فاطمة الزين هاشم
هذه الكلمة لها وقع مؤلم فـي النفس، كما لها مدلولها القاسي المنبثق من نكران الجميل وعدم الإعتراف بقيمة الجهود المبذولة من أجل خدمة الغير وخاصة الأبناء وما يأخذونه من صحّة الوالدين ووقتيهما وجيبيهما أيضاً، ويعتبرون كلّ هذا واجباً على الأهل فعله دون حمدٍ أو كلمة شكر.
عندما يتزوّج الفرد فإنّ أوّل ما يفكّر به هو تكوين أسرة وإنجاب أولاد يخلّدون اسمه، دون أن يفكّر بالمتاعب والتكاليف التي سيتحمّلها من تعليم وملبس ومسكن ومتطلّبات أخرى فـي الحياة، تكون كلّ هذه الأشياء بعيدة عن مخيّلته ويصب حجم اهتمامه فـي تأمين عيش كريم لهم، وعندما تبدأ دورة الحياة وإنجاب الطفل الأوّل يبدأ الجدّ يأخذ مجراه، يعمل الأب دون ملل وتعمل الأمّ على جبهتين، مسؤوليّة الأسرة والإهتمام بالطفل، بالإضافة إلى عملها الوظيفـي بالنسبة للموظّفات اللواتي يساهمن من خلاله بمردوده المادّي لتغطية نفقات المعيشة جنباً
إلى جنب الزوج كي لا يشعر أنّه هو وحده يتحمّل الأعباء.
وعندما تكبر العائلة ويزداد عدد الأبناء يتضاعف جهد الأبوين لتأمين مستقبل زاهر لأبنائهما، فمن رحم المعاناة يولد الناس المكافحون، لكن فـي عصرنا هذا لا تجري الأمور كما كانت عليه بالأمس القريب، حيث كان إذا تكلّم أحد الأبوين يخفض الإبن رأسه وكذلك الإبنة احتراماً وإجلالاً لمكانتهما، فأين جيل اليوم من ذلك؟ إذ يتكلّم الإبن أو البنت بكلّ تحدٍّ ونفور وعدم احترام للأهل، ويختلقون الأكاذيب الكثيرة المحبوكة ظنّاً منهم أنّها تنطلي على الأهل، يحدّقون بعيون مفتوحة حمراء يمكن تشبيهها بأنّ لا حبر آخر لديهم من غير هذا اللون المريب فـي مثل هذا الموقف الذي ينمّ عن العقوق، وكأنّ القيم ذهبت أدراج الرياح مع جيل اعتقدَ بأنّه أصبح صاحب شهادات عالية وينظر للأهل من منظار التعالي والتكبّر ناسياً فضلهم عليه إذ لولا الجهود التي بذلوها من أجله لما كان وصل إلى ما هو عليه اليوم.
تقضي الأمّ معظم وقتها فـي المطبخ لتحضير ألذّ أصناف الطعام لا تبالي بالإنهاك الذي يصيبها، لكن فـي المقابل يلهث الأبناء وراء العشبة الصينيّة ذات الرائحة المنفّرة التي تسمّى (السوشي) دون أن ينتبهوا إلى ربّما الكثير من الجراثيم التي تحتويها لأسباب عديدة ومع ذلك يلتهمونها بشراهة ويفضّلونها على أطباق الأمّ الصحية والطازجة التي تذهب إلى سلّة المهملات نتيجة ذلك غير عابئين بأثمان هذه الأنواع من الأطعمة أو بجهد الأمّ المسكينة التي تحاول إرضاءهم بأيّة طريقة، وهم لم يخسروا شيئاً ولم يتحمّلوا المصاريف ولم يبذلوا جهداً كذلك فـي صنع أيّ شيء، ولا يعرف قيمة الشيء إلّا فاقده!
أيعقل أن يكون هذا الجيل جاحداً إلى هذه الدرجة؟ نحن لا نريد أن نستعبدهم ولا أن نذلّهم ولا السيطرة عليهم ولا فرض مفاهيمنا أو قناعاتنا لأنّنا نعلم أنّ زماننا غير زمانهم، هم يعيشون عصر التكنولوجيا والإنفتاح على العالم، هذا جيّد، ولكن لماذا لا نستفـيد من الجوانب الروحيّة التي هي قوام الحياة السويّة وبالتالي هي المنفذ إلى حياة السعادة؟ بدلاً من تقليد الصرعات الغريبة على مجتمعنا والتي تشوّه الصورة الجميلة التي تطبع مجتمعنا بطابعها فنطوّر أنفسنا نحو الأفضل وليس السير نحو الوراء؟ ممّا يرفضه العقل السليم مثلما يرفضه المنطق الطبيعي لحركة المجتمع الأصيل؟
لم يكن للإنسان خيارٌ فـي اختيار اسمه ولونه وطوله وجنسه ويوم موته، لكن له الخيار فـي انتقاء حياة سعيدة ومشرّفة تجعله فـي مصاف الكبار والعلماء والعقلاء والقادة المصلحين، فاتّقوا الله أيّها الأبناء وكونوا قدوة للأجيال القادمة ولا تعقّوا والديكم، ولا تنسوا الآية الكريمة: «وبالوالدين إحساناً».
Leave a Reply