صحناوي يستعيد “الطابق الثاني”.. وميقاتي يتخطى اختبار نيويورك
بيروت –
ظلت بكركي وسيدها قبلة المشهد السياسي اللبناني للأسبوع الثالث على التوالي، مع استكمال البطريرك بشارة الراعي لجولاته الرعوية وأخرها في الجنوب اللبناني، قبل ان ينتقل الى دار الفتوى ليطلق دعوة للحوار مختصرا الكثير من الحواجز في منهج جديد لم يألفه اللبنانيون من قاطن بكركي في السنوات الأخيرة.
ولم تقف مؤشرات التغيير في النهج البطريركي على شخص البطريرك، بل تعدته الى اجتماع المطارنة الذين دافعوا عن سياسته، بما يعبّر عن توجه استراتيجي للكنيسة المارونية في خضم التهديدات والمستجدات المحلية والاقليمية، وهذا ما عكسه دعوة البطاركة الى عقد قمة روحية على مستوى الشرق الأوسط، في حين لفت دفاعهم عن زيارة الراعي الى فرنسا والمواقف التي حملها مع وصفها بـ”الجريئة والشجاعة” في تغطية كاملة للمضمون الذي لم يرق للكثيرين في لبنان وخارجه.
وسرعان ما بدأت مواقف الراعي بجذب من يعنيهم الأمر، فاستقبل وفدا دينيا سوريا برئاسة مفتي دمشق الشيخ عدنان أفيوني يرافقه السفير السوري في لبنان، قبل ان تسري أنباء عن نية السيد حسن نصرالله زيارة الصرح البطريركي في القريب، وإن كانت الأسباب الأمنية المعروفة تجعل من هكذا زيارة امرا مستبعدا الا انها على الأرجح ستتم من خلال وفد رمزي من “حزب الله” بعد انتهاء البطريرك من جولة مطولة في الولايات المتحدة (ستقتصر على لقاءات شعبية)، على ان تتوج زيارة وفد الحزب صفحة جديدة من العلاقات مع الكنيسة المارونية؛ علما ان قرار الراعي اقتصار جولته على الجالية سببه الرئيسي الحملة الإعلامية التي قادها فريق “14 آذار” لتشويه صورته واللغط الذي دار حول امكانية لقائه الرئيس باراك اوباما.
وشكلت زيارة الراعي الى الجنوب محطة مفصلية ثانية على خطى مسيرته الوطنية الجامعة، بإطلاقه سلسلة مواقف من وحي الدعوة للحوار وضرورة الالتقاء وتثمين تضحيات اللبنانيين في مواجهة الأعداء تحت عنوان “شركة ومحبة” الذي يتخذ منه البطريرك شعارا لعهده.
وهكذا جاء استقبال الجنوبيين شعبيا وحاشدا وحارا؛ علما انها المرة الأولى في تاريخ لبنان التي يزور فيها بطريرك بكركي هذه المنطقة.
الراعي، الذي زار على مدى يومين صور وقانا وحاصبيا ومرجعيون والخيام والنبطية وبنت جبيل ودبل وعين إبل ورميش، لاقى احتضانا واضحا من قواعد “حزب الله” و”حركة أمل” التي اقام رئيسها ورئيس المجلس النيابي مأدبة غداء على شرف الزائر التاريخي في دارته في المصيلح.
وبعد عودته من الجنوب، شارك الراعي في القمة الروحية في دار الفتوى فكان نجمها من دون منازع، إذ سارع الى شرح مواقفه في فرنسا واوضح رؤيته الاستراتيجية للكثير من قضايا المنطقة، بما يؤكد ان نهجه الجديد نابع عن قناعة تامة على خلفية تحليل منطقي لقضايا الشرق الأوسط.
وعكست كلمات المفتي محمد رشيد قباني حماسة زعماء الطوائف بمواقف البطريرك حين قال “إنني فهمت البطريرك منذ اللحظة الأولى ولم أشكك لحظة بأبعاد كلامه”.
