بعد تنحّي بوتفليقة في الجزائر
الخرطوم
بعد أربعة أشهر من التظاهرات السلمية احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية المتردية، والتي قوبلت بالقمع والرصاص الحي، أعلنت القوات المسلحة السودانية. الخميس الماضي، الإطاحة بحكم الرئيس عمر البشير بعد ثلاثين عاماً من توليه السلطة عبر انقلاب عسكري عام 1989.
وقالت القوات المسلحة السودانية في بيان، تلاه وزير الدفاع عوض بن عوف، إنها «اقتلعت رأس النظام السابق وتحفظت عليه في مكان آمن»، معتبرة أن «الأزمات المتنوعة والاحتياجات المعيشية لم تنبه النظام الذي استمر بالوعود الكاذبة».
وأشاد البيان بـ«صبر أهل السودان»، ووصف صبرهم بأنه «كان فوق قدرة البشر»، معتذراً عن «سقوط عدد من الشهداء أثناء الاحتجاجات» ومنتقداً «عناد النظام» وإصراره خلال الأشهر الماضية على «المعالجات الأمنية» في مسألة الاحتجاجات الشعبية.
غير أنه ورغم تحقيق المطلب الشعبي بـ«اقتلاع» البشير (75 عاماً)، لا تبدو وتيرة الاحتجاجات الشعبية في السودان في طريقها إلى التهدئة، حيث عبّر آلاف المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع فور إعلان الانقلاب، عن رفضهم لاستمرار الحكم في يد العسكر، مطالبين الجيش بتسليم السلطة لمدنيين.
واحتج المتظاهرون على بيان القوات المسلحة، واختلطت مشاعر المحتجين، بين الاحتفال برحيل البشير والغضب على البيان العسكري، وهتف الكثيرون «تسقط تاني» بعد أن كانوا يرددون سابقا هتاف «تسقط بس» ضد البشير، كما هتفوا «ما بنبدل كوز بكوز»، في إشارة إلى رفضهم تسلم أحد رجال النظام للسلطة.
ورفضت قوى الحراك الشعبي في السودان بيان قائد الجيش، معتبرين ذلك «إعادة إنتاج للنظام ولا يعبر عن مطالب الشعب بتغيير النظام بالكامل».
كما أعلن «حزب الأمة القومي» السوداني بزعامة الصادق المهدي، رفض بيان وزير الدفاع «جملة وتفصيلاً»، مؤكدا أن مطالب المحتجين تتمثل في «تنحية كاملة للرئيس ونظامه ورموزه وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية انتقالية».
ويأتي سقوط البشير عقب تنحي الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إثر احتجاجات شعبية أيضاً على حكمه الذي دام عقدين (1999–2019).
واستقال بوتفليقة يوم الثلاثاء 2 أبريل 2019 قبل أسابيع قليلة من نهاية ولايته الرابعة في 28 أبريل بعد مظاهرات شعبية عرفت بـ«الحراك» خرجت خلال ستة أسابيع في كل جمعة رافضة لمقترح التمديد أو تأجيل الانتخابات.
وقدم بوتفليقة رسالة استقالته إلى رئيس المجلس الدستوري ليشرع هذا الأخير في إجراءات إعلان شغور منصب الرئيس ومن ثم التحضير لفترة انتقالية تنتهي بانتخاب رئيس جديد.
البيان العسكري
في المقابل، أعلنت القوات المسلحة السودانية حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، فيما أدى وزير الدفاع الذي قاد الانقلاب قسم اليمين رئيساً لقيادة البلاد في المرحلة الانتقالية تحت سلطة مجلس عسكري انتقالي لمدة عامين.
وأعلن البيان «حل مجلس الوزراء ومؤسسة الرئاسة على أن يكلف وكلاء وزاريين بتسيير العمل، وحل حكومات الولايات وتكليف الولاة ولجان الأمن بأداء مهامها، في حين يستمر عمل السلطة القضائية بشكل طبيعي، كما المحكمة الدستورية والنيابة العامة، بالإضافة لتعطيل العمل بدستور جمهورية السودان الانتقالي عام 2005».
