قالوا قديماً -وكانوا على حق- «ما أعز من الولد إلاّ ولد الولد». وكنت أنكر ذلك القول، ولا أتصور نفسي أنّي سأحب أحداً أكثر من أولادي، حتى اختبرت شعور الجدة بعدما أصبحت إبنتي أماً.
دخلت في علاقة عميقة مع ولديها وتعلقت بهما كثيراً، وعاهدت نفسي أن أكون «الجدة السوبر الطيبة الحنونة»، كالتي أقرأ عنها في الحكايات والأساطير، الجدة التي لم أعرف حنانها ولم أتمتع بدفء حضنها ولم أستمتع بحكاياها.
وجدت المهمة صعبة جداً في عصرٍ تسود فيه موجة الإتصالات والترفيه والآي باد والألعاب الإلكترونية التي تجتذب عقول الأطفال عموماً وتجعلهم أكثر قرباً منها وتعلقاً بها يوماً بعد يوم. فغلبتني أفلام «ميكي ماوس» و«ميني ماوس» وأصدقاؤهما، «ودورا» وصديقها القرد «بوط» و«ليتل بوني» وغيرها من أفلام الكارتون.
لكني من جهة ثانية، كنت مقتنعة بأن حنان الجدة الدافئ هو الذي يقرب الأحفاد منها. أما إذا كان حناناً بارداً مغشوشاً «من صنع الصين» فتراهم يبتعدون، خصوصاً وأن الأفلام والألعاب الإلكترونية التي يعيشون بينها معظمها من صنع اليابان واليونايتد ستايتس، وتمنح الأطفال شعوراً بالمتعة والإثارة لا تقدر على منحه حكايا الجدة.
تقربت من الآي باد وغيره من الأجهزة الإلكترونية، علّني أفهم أحفادي أكثر فيحبونني أكثر، أدركت أن هذه الألعاب لها جوانب إيجابية عديدة فهي تساعد الأطفال على مواكبة العصر وتنمي قدراتهم، وتفيدهم في إكتساب المعلومات. واكتشفت أن ليست كل البرامج والألعاب سيئة ومضيعة للوقت فقط، وأن إبعاد الأحفاد عنها ضرب من المستحيل.
لا أنكر سعادتي عندما أرى أحفادي الصغار يتفنّنون في العاب مسلية على الآي باد، ويحاولون معي لأشاركهم عالمهم والعابهم فلا أستطيع، فيضحكون مني ويقهقهون ويشعرون بالزهو كونهم أشطر من «التاتا».
لكن وفرة وسائل الترفيه والإتصالات الحديثة يجب ألا تغني عن العلاقات الأسرية والعائلية ووجود الأب والأم في حياة الأطفال الذين هم بحاجة الى الإشباع النفسي والعاطفي السوي، وهذه مهمة لن تقدر عليها الإلكترونيات مهما كانت درجة ذكائها وجاذبيتها.
دور الجدة لا يقتصر على كبح جماح رغبات الأطفال وعنادهم بين اللهو واللعب واتّباع الأهل في التربية والتعليم ومراعاة التقاليد والدين والأخلاق والتراث والعادات والطعام.. بل هي خزان الحنان والمحبة والدلال.
لكن من تجربتي الخاصة، كسيدة عاملة، اكتشفت أني أحتاج حفيدَيّ، أكثر من حاجتهما إليّ، فالأحفاد يسعدون الجدة أكثر مما تسعدهم، يمدونها بالطاقة لمواصلة العمل والحياة. فالجدة الذكية هي التي لا تعيش في الماضي بل في عصر أحفادها.. رغم أني متيقنة من أن أجهزتهم الإلكترونية تلك لا تؤنس الطفل أكثر من حفنة من التراب أو الرمل أو الطين.
لطالما قلت لإبنتي وزوجها، لا تضيعوا مالكم في شراء الألعاب لأولادكم، دعوهم يلعبون بالطين أو عيدان الخشب.. أشغلوهم بعمل فعلي بجانب نشاطات رياضية، شاركوهم في زراعة بعض النباتات ورعايتها… بدل أن يكون الآيباد هو رفيق الأولاد الدائم والمنافس الأول للجدة..
Leave a Reply