دمشق، عواصم – صحيح أن الاتفاق الروسي-الأميركي حول السلاح الكيميائي السوري، قد قرّب بين موسكو وواشنطن، ولكنه لم يبدد التباعدات حول الرؤية النهائية لكل منهما إزاء مستقبل سوريا، وتحديدا مستقبل الرئيس بشار الأسد في أية تسوية سياسية مقبلة، وأمام هذا الوضع شهد الميدان السوري تطورات مختلفة الاسبوع الماضي، أبرزها استمرار تشرذم المعارضة بين موافق ورافض للمشاركة في مؤتمر جنيف ٢» الذي قد يعقد أواخر الشهر المقبل.
فقد سحبت عشرات الفصائل المسلحة اعترافها بـ«الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» الذي وافق على المشاركة في «مؤتمر جنيف». كما قامت بعض الفصائل بالاتحاد فيما بينها في كل منطقة على حدة لتعلن عدم قبولها بتمثيل الائتلاف.
وفلسطينياً، لم يكن مفاجئاً اعلان حركة «حماس» بأنها ليست لها أية اتصالاتٍ رسميةٍ مع المعارضة السورية، مفاجئا خاصة بعد تصريحات خالد مشعل الاخيرة تجاه الملف السوري والتطورات الاقليمية والعربية التي حدثت في أسبوع عيد الاضحى المبارك، الذي أدى فيه الرئيس بشار الأسد صلاة العيد كالمعتاد رغم عشرات القذائف التي امطرت بها دمشق ليلة الأضحى وراح ضحيتها العشرات من المدنيين بين قتيل وجريح.
وبالتزامن مع الإعلان عن الإنتهاء من تفتيش ١١ موقعاً للأسلحة الكيميائية السورية، وسيل الإشادات الدولية بتجاوب دمشق مع القرار الأممي، واصل الجيش السوري عملياته العسكرية لاسيما في محيطي المدينتين الأكبر، دمشق وحلب، حيث تمكن من اعادة عدد من البلدات الى السيطرة الحكومية، في حين أعلنت السلطات مقتل اللواء جامع جامع خلال معارك في دير الزور.. أما على ضفة المعارضة فقد انفجرت سيارتان مفخختان في منطقتين يسيطر عليهما المسلحون سيطرة تامة أودتا بحياة العشرات، وفيما تبادلت كتائب «داعش» و«الحر» الاتهامات بخصوص المتفجرتين يستمر القتال الضاري بين الفصيلين في الشمال والشرق السوريين.
حماس لا تدعم المعارضة
كشف نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» الدكتور موسى أبو مرزوق أن رئيس المكتب خالد مشعل «رفع عن طريق الخطأ علم المعارضة السورية»، وأن «حماس» ليست لها أيّة اتصالاتٍ رسميةٍ مع المعارضة السورية.
أبو مرزوق وخلال مقابلة مع تلفزيون «الميادين» لم يستبعد الرغبة في اعادة فتح الخطوط مع دمشق، قائلاً «الحركة في مكتبها السياسي لم تلتق مع المعارضة السورية ولا مع أي جهة أخرى في هذه الأزمة إطلاقاً».
«جنيف 2»
دعا وزير الخارجية الأميركي جون كيري بعد لقائه المبعوث الأممي العربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي في لندن الاثنين الماضي إلى تحديد موعد المؤتمر في أقرب وقت والعمل بشكل عاجل على تنظيمه، مطالباً «المجلس الوطني السوري»، في تجاوب أميركي واضح مع دعوة موسكو لواشنطن بالضغط على المعارضة السورية للمشاركة في مؤتمر «جنيف ٢». وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعرب عن اعتقاده بظهور «بصيص أمل» في الجهود الرامية إلى تسوية الأزمة السورية. وقال لافروف في أعقاب مباحثاته مع نظيره البلجيكي ديديه رينديرس يوم الثلاثاء الماضي «نحن مرتاحون لظهور بصيص أمل في الأزمة السورية. وأشار إلى أن ذلك يتعلق خاصة بانضمام سوريا إلى معاهدة حظر السلاح الكيميائي».
في موسكو قال قدري جميل نائب رئيس الوزراء السوري بعد محادثات أجراها الخميس الماضي في وزارة الخارجية الروسية إن هناك توافق دولي بشأن عقد مؤتمر «جنيف-2» يوم 23 من الشهر القادم. وأضاف بصفته الأمين العام لحزب الإرادة الشعبية المعارض بسوريا وعضو قيادة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير: «أي موعد لمؤتمر جنيف-2 هو واقعي لأن الأمور وصلت إلى طريق مسدود بالنسبة للجميع، بمن فيهم القوى الدولية والقوى الإقليمية والقوى المحلية، لذلك كلما كان أبكر كلما كان أحسن». وتابع أن «موعد 23 تشرين الثاني (نوفمبر) كما يبدو بات متفقا عليه بين الأمم المتحدة والقوى الأساسية».
