بيروت، طرابلس – دخلت مدينة طرابلس مطلع الأسبوع الماضي موجة جديدة من الإشتباكات بين المجموعات المسلحة المتشددة والجيش اللبناني يخشى كثيرون أنها لن تنتهي عمّا قريب طالما أنّ أيّ حلّ جذري لم يحصل بعد في عاصمة الشمال التي تتجه لمواجهات مفتوحة بين الجيش الذي تسلم أمن المدينة لستة أشهر والميليشيات المتطرفة التي تسعى الى اقتحام منطقة جبل محسن المحاصرة، حيث يتركز أبناء الطائفة العلوية في المدينة، بعد اتهامها، بشكل تحريضي، بالمسؤولية عن التفجيرين اللذين استهدفا مسجدين في طرابلس، استناداً الى تحقيقات فرع المعلومات الذي بات يعتبره الكثيرون «جهازاً عميلاً» ويتهمونه بالمسؤولية عن إنفلات الأمن في طرابلس وعرسال واستخدام المنطقتين في خدمة «جهاد القاعدة» ضد سوريا.
وأمام انكشاف البلاد أمنياً، تعرض «حزب الله»، الثلاثاء الماضي، لضربة «إسرائيلية»، باغتيال أحد قيادييه حسان اللقيس الذي شيع بمدينة بعلبك، بعد يوم من مقتله على أيدي مسلحين ملثمين كانا يحملان رشاشين كاتمين للصوت في منطقة الحدث شرق بيروت. وأفادت قناة «المنار» التابعة لـ«حزب الله» أن اللقيس تعرض لإطلاق نار من أسلحة كاتمة للصوت بعيد ركنه سيارته في الطبقة السفلية من المبنى الذي يقطنه، مرجحة أن يكون المنفذون قد تسللوا إلى المكان عبر سور خلفي، وغادروا بالطريقة نفسها.
ورغم أن أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله كان قد وجه في لقاء تلفزيوني اتهامات للسعودية بتفجير السفارة الإيرانية، إلا أن الحزب اتهم إسرائيل بالوقوف وراء إغتيال اللقيس الذي وصفه بـ«الأخ القائد الشهيد الذي أمضى شبابه وقضى كل عمره في هذه المقاومة الشريفة منذ أيامها الأولى وحتى ساعات عمره الاخيرة، مجاهداً، مضحياً ومبدعاً وقائداً وعاشقاً للشهادة وكان أباً لشهيد ارتفع مع كوكبة الشهداء في حرب تموز 2006».
وأضافت: «أن الاتهام المباشر يتّجه إلى العدو الإسرائيلي حكماً، والذي حاول أن ينال من الشهيد مرات عديدة وفي أكثر من منطقة، وفشلت محاولاته تلك إلى أن وقعت عملية الاغتيال الغادرة، ليل الثلاثاء الماضي، وعلى هذا العدو أن يتحمل كامل المسؤولية وجميع تبعات هذه الجريمة النكراء، وهذا الإستهداف المتكرر لقادة المقاومة وكوادرها الأعزاء».
ورأى رئيس مجلس النواب نبيه بري في لقاء الاربعاء النيابي، أن أسلوب الاغتيال هو أسلوب اسرائيل، مؤكداً على ضرورة اليقظة في هذه المرحلة «لأن العدو يتربص بنا جميعا».
من جهتها، وكعادتها، نفت إسرائيل ضلوعها بالحادث وقال المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية يغال بالمور «لا علاقة لإسرائيل بهذا الحادث، معتبراً أن «حزب الله» أطلق اتهامات تلقائية مبنية على رد فعل فطري. فالحزب لا يحتاج إلى أدلّة ولا إلى وقائع بل يكتفي بتحميل إسرائيل مسؤولية أي شيء. وقد قالت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، ان اللقيس نجا من عمليات اغتيال إسرائيلية سابقة.
ويرى المراقبون أن إسرائيل تحاول إبعاد التهمة عنها وإلصاقها بـ«أعداء آخرين» لـ«حزب الله»، في إشارة الى السعودية والمجموعات المتطرفة التي تدعمها.
