الجزائر – تلقى الإسلاميون هزيمة نكراء في الانتخابات التشريعية الجزائرية الأخيرة، لتتشكل بذلك انتكاسة أولى للتيار الإسلامي الذي اجتاح دول شمال إفريقيا بعد أحداث “الربيع العربي”. فبعد أن تمكن الإسلاميون من الفوز بانتخابات المغرب ومصر وتونس وسيطرتهم على الحكم في ليبيا، كانت التوقعات أن يكمل هذا “التسونامي” على الجزائر وبعدها على موريتانيا، لكن الناخبين الجزائرين كان لهم رأي آخر.
مواطن يدلي بصوته في مركز اقتراع في الجزائر العاصمة. (رويترز) |
ففي أول انتخابات تشريعية في بلادهم بعد ثورات “الربيع العربي” اختار الجزائريون مجدداً “جبهة التحرير الوطني” لتبقى الحزب الحاكم في البلاد بعد 50 عاماً على الاستقلال.
وشارك في الانتخابات نسبة مرتفعة بلغت 42,3 بالمئة من الناخبين الجزائريين في عملية الاقتراع التي قال الإسلاميون، وفي مقدمتهم تكتل “الجزائر الخضراء”، إنها “مزورة” بعدما خاب أملهم في تحقيق توقعاتهم بحصد عدد كبير من المقاعد، رغم أن العملية الانتخابية أجريت تحت إشراف مراقبين دوليين أكدوا على مصداقيتها.
وتوقع الكثير من المراقبين نسبة مشاركة منخفضة، وعدم فوز أي من الأحزاب أو التكتلات بغالبية المقاعد، بالإضافة إلى صعود الإسلاميين خصوصاً بعد فوزهم الكبير في تونس ومصر، ولكن يبدو أن الشعب الجزائري أراد أن ينأى بنفسه عن التيارات الإسلامية وإعطاء فرصة حقيقية لإصلاحات الحزب الحاكم.
وفازت “جبهة التحرير الوطني” التي يتزعمها عبد العزيز بلخادم في الانتخابات التشريعية بحصولها على ما يقارب نصف مقاعد المجلس الوطني الشعبي، 220 مقعداً من أصل 462 ( 47,6 بالمئة)، في قفزة نوعية مقارنة مع انتخابات العام 2007 (34,9 بالمئة).
وفي المرتبة الثانية حصل حليف الجبهة الأساسي “التجمع الوطني الديموقراطي” بزعامة أحمد أويحيى، على 68 مقعداً (14 بالمئة) في مقابل 61 مقعداً في العام 2007 (15,6 بالمئة).
وبهذه النتيجة يكون للتحالف الرئاسي الذي يضم الحزبين اغلبية مطلقة في مجلس النواب.
ولم تحصل الأحزاب الإسلامية مجتمعة سوى على 59 مقعداً، من بينها 48 مقعداً لكتلة “الجزائر الخضراء” الذي جمع بين “حركة مجتمع السلم” (المقربة من “الإخوان المسلمين”)، و”حزب النهضة” و”حركة الإصلاح”. ولم يحصل “حزب العدالة والتنمية” الذي يرأسه الإسلامي المعروف عبد الله جاب الله والرئيس السابق لـ”حركة الإصلاح” سوى على ثمانية مقاعد (1,7 بالمئة).
وكانت “حركة مجتمع السلم” حصلت في العام 2007 على 52 مقعداً من أصل 389 (15,6 بالمئة) بعد تحالفها مع “جبهة التحرير” و”التجمع الديمقراطي”، في وقت حصلت “حركة الإصلاح” التي كان يرأسها جاب الله آنذاك على 20 مقعداً (خمسة بالمئة).
وعلى جبهة اليسار، حصل “حزب العمال” الذي ترأسه لويزة حنون على 20 مقعداً (4,3 بالمئة)، في مقابل 26 مقعداً (6,6 بالمئة) في العام 2007.
وبرز في الانتخابات الحالية مشاركة “جبهة القوى الاشتراكية” الأمازيغية المعارضة والتي يرأسها أحد قادة الثورة الجزائرية حسين آيت أحمد، حيث حصلت على 21 مقعداُ (4,5 بالمئة) بعدما قاطعت الانتخابات التشريعية طوال 15 عاماً.
وفازت 145 امرأة بمقاعد في المجلس الشعبي الوطني (31,38 بالمئة). واحتلت مرشحات “جبهة التحرير” المرتبة الأولى حيث حصلت على 68 مقعداً، و”التجمع الوطني” 23 مقعداً، و18 آخرين لتكتل “الجزائر الخضراء”، فيما حازت مرشحات “حزب العمل” على نصف مقاعده في البرلمان الجديد.
واحتجاجاً على ما اعتبره تزويراً أكيداً للانتخابات، أعلن تكتل “الجزائر الخضراء” في بيان “تأكد لدينا ان هناك تلاعباً كبيراً في النتائج الحقيقية المعلنة على مستوى الولايات وتزايداً غير منطقي للنتائج لصالح أحزاب الإدارة”، مضيفاً أن “تغيير حقيقة الاستحقاق الانتخابي بما يخالف روح الإصلاحات السياسية سيقضي على ما بقي من الأمل والثقة لدى الشعب الجزائري، ويعرض البلاد إلى مخاطر لا نتحمل مسؤوليتها”. ومن جانبه، اتهم رئيس “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية”، محسن بلعباس، الذي قاطع الانتخابات، السلطة بالتلاعب بنسبة المشاركة التي لم تتجاوز برأيه نسبة 18 بالمئة.
