غزة – دخلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها الثالث دون أن يفلح جيش الاحتلال في تحقيق أي من أهدافه المعلنة، باستثناء استمراره في تدمير مدن وبلدات القطاع وارتكاب المجازر بحق المدنيين، حيث تجاوز عدد الشهداء –بحلول 7 كانون الأول (ديسمبر) الجاري– 17 ألفاً، فيما وصل عدد الجرحى إلى نحو 47 ألفاً، بينما تستمر المقاومة الفلسطينية في إلحاق خسائر فادحة بالقوات الغازية الباحثة عن انتصار يحفظ ماء وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد نكسة «طوفان الأقصى».
الوضع الميداني
في خطوة وُصفت بأنها «هروب إلى الأمام»، توسع الغزو البري بعد انتهاء هدنة تبادل الأسرى المدنيين، ليدخل مرحلة الغزو الشامل الذي لم يستثن أي محور في قطاع غزة، إذ فتحت القوات الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي، أربعة محاور قتال جديدة في وقت واحد وسط مقاومة فلسطينية عنيفة على كل المحاور: الأول في شمال القطاع، ويستهدف مخيم جباليا؛ والثاني في حي الشجاعية شرق مدينة غزة؛ والثالث في دير البلح وسط القطاع؛ فيما الرابع، وهو الأكثر اتساعاً وشراسة، في جنوب القطاع، من جهة مناطق شرق محافظة خان يونس وغربها.
وبحسب المراقبين، يتعمق الفشل الإسرائيلي مع كل متر إضافي تغوص فيه دباباته في شوارع غزة، حتى عندما تحتمل المواجهات تدمير المقاومة للعشرات منها كل يوم، وسط تخبط دولة الاحتلال الإعلامي في البحث عن انتصار ميداني.
وفي حين أعلن الكيان تمكّن قواته من محاصرة مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة، أظهرت صور الأقمار الصناعية كذب ادّعائه، حيث تُبين الصور أن قواته اضطرت إلى تغيير مسارها عدة مرات بسبب تصدّي المقاومين لها، ووقوعها في كمائن عديدة. كما شهد مخيم جباليا اشتباكات عنيفة بين المقاومين وقوات العدو، في ظل محاولة العدو إحكام سيطرته على المخيم، الواقع شمال غرب مدينة غزة. كذلك، تستمرّ المقاومة في التصدّي لقوات الاحتلال ودباباته في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة.
وقال المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي إن الأخير «يوسّع العملية البرية، ونستهدف حماس في كامل قطاع غزة»، مضيفاً: «نقاتل في مناطق مأهولة، وهذا يؤكّد التصميم على تحقيق الأهداف في كل الأماكن». وفي حين أشار المتحدث إلى أن «المعارك توقع إصابات، ومهمّتنا الانتصار في كل الأماكن»، أشار في الوقت عينه، إلى أنه «لا معلومات أكيدة لدينا عن قتل قادة من حماس في خان يونس»، التي أصبحت هدف العمليات جنوبي القطاع.
وفي السياق، قال وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، إن جيشه «لن يترك حيّ الشجاعية في غزة، إلا بعد تدمير كل أصول حركة «حماس» هناك»، مضيفاً خلال تقييم عملياتي على حدود القطاع أن «جنود لواء غولاني عادوا إلى الشجاعية لإحكام الطوق هذه المرة، ولن يغادروا إلا بعد تدمير كل البنى التحتية التابعة لحماس هناك». وادّعى غالانت، بعد تلقّيه إيجازات عن المعارك الدائرة في جباليا والشجاعية، أن «العملية الجارية ستقود إلى انهيار مدينة غزة بالكامل والمنطقة الشمالية من القطاع»، مردفاً أن «الجيش بدأ عمليات في جنوب القطاع، وسيكون مصير الإرهابيين هناك مشابهاً وأكثر قسوة مما كان عليه مصير أولئك الذين كانوا في الشمال». كما قال وزير الحرب، في مقابلة مع «شبكة أي بي سي» الأميركية إنه يتوقع أن «تستمرّ الحرب في شدتها الحالية شهرين آخرين على الأقل»، متابعاً أن «أهداف إسرائيل منها هي قتل زعيم حماس في غزة ومهندس 7 أكتوبر يحيى السنوار، وكسر التسلسل القيادي لحماس، والتأكد من أن الحركة لم تعد تعمل كمنظمة عسكرية يمكنها شن هجمات ضد إسرائيل».
