مريم شهاب
كل كذبة أول نيسان وأنتم بخير. لن أتوقف عن إزعاجكم. لقد كان مقالي، فـي العدد الماضي، عبارة عن كذبة ناصعة البياض، لا تضر أحداً، لكنها ستضفـي على الكلام شيئاً من الظلال وترش عليه قليلاً من ملح الصودا، لهضم الأيام العسيرة والأخبار المتخمة بالبلاء والغلاء والرجوع إلى الوراء، والتي كان آخرها الكشف عن شبكة دعارة وحقارة فـي منطقة جونية، فـي لبنان.
لن أطيل الحديث عن ذلك الخبر المفجع، فقد أشبع تفصيلاً وتحليلاً فـي الوسائل الإخبارية. إنه انحطاط وعار على من يقوم به، وهو إفراز من إفرازات حروب العبث العربي، وهو إهداء إلى المعارضة السورية التي حملت السلاح لتقتل ناسها وأهلها وتخرّب بلدها عندما تخلت عن نهج المعارضة السلمية والتماسك والتضامن من أجل تغيير كان لا بد منه فـي سوريا، ولكن ليس بهذه الطريقة الدموية. الفتيات السوريات المستعبدات والمغتصبات هن لطخة سوداء فـي وجوه الحكام والمحكومين. إنهن شرف سوريا الذي فرّط به الجميع ولن يعيده البكاء والعويل بعد الآن.
ولأن حبل الكذب قصير جداً، لا بل أقصر مما نتصور وسوف أثبت لكم ذلك بالدليل القاطع. يقع بيتي على تقاطع بجوار مركز تجاري كبير. وكثيراً وبدون إنذار وبدون اتصال، أتفاجأ كثيراً بالباب يدق فتدخل إحداهن، أو يدخل أحدهم، وتدوم الزيارة لوقت طويل. وهنا بيت القصيد: الوقت! فأنا أعمل طوال أيام الأسبوع، ومعظم الأعمال المنزلية تكون مؤجلة إلى أيام العطل.
فـي إحدى المرات ميّلت إحدى السيدات إلى منزلي من دون ميعاد، وصادف مجيئها مع مجيء ابنتي التي فتحت الباب. وبكل بساطة وترحاب أدخلتها إلى غرفة الجلوس. نزلت من الطابق العلوي لأرى من دخل البيت، فهمست ابنتي فـي أذني تخبرني عن اسم الزائرة. وبما أنني كنت مشغولة جداً ومرهقة ومنهكة، همست فـي أذن ابنتي إبلاغها بأنني لست موجودة فـي البيت.
ذهبت ابنتي لتخبرها بذلك، واستغليت الفرصة لأتسلل الى الحمام وقبعت فـيه من دون أي حركة بانتظار مغادرة الزائرة. غير أن المصيبة التي لم تكن تخطر على بال أن الزائرة كانت محصورة.. وتطلب دخول الحمام لتقضي حاجتها المستعجلة. والكارثة أنني نسيت إقفال باب الحمام بالمفتاح. وسمعت أصوات خطواتها وهي تقترب، واعتقدت أنها متجهة إلى الباب الخارجي. فجأة.. وإذابباب الحمام يفتح لأجدها أمامي، وجها لوجه. وفـي أقل من ثانية تبادلنا «المراكز» من دون سلام ولا كلام. هي دخلت إلى الحمام وأغلقت الباب خلفها، وأنا صعدت إلى الطابق الأعلى لأكمل أعمالي. موقف محرج جداً لكنه خلصني من زياراتها.
قريبتي أم محمود تعاني من نفس المشكلة، إذ يقع بيتها فـي موقع يقصده الكثيرون. وبما أنها لا تعمل فالكثيرون يقصدونها لتمضية الوقت معها خصوصاً وأنها «عشراوية» ولا تعمل، ويظنون أن وقتها مريح والزيارات «البلا طعمة» كما تقول- لا تنقطع عن بيتها العامر. أولاد ها يدرسون ويعملون ويستغلون أيام الآحاد للنوم والراحة. وبعض المعارف والصديقات اللواتي «بلا شغلة ولا عملة» يأتون لزيارتها بلا تلفون وبدون كلفة، أيام الآحاد. وهي تشعر بالحرج الشديد خصوصاً وإن زياراتهن تطول لساعات وساعات. بالله عليكم، ما جدوى الأحاديث والكلام الممل والنق والشكوى من الزوج والأولاد والأيام، هذا إلى جانب الإزعاج والمكوث من العاشرة صباحاً حتى موعد صلاة الظهر؟
هناك مقولة شهيرة للفـيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، تقول: الجحيم هو الآخرون. وفـي أحيان كثيرة هذا هو الجحيم!
Leave a Reply