كما أعلن البيان عن حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وحظر التجول من الـ10 مساءً حتى الصباح لمدة شهر، وإغلاق أجواء السودان والمعابر لـ24 ساعة، داعياً المواطنين لـ«تحمّل بعض الإجراءات الأمنية».
وشدد البيان على «تهيئة المناخ للانتقال السلمي للسلطة وبناء الأحزاب السياسي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في نهاية الفترة الانتقالية، ووضع دستور دائم للبلاد، بالإضافة لإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين فوراً».
ودعا حاملي السلاح والحركات المسلحة للانضمام لحضن الوطن والمساهمة في بنائه، مشدداً على «وقف اطلاق النار الشامل في كل السودان، والفرض الصارم للنظام العام \محاربة التفلت والجريمة بكل أنواعها».
وأكدت القوات المسلحة في بيانها، حرصها على العلاقات الدولية المتماسكة التي تراعي مصالح السودان العليا، والالتزام بكل المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات بكل مسمياتها المحلية والإقليمية والدولية، واستمرار عمل السفارات والبعثات والهيئات الدبلوماسية.
وعانى السودان فترات طويلة من العزلة منذ عام 1993 عندما أضافت الولايات المتحدة حكومة البشير إلى قائمتها للأنظمة الراعية للإرهاب لإيوائها متشددين إسلاميين. وفرضت واشنطن عقوبات على السودان بعد ذلك بأربعة أعوام، كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق البشير على خلفية اتهامه بارتكاب مجازر في إقليم دارفور عام 1994 قضى فيها نحو 300 ألف نسمة.
وانتهت حرب أهلية طويلة مع الانفصاليين الجنوبيين في عام 2005، وأصبح جنوب السودان دولة مستقلة في عام 2011.
ومنذ ديسمبر الماضي، تعصف بالسودان احتجاجات متواصلة تفجرت بسبب مساع حكومية لرفع أسعار الخبز وأزمة اقتصادية أفضت إلى نقص في الوقود والسيولة.
وتصاعدت الأزمة الأخيرة في مطلع هذا الأسبوع بعدما بدأ آلاف المحتجين الاعتصام أمام مجمع وزارة الدفاع حيث مقر إقامة البشير.
موقف الغرب
سارعت الولايات المتحدة وخمس دول أوروبية، الخميس الماضي، إلى عقد جلسة لمجلس الأمن الدولي لبحث الوضع في السودان عقب عزل البشير.
ونقلت «رويترز» عن دبلوماسيون قولهم إنهم يتوقعون أن عقد المجلس جلسة مغلقة الجمعة (مع صدور هذا العدد) لبحث الوضع في السودان تلبية للطلب الذي قدمته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وبولندا.
وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة تدعم الديمقراطية والسلام في السودان وتعتقد أنه ينبغي أن تكون الفترة الانتقالية المتاحة للشعب السوداني أقل من عامين.
وقال روبرت بالادينو المتحدث باسم الوزارة «ينبغي أن يقرر الشعب السوداني من يقوده في مستقبله». وأضاف «الشعب السوداني كان واضحاً في أنه يطالب بعملية انتقالية بقيادة مدنية. ينبغي السماح له بذلك في فترة أقل من عامين من الآن».
وبدوره، دعا وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت إلى «انتقال سريع إلى قيادة مدنية شاملة وممثلة للجميع». وأضاف في تغريدة على تويتر أن «مجلساً عسكرياً يحكم لمدة عامين ليس الحل».
أما المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية أنياس فون دير موهل، فقالت إن بلادها ستتعاون مع مصر في إطار رئاستها الاتحاد الإفريقي، لدعم الوصول إلى مرحلة انتقالية سلمية في السودان. وأضافت «الوضع حالياً في السودان غير مستقر ونحن مع شركائنا الدوليين والأوروبيين سنتواصل مع الدول الإفريقية وشركائنا في المنطقة».
ومن جانبها، طالبت المحكمة الجنائية الدولية، السلطات السودانية بتسليمها الرئيس المعزول بتهمة ارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
Leave a Reply