وبدوره، أكد رئيس «الإئتلاف الوطني السوري المعارض» أحمد الجربا موافقة «الائتلاف» على المشاركة في مؤتمر جنيف، قائلا إن «الائتلاف» أكد التزامه بالمشاركة على أساس تنفيذ اتفاق جنيف الأول الذي يعني أن هدف الحلّ هو نقل سوريا إلى نظام ديمقراطي. ودعا «الإئتلاف» الى «مغادرة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الأراضي السورية، وخلق بيئة مساعدة على بناء الثقة بإطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار عن المدن المنكوبة».
وكانت فصائل من المعارضة السورية قد أعلنت عن توحيد أكثر من 100 تنظيم عسكري ومدني تحت اسم «اتحاد أحرار سوريا». ومن أجل توحيد هذه القوى اجتمع ممثلو 106 تشكيلات معارضة عسكرية ومدنية في مقهى «أناتوليا» في مدينة الريحانية التركية القريبة من الحدود السورية، لتعلن عن تشكيل التكتل الأكبر، وتطلق عليه تسمية «اتحاد أحرار سوريا». ويقول المشاركون إنهم يعترفون بعلم الثورة، ويرون دستور عام 1950 مناسبا لسوريا الجديدة، ويقرّون بأنهم سيلتزمون بالقوانين والاتفاقيات الدولية بعد سقوط «النظام في الدولة السورية المحررة».
أما في حوران والمناطق الجنوبية في سوريا، فقد سحبت مجموعات مسلحة اعترافها بـ«الائتلاف» المعارض، متهمة إياه بالفشل. وبث ناشطون مقطعاً مصوراً يظهر «إعلان 70 تجمعاً عن تشكيل مجلس قيادة الثورة في المنطقة الجنوبية، وسحب الاعتراف من أي هيئة سياسية تدعي تمثيلهم، وفي مقدمتها الائتلاف وقيادته». وهذا هو البيان الثاني من نوعه، بعد إعلان «جبهة النصرة» وكتائب اسلامية أخرى رفضها «التعاطي مع الائتلاف وحكومته الانتقالية». وجاءت هذه الخطوة التي أعلنها ممثلو الفصائل الذين اجتمعوا في درعا الأربعاء الماضي، بعد قيام 13 مجموعة مقاتلة في شمال البلاد بخطوة مماثلة نهاية الشهر الماضي، ودعت فيها إلى تأليف تشكيل إسلامي يضم «جبهة النصرة» المرتبطة بتنظيم «القاعدة».كما انضم «الجيش الحر» رسميا إلى الفصائل المسلحة المعارضة التي سحبت اعترافها بـ«الائتلاف»، واتهمه بالانحراف عن مسار الثورة وتهميش القوى الفاعلة على الأرض.
وتزداد الأمور تعقيداً بالنسبة للمعارضة شمالاً، حيث أعلن الجيش التركي أنه قصف أهدافا تابعة لجماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في سوريا ردا على قذيفة «مورتر» سقطت بالقرب من موقع عسكري تركي عند الحدود مع سوريا. وقد ذكرت قناة «فوكس نيوز» الأميركية أن أنقرة تشعر بقلق متزايد من تنامي نفوذ المجموعات المتطرفة التي دعمتها في الحرب ضد النظام، إذ تخشى القيادة التركية من احتمال توسّع رقعة الأعمال الإرهابية إلى الأراضي التركية، حيث تم نشر نحو 300 جندي أميركي للدفاع عن الأجواء التركية من أيّ هجمات محتملة مصدرها سوريا.
ميدانياً، أحكم الجيش السوريّ سيطرتَه على مناطق جديدة في مختلف ريف دمشق، وسط تحضيرات عسكرية لاقتحام مدينة المعضمية وفتح معركة جبال القلمون المحاذية للبنان. وكانت القوات السورية استعادت قبل أسبوع السيطرة على بلدتي الحسينية والذيابية بعد معارك ضارية استمرت نحو أربعة أيام. وتقع البلدتان على مقربة من بلدة السيدة زينب. وأوضح المتحدث باسم «الجيش الحر» محمد أن «الخسارات المتتالية للكتائب هي نتيجة لنقص السلاح والذخيرة، بالإضافة إلى الحصار الخانق واقتحام المناطق بقوات مدربة بشكل كبير في مقابل أعداد من المقاتلين غير قادرين على مواجهة معركة بهذه السرعة والنيران الكثيفة». وأضاف إن «الجيش السوري يطبق الحصار عبر محاور عدّة من جهة حي الميدان وأطراف مخيم اليرموك، وكذلك طريق دمشق درعا وجبال المعضمية، وقد تضاعف الأمر مع السيطرة على الحسينية والذيابية».
وقد أعلنت السلطات «استشهاد اللواء جامع جامع أثناء تأديته لمهامه كرئيس لفرع المخابرات العسكرية وملاحقته للإرهابيين في دير الزور». وشغل اللواء جامع منصب مدير فرع الأمن والاستطلاع في بيروت خلال وجود الجيش السوري في لبنان.
Leave a Reply