ليس لدينا كثير من المصادر المنشورة للوقوف على فكر عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري الحالي والطريقة التي يفكر من خلالها في السياسة والمفاهيم الرئيسية التي تتحكم في تفكيره وممارساته السياسية.
وذلك لأن في مصر لا تنشر معلومات كافية عن قادة الجيوش ولا طريقة تفكيرهم، لذا منحنا الأميركيون فرصة نادرة لفهم كيف يفكر السيسي حين نشروا لنا دراسة أعدها خلال فترة دراسته هناك في 2006 عن الديمقراطية في الشرق الأوسط بأهم كلية من كليات الجيش الأميركي.
الدراسة كانت محظورة النشر، ولكن يبدو أن بعض المنظمات المعنية بمكافحة السرية بأميركا استطاعت الحصول على نسخة منها، فهم لا يحبون أن تحتفظ حكومتهم بأسرار حتى لو كانت مرتبطة بالخارج، ونحن كل شيء لدينا سر حتى لو كان له علاقة بالداخل.
عموما الدراسة بعنوان «الديمقراطية في الشرق الأوسط» وكتبها السيسي في آذار (مارس) 2006 لكلية الحرب التابعة للجيش الأميركي بولاية بنسلفانيا الأميركية.
وهي تظهر بعض المفاهيم السياسية التي يفكر من خلالها، خاصة لو قارناها ببعض المؤتمرات الصحفية القليلة التي أجراها في مصر ومقابلة صحفية أجراها مع الواشنطن بوست في مطلع الشهر الحالي.
في البداية نحن أمام رجل متدين، وهذا ليس مستبعدا، فالمجتمع المصري أغلبه متدين، والتدين هو السمة الغالبة في مصر بتعريفات مختلفة، والأيدولوجيات العلمانية تراجعت كثيرا في مصر وحول العالم منذ السبعينيات.
السيسي يؤمن بدور للدين في السياسة على غرار النموذج الأميركي الذي لا يعادي الدين أو التدين، ويريد بناء ديمقراطية على أساس من العقيدة الإسلامية.
فهو يريد دورا للإسلام في الدستور، ويريد سلطات تطبق مبادئ الإسلام في عملها، ويريد دورا للعلماء وقادة التيار الديني في شرح العلاقة بين الديمقراطية والدين الإسلامي، ويريد أيضا مشاركة التيار الديني في السياسة.
وهنا يرى أكثر من باحث أميركي تناولوا دراسة السيسي بالتحليل أن تدينه قد يكون السبب الذي شجع الإخوان على التعاون معه في البداية، وقد يكون أيضا سبب انفتاحه على السلفيين، ويقولون أن من عرفوه خلال فترة دراسته بأميركا أشاروا إلى أنه متدين وأن أسرته متدينة.
ويكاد بعضهم يحذر من تدين السيسي، ويقول أنه يسعى لإنشاء دولة عسكرية متدينة!؟
– ثانيا: يطالب السيسي بما يسميه بالإسلام الوسطي، وهو مفهوم لا يشرحه السيسي بوضوح في دراسته صغيرة الحجم (حوالي 11 صفحة من الحجم الكبير)، ولكنه يقول أنه الجماعات «المتطرفة» تريد عودة «الخلافة» أما الجمعات «الوسطية» فهي تريد دول ديمقراطية مبنية على التعاليم الإسلامية.
وهنا يتحدث السيسي عن رغبته في انتشار الديمقراطية بالدول العربية، ورغبته أيضا في ظهور اتحاد بين الدول العربية أشبه بالاتحاد الأوربي، يعني هو يتحدث عن صورة أكثر «عصرانية» أو «حداثة» من الإسلام ويخشى من المطالبين بصور تقليدية للإسلام والوحدة الإسلامية.
– ثالثا: يخشى السيسي بوضوح من صعود جماعات مثل حماس بسبب امكانية تعرضها للعزلة الدولية بسبب عدم استعداد الغرب لها، ويقول أنه يجب إعطائها فرصة، ولكنه يعبر شكوك في إمكانية قبول المجتمع الدولي بها.