لبنان في نيويورك
في هذا الوقت، كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يقود محادثات لبنان في نيويورك بعد ان ترأس الرئيس ميشال سليمان الوفد اللبناني في الجمعية العامة للأمم المتحدة. والأبرز في حركة ميقاتي، الى جانب لقائه شخصيات عربية ودولية، تركيزه على المطلب الفلسطيني بالاعتراف بدولة فلسطينية والتشديد على حماية لبنان من أي تداعيات في سوريا (بغض النظر عن مجريات الامور هناك)، والتأكيد على تمويل المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. مع الإشارة الى ان الولايات المتحدة حاولت جاهدة، كما كان متوقعا، الضغط عبر وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون على ميقاتي من اجل انتزاع موقف يتناسب وسياستها الخارجية، تحديدا ازاء فلسطين وسوريا وايران، الا ان ميقاتي البارع في اللعب على الوسطية، استطاع بحنكة دبلوماسية تخطي هذه الضغوطات التي لامست حد التحذير من تحويلات مالية سورية عبر مصرف لبنان المركزي، ناهيك عن التطرق لتفاصيل لا تتناسب وظروف وطبيعة اللقاء من خلال اثارة موضوع اعفاء الايرانيين القادمين الى لبنان من الحصول على تأشيرات دخول؛ الأمر الذي رد عليه ميقاتي بأنه نتاج لقرارات حكومة سعد الدين الحريري.
وحاز موضوع التحويلات المصرفية من سوريا الى لبنان لاحقا باهتمام بالغ في الكواليس، حيث اجتمع وزير المال محمد الصفدي بمساعد وزير الخزانة الاميركية للشؤون المالية الدولية تشارلز كولينز، وانضم لاحقاً الى الاجتماع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي اجرى ايضاً مباحثات منفصلة في وزارة الخزانة مع وكيل وزير الخزانة لقضايا الإرهاب والاستخبارات المالية ديفيد كوهين.
كما عقد الصفدي لقاءات مع مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، ورئيس البنك الدولي روبرت زوليك، ووزير المال السعودي ابراهيم العساف.
الطابق الثاني مجددا
خرق وزير الاتصالات نقولا صحناوي كل الحواجز المعنوية والتهويلية التي تحيط بالطابق الثاني من مبنى الاتصالات في العدلية، ونجح في مشهد يكاد يشبه “غزو الأندلس”، بحسب ما توحي حملات اعلام “تيار المستقبل” وحلفائه، في استعادة هيبة الدولة وسلطتها على احد املاكها العامة!
وعلى الفور، اصدر “تيار المستقبل” برئاسة فؤاد السنيورة بيانا ندد فيه بـ”إقدام وزير الاتصالات نقولا صحناوي على اقتحام الطابق الثاني من مبنى الاتصالات في العدلية عن طريق الكسر والخلع”، معتبرا أن هذا الامر “يشكل فضيحة مدوية بحق الحكومة اللبنانية ومؤسسات الدولة في لبنان”. ووصف البيان خطوة الوزير بـ”التصرف الميليشياوي الذي يشرع الباب أمام سيادة شريعة الغاب بين اللبنانيين وبين المسؤولين أنفسهم”، من دون ان يشرح للبنانيين سبب الاعتراض على ما قام به الوزير الذي يملك قانونا حق الاطلاع على ما يشاء من ممتلكات تابعة لوزارته.
وبدا واضحا ان موقف “تيار المستقبل” يأتي في سياق واحد مع بدء العمل بالميزات التنافسية الجديدة لقطاع الانترنت في لبنان، والتي كان للوزير صحناوي ومن قبله سلفيه شربل نحاس وجبران باسيل الفضل في نقل البلد من مرحلة متخلفة الى مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال.
ماذا أبلغ البطريرك الراعي جعجع ؟
قالت صحيفة “الديار” اللبنانية أن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أبلغ رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع ان مواقفه الأخيرة انطلقت من توجيهات فاتيكانية مبنية على قراءة أجرتها دولة الفاتيكان للمتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية، وخرجت من خلالها باستنتاج مفاده ان هذه المتغيرات ستؤول الى تقسيم جديد للمنطقة لن يكون فيه للمسيحيين دولة، بخلاف اتفاقية سايكس – بيكو التي كانت أمّنت لهم مثل هذه الدولة، ولذلك لا يمكن للمسيحيين ان يقفوا مكتوفين إزاء ما يجري في سوريا والمنطقة، وان عليهم أن يرفعوا الصوت لكي يحافظوا على وجودهم الى جانب بقيّة الأقليات، لأن رياح المتغيرات الجارية قد تأتي على حسابهم، وهذا ما عليهم ان يتداركوه بعدم الانسياق وراءها.
Leave a Reply