وكان نصر الله قد اتهم بشكل مباشر المخابرات السعودية بالوقوف وراء التفجير الذي استهدف السفارة الإيرانية الشهر الماضي. وقال نصر الله في مقابلة مع الإعلامي جان عزيز عبر تلفزيون «أو تي في»، «نصدق تبني كتائب عبدالله عزام لتفجير السفارة الايرانية وقناعتي هي أنها تحت إدارة المخابرات السعودية»، وتابع أن «المخابرات السعودية تقوم بتشغيل بعض فروع «القاعدة» وأنا أعتقد أن عدداً كبيراً من التفجيرات في العراق تحصل تحت إدارة المخابرات السعودية».
وحول أحداث طرابلس ولبنان عموماً، نفى نصر الله أن يكون ما يجري في لبنان بسبب تدخل «حزب الله» في سوريا، بل بسبب «مشروع كبير في المنطقة»، مشيرا الى انه قبل تدخل الحزب في الحرب السورية كانت تحصل جولات من القتال في طرابلس، وتابع «لو لم نتدخل في سوريا لكان هناك 30 أو 300 سيارة مفخخة بدل ثلاث سيارات.
وأكد نصر الله أن الدولة اللبنانية تركت الحدود مفتوحة وأغلب السلاح الذي دخل الى المسلحين في سوريا كان يدخل من البقاع والشمال.
وتساءل نصر الله «إذا سقطت سوريا بيد الجماعات المسلحة ما هو مستقبل لبنان»؟، مشيراً الى أن السيارات التي انفجرت بلبنان جاءت من يبرود والنبك في منطقة القلمون عبر عرسال، ولو سيطر المسلحون على المناطق الحدودية مع لبنان لكنا عرضة لعشرات السيارات المفخخة.
وبالنسبة لحجم التدخل المباشر لحزب الله في سوريا، لفت نصر الله الى أن هناك الكثير من المبالغات في لبنان حول هذا الموضوع، مؤكدا أن محافظات درعا والسويداء والقنيطرة ودير الزور وشمال حلب وشمال ادلب ليس فيها أي مقاتل من حزب الله.. وقال «تواجدنا بسوريا ينحصر في دمشق وحمص في المناطق المجاورة للبنان».
وأكد نصر الله ان إسقاط النظام عسكريا انتهى والعالم يريد الذهاب إلى حل سياسي ولا تزال هناك عقدة السعودية فهي ما زالت مصرة على القتال حتى آخر قطرة دم ولا تتحمل اي حل سياسي، ورأى انه حتى يحين موعد «جنيف -2» هناك دفع إنتحاري سيكون مصيره الفشل كما فشل في غوطة دمشق.
وأشار نصر الله الى ان هناك جهات إقليمية ودولية كانت تدفع خلال السنوات الماضية باتجاه خيار الحرب. وكشف نصر الله ان ايران منذ سنوات تسعى لفتح الابواب مع السعودية وللتحاور ولكن كل المحاولات لفتح الابواب فشلت. ورأى نصر الله ان مشكلة السعودية هي أنها تعاطت منذ البداية (١٩٧٩) مع إيران على أنها عدو والسعودية لا تمتلك جرأة الذهاب إلى حرب لكنها تخوض بالمال حروبا بالواسطة.
هذا وقد رد رئيس الجمهورية ميشال سليمان على كلام السيد نصر الله بخصوص السعودية. وقال «لا يجوز ان نفسد في العلاقات التاريخية مع دولة عزيزة كالسعودية عن طريق توجيه التهم إليها والتدخل في أزمات دول أخرى كسوريا لمناصرة فريق ضد آخر»، مشيرا الى ان كل هذا يجري وعدونا يحقق أهدافه واحداً تلو الاخر واليوم حقق هدفا اخر، وان هذه المشتركات تتعلق بتحديد وجهة السلاح والدفاع عن الارض وطاقات الشباب ومعاني الاستشهاد. كما أسفت الأمانة العامة لقوى «14 آذار»، «لـتسرّع» نصرالله في رمي الاتهامات في ما يتعلق بتفجير السفارة الإيرانية في بيروت.