من جهة ثانية، حيّت “جبهة القوى الاشتراكية”، أقدم حزب معارض في البلاد، “المواطنين والناخبين الذي عبّروا عن رأيهم بشكل سياسي وسلمي ولم يستجيبوا للنداءات المعادية للتعبير الشعبي والسلمي”، مضيفةً “نتفهم عزوف الناخبين السلمي الذي سببه سنوات التزوير والشمولية التي تحتقر الحريات وحقوق المواطنين”.
ترحيب دولي
فرنسا كانت أول المرحبين بالانتخابات، واعتبرت أنها “جرت بشكل عام بهدوء من دون وقوع أي حادث مهم”. وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو في بيان “نشيد بإتمام عمليات الانتخابات التشريعية في الجزائر بهدوء ومن دون وقوع أي حادث مهم”، كما رحبت الخارجية الأميركية بالانتخابات مثنية على حصة النساء الواسعة في المجلس التشريعي. وقال مراقبون من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية إن الانتخابات البرلمانية التي جرت الخميس قبل الماضي في الجزائر خطوة على الطريق الصحيح، مشيرين في الوقت نفسه إلى تسجيل بعض السلبيات.
وأشار رئيس بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي خوسيه أغناسيو سالافرانكا إلى تسجيل العديد من النقاط الإيجابية، مضيفا أن الانتخابات البرلمانية مثلت خطوة أولى على طريق الإصلاح وقد تؤدي إلى تعميق الديمقراطية وحقوق الإنسان، على حد تعبيره. واستعرض سالافرانكا بعض المظاهر السلبية التي شابت عمليات الاقتراع، مشددا على أنها لا ترقى إلى التشكيك في مصداقية الانتخابات التي قال إنها جرت بصورة سلمية.
ونوهت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى أنها تفضل إضافة إجراءات أخرى فيما يتعلق بالشفافية، لافتة إلى أنها ستقدم تقريرا مفصلا للسلطات الجزائرية في الأشهر المقبلة يتضمن التوصيات التي من شأنها تحسين بعض جوانب المسار الانتخابي في المواعيد الانتخابية المقبلة.
الإسلاميون يشككون
ولم تكن هذه التعليقات والمواقف الصادرة عن بعثات المراقبين الأوروبية والأفريقية والعربية متناغمة مع تصريحات لأحزاب جزائرية انتقدت العملية الانتخابية وشككت في مصداقيتها. فقد سارع الإسلاميون إلى اتهام السلطة بإدارة عملية تزوير كبيرة، قالت الحكومة إن العملية تمت وفق المعايير الدولية. كما أكدت لجان المراقبة الدولية التي واكبت عمليات التصويت والفرز أن الانتخابات جرت في أجواء عادية مسجلة بعض التجاوزات المحدودة.
ومن ناحيته، هدد رئيس “حزب العدالة والتنمية” الاسلامي المتشدد عبد الله جاب الله باعتماد “الخيار التونسي” من اجل التغيير في الجزائر، بعد فشل الاسلاميين في الانتخابات التشريعية التي جرت الخميس وفاز بها الحزب الحاكم.
وقال عبد الله جاب الله في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية “السلطة اغلقت باب الامل في التغيير عن طريق الصندوق ولا يبقى للمؤمن بالتغيير الا الخيار التونسي”. ولم تستفق أحزاب المعارضة الجزائرية الإسلامية من صدمة نتائج الإنتخابات البرلمانية التي انفرد بها حزبا السلطة، “جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديمقراطي”، وخيّرت السلطة بين إلغائها أو مقاطعة البرلمان المقبل. وأجمعت جل الأحزاب الإسلامية وبخاصة الرئيسية منها على أن الجزائر لم تشهد انتخابات بل شهدت “مسرحية هزلية سيّئة الإخراج”.
بوتفليقة انتصر
ونتيجة للانتخابات، أصبح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الذي يحكم البلاد منذ 1999 في وضع مريح لمواصلة الإصلاحات السياسية بعيداً عن ضغط الإسلاميين في المحيط وفي الداخل الجزائري. وحسب المراقبون، فإن بوتفليقة سيعمل بشكل أساسي بعد الانتخابات التشريعية على مراجعة دستور البلاد. ويقضي بوتفليقة (75 سنة) الولاية الثالثة له على رأس الدولة الى غاية ربيع 2014، بعد تعديل دستوري جزئي في 2008 الغى تحديد عدد الولايات الرئاسية المتتالية، باثنتين.
ويستهدف بوتفليقة، من خلال الإصلاحات، ادراج شكل جديد من انتقال السلطة في حالة الانتقال السابق لأوانه (بسبب الوفاة أو الاستقالة أو العجز) وإرساء نظام رئاسي فعلي، وهو ما تسعى اليه جبهة التحرير الوطني التي فازت بالانتخابات.
ويستبعد المراقبون أن يترشح بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة في 2014، وهو سبق أن أشار الى ذلك في خطاب له في 8 ايار (مايو) في سطيف (شرق)، خلال تخليد ذكرى مجازر أيار 1945 التي ارتكبها الفرنسيون. وكان تحدث حينها عن تسليم المشعل من الجيل القديم الى جيل الشباب الذي يشكل الأغلبية في الجزائر.
يذكر أن الجزائر شهدت خلال الشهر الجاري خامس انتخابات برلمانية منذ الإنفتاح السياسي العام 1989، وكانت كل التوقعات تتجه إلى تحقيق المعارضة فوزا ساحقا فيها، إلا أن الذي حدث العكس تماما بحيث انفرد حزبا السلطة بأغلبية مقاعد البرلمان مما يسمح لهما بتشكيل الحكومة المقبلة وإجراء التعديلات الدستورية المرتقبة على مقاسها.
Leave a Reply