لقد عشنا عقوداً من الانقسامات العربية والاقتتال الداخلي والكوارث المهولة والغزوات الخارجية ولكن فـي كل ذلك لم يرفَّ للجامعة العربية جفن. ولكن اليوم دبَّت الحمية والحماسة والمرجلة فـي عروق دول الجامعة العربية ضد بلد عربي فقير بموارده، ولكن عملاق فـي حضارته وعظمة شعبه، فأعلنت عن تشكيل قوة عسكرية مشتركة ضد هذا البلد وزادت التنسيق الأمني بينها بسحر ساحر، من أجل قصف البلد العربي الشقيق. لكن عقوداً من العدوان الصهيوني الغاشم ومجازره فـي فلسطين وتدنيسه للمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، لم تحرك جيوش العرب ولا اتفاقية دفاعهم المشترك، لذلك أصبحنا نفضل التقسيم المحق على الوحدة من أجل الهدف الخاطيء.
لقد أصبحت الجامعة العربية العاجزة تاريخياً، أداة للنظام السعودي وعدوة لتطلعات المواطنين العرب. هذه الجامعة العربية الموبوءة يجب أن تزول من الوجود.
فـي السنوات الماضية لم تنتج قمم العرب شيئاً ملموساً من الناحية الجغرافـية السياسية باستثناء تنازلات مهينة قدمتها لعدو الأمة ولأعدائها. كل المنظمات تتطور وتتقدم ولكن أداء الجامعة لم يتحسن بل تدرج من سيء إلى أسوأ. حتى اللحظات الفكاهية الصورية التي كان يؤمنها لنا الديكتاتور الليبي الراحل معمر القذافـي فـي مؤتمرات القمة قد سُحبت من الاجتماعات السنوية للجامعة وبقيت هذه الوجوه الكالحة فـي مكانها.
وفـي الاسبوع الماضي فـي قمة شرم الشيخ، وصل الحكَّام والقادة العرب الى أسفل درك وأحط مستوى متدنٍ عندما قرروا التوحد خلف قضية جديدة «مقدسة» وهي ضرب «أكبر تهديد» شهدته المنطقة وهو خطر اليمنيين فـي..اليمن. أما فلسطين التي نسيها العرب فقد ذكرت سهواً ربَّما أو من قبيل رفع العتب لتمرير البيان الختامي للقمة.
فلسطين، التي كانت دائما فـي صميم الأولويات السياسية العربية وقضيَّتها الأولى، أصبحت فكرة طارئة
على قمة جامعة الدول العربية. وقد انعقدت هذه القمة المذلَّة فـي حين ان ما تبقى من أرض فلسطين يجري ضمها واستيطانها من قبل العصابات الصهيونية بينما جامعة
الدول العربية تراقب بصمت وتغوص فـي نزاعاتها وأمورها التافهة.
حتى غزو القوات الإسرائيلية لبيروت فـي صيف عام ١٩٨٢ لم يتلق أكثر من الإدانة اللفظية من قبل هذه الجامعة الميتة. كما تلقت القوات الأميركية فـي بغداد فـي عام ٢٠٠٣ من الجامعة طلباً هزلياً للانسحاب من العراق، حتى فـي الوقت الذي كان فـيه بعض أعضائها هم أنفسهم الذين ضغطوا ودعموا الغزو الأميركي للعراق.
كذلك وقعت مساحات هائلة من الأراضي العربية فـي سوريا والعراق تحت سيطرة عصابة تكفـيرية عابرة للحدود تطلق على نفسها «الدولة الإسلامية» ولكن لا يبدو ان جامعة الدول العربية أحست بالقلق الذي يشعر فـيه كل الأصحاء من الناس.
ولكن عندما بدا ان مجموعة من اليمنيين باتت، عن حق أو خطأ، قاب قوسين أو أدنى من الفوز فـي مسالة الصراع اليمني الداخلي، استنفرت الجامعة العربية وهددت بالويل والثبور وعظائم الأمور ودعت لتشكيل قوة أركان مشتركة موحدة.
وهاهي المملكة العربية السعودية، أكبر وأغنى دولة عربية تقوم بقصف الجار الفقير فـي اليمن وترتكب جريمة قتل بحق المدنيين فـي هذه العملية الغاشمة، وها هي الجامعة العربية لا تحيد عن جنوحها ووقوفها الموقف الخطأ تماهياً مع تاريخها المشين فقامت بدعم الجلاد ضد الضحية.
كان الانتقاد دائماً ينهال على الجامعة العربية لصمتها على الهجمات العدوانية الموجهة ضد الدول العربية. أما الآن فإنها قررت دعم وهندسة الاعتداءات على شعب عربي شقيق. لقد أصبحت الجامعة عبئاً على الجماهير العربية وفشلت فـي امتحان الشعب العربي لفترة طويلة جداً.
الجامعة العربية ماتت وإكرام الميت دفنه!
Leave a Reply