طرابلس
في الجولة الـ١٨ من الإشتباكات نال الجيش اللبناني سلطة أمنية مطلقة في طرابلس، بعد اجتماع عقد في بعبدا. وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أعلن، الاثنين الماضي، إثر اجتماع مع رئيس الجمهورية وقائد الجيش العماد جان قهوجي، تكليف الجيش اللبناني اتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ عمليات حفظ الأمن في طرابلس لمدة ستة أشهر، ووضع القوى العسكرية والقوى السيارة «قوى الأمن الداخلي» بإمرته، بالإضافة إلى تنفيذ الاستنابات القضائية التي صدرت والتي ستصدر.
وجاء هذا الإجراء في أعقاب اشتباكات متواصلة منذ السبت بين باب التبانة المتعاطفة مع المعارضة السورية، وجبل محسن المؤيدة للرئيس بشار الأسد، أسفرت عن سقوط 11 قتيلا، في واحدة من سلسلة جولات عنف شهدتها المدينة منذ اندلاع النزاع السوري قبل 33 شهراً.
لكن طرابلس شهدت شبه «انتفاضة» مسلحة على الجيش احتجاجاً على حملات الدهم التي ينفذها في باب التبانة وتوقيف مطلوبين. وقد بدت الهجمات المسلحة التي تعرضت لها مواقع الجيش، بالتزامن مع قطع الطرقات في عدد من المناطق الشمالية، محاولة لرسم خط أحمر أمام المؤسسة العسكرية بأنه ممنوع تجريد طرابلس من السلاح.
وقامت مجموعة من شبابية خرجت في الأسواق الداخلية والزاهرية والتبانة والبداوي في مسيرات، مساء الخميس الماضي احتجاجاً على الإجراءات التي ينفذها الجيش في طرابلس. وتصدى الجيش لبعض هذه الاحتجاجات بالقنابل المسيلة للدموع وبإطلاق النار في الهواء، وخاصة أمام ثكنة القبة لجهة المستشفى الحكومي، حيث اشتبك أفراد الجيش مع عدد من المتظاهرين، ما أسفر عن إصابة أربعة متظاهرين واحتراق أحد المنازل.
في غضون ذلك، طالب الداعية الشهال بالتهدئة وتفويت الفرصة على من يريد استخدام الجيش ضد أهل السنّة، ودعا الى اعتصام بعد صلاة الجمعة (مع صدور هذا لعدد) في الجامع المنصوري الكبير.
وكان الجيش قد أوقف الثلاثاء الماضي 21 شخصا متورطين في عمليات إطلاق نار في طرابلس. وأفادت قيادة الجيش في بيان أنه بنتيجة التدابير الأمنية التي اتخذتها وحدات الجيش في مدينة طرابلس، تم توقيف 21 شخصاً في منطقتي باب التبانة لارتكابهم جرائم مختلفة منها المشاركة في إطلاق النار، وقد أحالت مديرية المخابرات ثمانية منهم إلى النيابة العامة العسكرية. وأضاف أن التحقيق يتواصل مع الموقوفين الآخرين، وأن وحداته تتابع تنفيذ إجراءاتها الأمنية في المدينة لفرض الأمن وإعادة الوضع إلى طبيعته.
من جهته، دعا رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، إلى العمل على إعلان طرابلس مدينة منزوعة السلاح، وإنهاء كل الحالات الشاذة التي تعاني منها، وذلك في بيان لمكتبه الإعلامي. وشدد على أن المدينة «ليست صندوق بريد للصراعات غير المحسوبة أو ساحة للتصفيات السياسية والتطلعات الإقليمية، وهي لن تكون تحت أي ظرف من الظروف وكراً من أوكار النظام السوري وأوليائه في لبنان»، حسب تعبيره.
Leave a Reply