حظر جوي ما مهّد الطريق لصدور
وذكر التلفزيون السوري في نشرته الإخبارية أن مجلس الوزراء العرب دعا الى التوقيع على البروتوكول “بالصيغة التي اعتمدها المجلس في دورته التي عقدها” في 16 تشرين الثاني، نافياً بذلك ما تردد عن أن الجامعة أخذت بعين الاعتبار التعديلات التي اقترحتها الحكومة السورية. كما اعتبر ان “هذا الإجراء غير مسبوق في تاريخ الجامعة العربية تجاه اي عضو من اعضائها”.
وأعلن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، بعد اجتماع الوزراء العرب، أن هؤلاء قرروا “دعوة الحكومة السورية لتوقيع البروتوكول المتعلق بإيفاد بعثة مراقبين تابعين للجامعة إلى سوريا يوم الجمعة (٢٥ الجاري) الساعة الواحدة بعد الظهر في القاهرة”. وشدد، في تصريح مقتضب عقب اختتام الاجتماع، على “أهمية استجابة الحكومة السورية للمهلة التي قررها وزراء الخارجية العرب”، والإسراع للتوقيع على وثيقة البروتوكول “في سياق الرغبة القوية لحماية المدنيين السوريين”. ونص قرار الوزراء العرب على “دعوة الحكومة السورية إلى التوقيع على البروتوكول الخاص بالمركز القانوني ومهام بعثة مراقبي الجامعة العربية إلى سوريا بالصيغة التي اعتمدها الوزراء العرب” خلال اجتماعهم في الرباط.
تعاون أوروبي عسكري مع “الجيش الحر”
وفي باريس، ذكر تقارير صحافية ان معدات رؤية ليلية متقدمة من بلد غربي قدمت الى “الجيش السوري الحر”، وهي مساعدة وصفها مصدر أمني فرنسي لصحيفة “السفير” اللبنانية بأنها مقدمة لتعاون أوسع مع المسلحين الذين يقودهم العقيد رياض الأسعد، وتقيم قيادتهم في مدينة إنطاكيا في لواء الإسكندرون، ويشرف مسؤول في وزارة الخارجية التركية في أنقرة على تنسيق علاقاتهم الخارجية واتصالاتهم الدولية انطلاقاً من الأراضي التركية.
وذكرت صحيفة “لو كانار أنشينه”، في عددها الأسبوعي الصادر الأربعاء الماضي، أن تدخلاً محدوداً للناتو في الشمال السوري يجري التحضير له انطلاقا من الأراضي التركية. وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن فرنسا وبريطانيا وتركيا تدرس احتمالات تلك العملية وتعمل على التحضير لها على الأرض عن طريق تطوير إمكانات المنشقين في “الجيش الحر”، وإعادة تنظيم “وحداتهم”.
وتقول الصحيفة إن الأتراك يعرضون إنشاء منطقة عازلة داخل سوريا لاستقبال المدنيين والجنود المنشقين، ويعرضون منطقة حظر تحليق للطيران. ولكن تحقيق المشروع يتطلب حشد الطائرات الفرنسية والبريطانية في القواعد الجوية التركية.
وكلفت الاستخبارات العسكرية الخارجية الفرنسية، والاستخبارات البريطانية، عدداً من ضباطها بالاتصال بالمنشقين على الحدود الشمالية للبنان، وفي تركيا، بغرض إعادة تنظيم كتائبه الأولى.
وقال المصدر الفرنسي إن عدداً كبيراً من المقاتلين في الجيش المنشق ينتمون عملياً إلى “الإخوان المسلمين”، الذين يفضلون العمل العسكري تحت غطاء المنشقين،على تنظيم وتسليح مقاتليهم في وحدات مستقلة.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مصدر دبلوماسي غربي إن الخطة الفرنسية قد تؤدي إلى ربط مناطق معينة في سوريا بتركيا أو لبنان او الى البحر المتوسط. وقالت متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي إن “هناك حاجة متزايدة لحماية المدنيين”. وأعلنت المتحدثة باسم حلف شمال الأطلسي أوانا لونغيسكو أن “الحلف يراقب الوضع في سوريا بقلق بالغ”، لكنها شددت على أنه لا ينوي التدخل في سوريا كما فعل في ليبيا.
وكشف وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية راكان المجالي، في تصريح لقناة “العربية”، “حصول عمليات تهريب للسلاح بين الأردن وسوريا بقصد التجارة، وأن الأردن يسعى لوقفها”.
وقال نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي موشيه يعلون، في براغ، إن أيام الأسد بصفته رئيساً باتت معدودة. وقال، في ختام لقاء مع وزير الخارجية التشيكي كارل شوارزنبرغ في براغ، “الوضع في سوريا بلغ على ما يبدو نقطة اللاعودة لأن الرئيس بشار الأسد يفقد الشرعية بقتل المعارضين.. أكثر من ثلاثة آلاف قتيل إلى الآن. يقترب على ما يبدو من نهايته كزعيم لسوريا”. وأعرب عن أسفه “لاستمرار النزاع الدامي”.
سوريا تستنكر إدانتها في الأمم المتحدة
وفي سياق آخر، اتهم المبعوث السوري في الأمم المتحدة بشار جعفري الدول الأوروبية بشن “حرب إعلامية وسياسية ودبلوماسية على سوريا والتدخل في شؤونها الداخلية”. وجاءت اتهام المبعوث السوري بعد أن أدانت لجنة حقوق الإنسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء الماضي، حملة القمع التي تشنها الحكومة السورية ضد المحتجين. وقال جعفري إن بريطانيا وفرنسا وألمانيا “جزء من تصعيد العنف في بلادي” و”تنشر الفتنة العنيفة” في سوريا. وأضاف أن مشروع القرار “تناسى الإشارة إلى الجماعات المسلحة التي تعبث بأمن المواطنين وسلامة الممتلكات العامة والخاصة”.
وكانت لجنة حقوق الإنسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة أدانت حملة القمع التي تشنها الحكومة السورية ضد المحتجين، في تصعيد للضغوط الدولية على الرئيس السوري بشار الأسد. وجاءت الإدانة في قرار حصل على 122 صوتا مقابل اعتراض 13 صوتا وامتناع 41 عن التصويت.
وكانت كل من البحرين والسعودية والأردن والكويت والمغرب وقطر من بين أكثر من ستين دولة ساهمت في طرح القرار الذي دعا الحكومة السورية إلى وقف العنف.
Leave a Reply