ووسط اتهامها بالتكتم على حقيقة خسائرها العسكرية، اعترفت إسرائيل رسمياً بمقتل 92 عسكرياً بينهم العديد من الضباط منذ التوغل البري بغزة في أواخر أكتوبر الماضي. ووفقاً لأرقام إسرائيلية فإن عملية طوفان الأقصى، يوم 7 أكتوبر، أسفرت عن مقتل 1,200 إسرائيلي بينهم أكثر من 400 من الضباط والجنود.
في المقابل، نقلت صحيفة «الأخبار» اللبنانية، عن مصادر ميدانية في غزة، لم تتجاوز خسائر المقاومة العسكرية 10 بالمئة.
وفي مؤشر على مدى اتساع الخسائر التي تحاول إسرائيل التكتم عليها، أعلن الناطق باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، تمكّن «مجاهدو القسّام، خلال أربعة أيام (من الإثنين حتى الخميس)، من تدمير 135 آلية عسكرية كلياً أو جزئياً، في كلّ محاور القتال في قطاع غزة». كذلك، أوقع المقاومون، «عشرات الجنود الصهاينة بين قتيل وجريح إثر تفجير عدد من فتحات الأنفاق والمنازل بجنود العدو، بعد تفخيخها». كما تم «استهداف القوات الصهيونية المتوغّلة في أماكن التمركز والتموضع بالقذائف المضادة للتحصينات، والقذائف والعبوات المضادة للأفراد، والاشتباك معها من مسافة صفر». كما «دكّوا التحشدات العسكرية بقذائف الهاون والصواريخ القصيرة المدى، ووجّهوا رشقات صاروخية مكثّفة نحو أهداف متنوّعة وبمديّات مختلفة إلى داخل الكيان الصهيوني».
وفي الإطار، تشهد مدن وبلدات ومخيمات الضفة الغربية اقتحامات يومية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وسط تواصل حملات الاعتقال غير المسبوقة، رغم تحذيرات من تفجر الأوضاع بالضفة في ظل استمرار التنكيل بالفلسطينيين بالتزامن مع استمرار الحرب على قطاع غزة. وتركزت حملة الاحتلال على عدد من القرى والبلدات وأحياء من مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية حيث شن حملة دهم واعتقال وهدم منازل ومحال تجارية.
وأشار نادي الأسير الفلسطيني إلى أن حصيلة الاعتقالات ارتفعت إلى أكثر من 3,670 منذ عملية «طوفان الأقصى» وبدء الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة قبل 62 يوماً. ومن جانبها، قالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، الخميس الماضي، إن إسرائيل اعتقلت إدارياً نحو 700 فلسطيني في غزة منذ بداية الحرب.
غطاء أميركي
دولياً، تواصل الولايات المتحدة دعمها وتغطيتها للحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة. وفي حين تسعى واشنطن على الظهور بمظهر الحريص على أرواح المدنيين ووقف الحرب في أقرب وقت، وذلك عبر الترويج لما وصف بأنه «مهلة أميركية» لإسرائيل لإنهاء الحرب، مع بداية العام المقبل، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول في «البيت الأبيض»، قوله: «لم نعطِ موعداً نهائياً محدّداً لإسرائيل لإنهاء عملياتها العسكرية في قطاع غزة»، وإنه «إذا توقّفت الحرب اليوم، فستستمرّ حماس في تهديد إسرائيل، ولهذا لا نطلب من إسرائيل التوقّف»، في حين أفاد بيان من «البيت الأبيض» بأن «المحادثات متواصلة، لكنّنا لسنا قريبين من الوصول إلى هدنة إنسانية جديدة».
وفي إطار الغطاء الأميركي للحرب الإسرائيلية الوحشية، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، إن حكومته لا ترى أي دليل على أن إسرائيل تعمدت قتل المدنيين الفلسطينيين في غزة، رغم الأدلة الواضحة التي يشهدها العالم عن كثب وتوثقها المنظمات الدولية المعنية بتوثيق العمليات الإسرائيلية واتهمتها بارتكابها «جرائم حرب».