وهنا يتحدث السيسي عن ثلاثة سيناريوهات أمام التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط، حيث يقول:
«لو ظهرت ديمقراطيات (في الشرق الأوسط)، فكيف سيكون شكلها!؟ أتصور أن هناك ثلاثة بدائل:
الأول هو ديمقراطيات بتوجه متطرف، مثل حماس، يمكن أن تقود لأنهم ينظمون أنفسهم ويوفرون احتياجات المواطنين الذين يمثلون. والتحدي سيكون إذا كانوا سيتمكنون من المنافسة على الساحة الدولية بدون أن يقطعوا أنفسهم عن البيئة الدولية مما يؤدي في النهاية لعزل المواطنين الذين يمثلون.
الصيغة الثانية هي التقليد الوسطي كما في مصر ولبنان، حيث لا يوجد جاهزية لقبول أيدولوجيات متطرفة. وهنا نجد أن مشكلات الفساد داخل الحكومة غير معبر عنها بشكل كافي وليست مفهومة من الناس العادية. ولتجنب الانجذاب نحو الأيديولوجيات المتطرفة يجب على تلك النماذج أن توفر أسلوبا افضل للحياة لمواطنيها من خلال حكومات تمثيلية.
الصيغة الأخيرة والأقل احتمالا هي الديمقراطية الغربية. هي بديل سيمثل نموذجا للديمقراطية في الشرق الأوسط، ولكن تعقيدات الشرق الأوسط من الصعب أن تعكس الصورة الغربية (للديمقراطية)».
– رابعاً: يرى السيسي أن الديمقراطية يجب أن يتم تطبيقها بتدرج، فهو يرى أنها تحتاج نظام اقتصادي وتعليمي وإعلامي مساعد، فهو يرى أن الفقر قد يؤدي لشراء الأصوات من قبل الحكومة أو الأثرياء وتركيز السلطة، ويرى أن التنمية الاقتصادية وتحرير الاقتصاد سيصب في صالح عدم المركزية.
يرى أيضا ضرورة تحرير الإعلام، ويقول أن الإعلام في بلادنا «علماني» وأنه ينشر نظرة «ليبرالية» عن الحياة وأنها تتنافي مع الإسلام الوسطي وتعطي فرصة للتيارات «المتطرفة» لاستغلال وسائل إعلام مقابلة في نشر رؤى «متطرفة».
يرى السيسي أيضا أن نشر التعليم ضرورة لنشر الديمقراطية.
ويخشى السيسي من أن التحول الديمقراطي السريع قد يؤدي لانفلات عقد الدول العربية وتفتتها ومواجهتها لصراعات داخلية كثيرة، لأن الديمقراطية تفتح الباب لصراعات وخلافات كثيرة في بداية التحول الديمقراطية لم تعتاد عليها دول الشرق الأوسط.
كما يثير السيسي في دراسته مخاوف من عدم استعداد المؤسسات الأمنية للقبول بالتحول الديمقراطية وبسلطة الحكومات المنتخبة.
– خامساً: لا يبدي السيسي ثقة كبيرة في الدور الدولي، ويقول أن الغرب يدعم إسرائيل ودول ديكتاتورية بالشرق الأوسط، وأنه يفضل استخدام القوة لتحقيق أهدافه، فقد أنفق مليارات في غزو العراق كان الأولى توفيرها لدعم التنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط والتي كانت ستصب في مصلحة تحرير الاقتصاد ومن ثم السياسية، ويرى أيضا أن الغرب يشك في الثقافة الإسلامية ولا يرحب بصعود ديمقراطيات إسلامية وهو مشغول أساسا بمصالح إسرائيل.
أخيرا بقى لنا أن نشير إلى أمرين، أولهما أن الدراسة قديمة، وأنها قد لا تكفي لفهم كيف يفكر السيسي؟ ولا كيف تطور تفكيره منذ ذلك الحين؟ ولا كيف ينظر لدوره في السياسة المصرية حاليا وفي المستقبل؟
ثانيا، الدراسة توضح أن السيسي لديه أفكار معينة ولا نعرف إذا كان «الإخوان» درسوا هذه الأفكار جيدا قبل تعيينه في منصبه، ومن حللوها من الأميركيين يشيرون لشخص يمتلك رؤية سياسية من المهم فهمها حاليا لعلنا نتوقع تصرفاته أو توجه مصر السياسي في الفترة المقابلة.
والله أعلم.
Leave a Reply