وفي مؤتمره الصحفي بمبنى وزارة الخارجية، قال ميلر: «لم نر دليلاً على أنهم يقتلون المدنيين عمداً، على الرغم من أننا نعتقد أن عدداً كبيراً جداً من المدنيين قد قتلوا. ولكن مرة أخرى، يعود هذا إلى المشكلة الأساسية لهذا الوضع برمته، وهي أن حماس زرعت نفسها داخل المدنيين وداخل منازلهم ومساجد غزة ومدارسها وكنائسها».
إقليمياً، نجحت واشنطن حتى الآن في احتواء توسع الحرب، سواء عبر منع التصعيد مع لبنان واحتواء العمليات اليمنية في البحر الأحمر.
فعلى الجبهة اللبنانية، حافظ «حزب الله» على نفس وتيرة الضغط الميداني على الجبهة الشمالية للاحتلال الإسرائيلي إسناداً للمقاومة الفلسطينية في غزة، ونفّذ مقاوموه –خلال الأسبوع الماضي– عشرات العمليات ضد مواقع وثكنات جيش الاحتلال وتجمعات جنوده على الحدود مع فلسطين المحتلة، ولكن دون الإقدام على أي تحرك تصعيدي. أما في البحر الأحمر فقامت القوات الأميركية بالتصدي لعدة هجمات بالصواريخ والمسيرات شنها «أنصار الله».
يأتي ذلك بينما يزداد مأزق نتنياهو في الداخل الإسرائيلي، حيث اتهمه زعيم المعارضة يائير لبيد، رئيس الحكومة، بالمسؤولية عما وصفها بالكارثة التي حلت بإسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مطالباً إياه بالتنحي عن منصبه وتشكيل حكومة جديدة من داخل الكنيست.
وفي مؤشر على عدم الرضا عن مسار الحرب، قال لبيد عبر منصة «أكس» إن نتنياهو يواصل القيام بكل الأخطاء «ولا يمكنه البقاء في منصبه كرئيس للحكومة لدقيقة واحدة إضافية»، مشدداً على أن الشخص الذي «وقعت خلال ولايته أكبر كارثة عرفناها، يجب أن يخرج من حياتنا».
ويوم الاثنين الماضي، طالب رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي الأسبق يوفال ديسكن، نتنياهو بأن «يعود إلى بيته الآن».
وكتب ديسكن في مقال نشرته «القناة 12» الإسرائيلية «إن سلوك نتنياهو منذ 7 أكتوبر، يفسر جيداً لماذا يجب عليه العودة إلى بيته الآن»، مضيفاً «في أول أسبوعين، بدا نتنياهو بارداً ومهزوماً، ورجلا دمره عالمه، وليس عالمنا بالضرورة». وأشار ديسكن إلى أن لغة جسد نتنياهو أصبحت «باردة، ومؤخراً متغطرسة ومتعجرفة، وقبل كل شيء تتجنب الحقيقة».
وتظهر استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية الأخيرة، أن 27 بالمئة فقط من الإسرائيليين، يعتقدون أن نتنياهو ملائم لمنصب رئيس الوزراء.
وعلى وقع الخسائر العسكرية المتزايدة، عاد الخلاف الكامن بين نتنياهو ووزير دفاعه مجدداً إلى الواجهة، حين رفض غالانت عقد مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو في تل أبيب، السبت الماضي.
وقال نتنياهو إنه اقترح على غالانت إقامة مؤتمر صحفي مشترك، ولكنه «اختار ما اختار»، في إشارة إلى أنه عقد مؤتمراً صحفياً منفصلاً في تل أبيب. وأضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي أن لديه تفويضاً من الإسرائيليين بقيادتهم، وأنه لا يعمل وفقاً لاستطلاعات الرأي.
وكان يشير بذلك إلى استطلاعات الرأي المتواترة التي أظهرت تراجعاً كبيراً في شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي وأحزاب اليمين الحاكمة، وعلى رأسها الليكود، في مقابل صعود أحزاب المعارضة.
ووعد كل من نتنياهو وغالانت –في مؤتمريهما الصحفيين– بمواصلة الحرب على غزة حتى تقويض القوة العسكرية لحركة «حماس» وتحرير الأسرى المحتجزين في غزة.
Leave a Reply