دمشق – أنهى الجيش السوري والميليشيات المؤيدة له الجزء الأكبر من عملية استعادة السيطرة على مدينة القصير الإستراتيجية مطبقاً الحصار على ما تبقى من مسلحي المعارضة في الحي الشمالي من المدينة، فيما أكد الرئيس السوري بشار الأسد، في مقابلة مع قناة «المنار» التابعة لـ«حزب الله»، «ثقته بالانتصار على الحرب العالمية التي تستهدف بلاده»، مشددا على أن مشاركة «حزب الله» في معارك القصير هي دفاعاً عن المقاومة ومؤكدا قرار القيادة السوري في الرد الفوري على أي عدوان إسرائيلي.
الثقة السورية بالنصر على خلفية انقلاب الموازين الميدانية بشكل دراماتيكي لصالح النظام في محافظة حمص، وازاها تعثر مفاوضات التحضير لمؤتمر «جنيف ٢»، حيث اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخميس الماضي المعارضة السورية بنسف مؤتمر السلام الدولي، من خلال فرض شروط «غير واقعية وغير قابلة للتحقيق». وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي إنه «لدينا انطباع بأن الائتلاف الوطني السوري المعارض والجهات الاقليمية الراعية له، يقومون بكل ما في وسعهم لمنع بدء العملية السياسية والحصول بكل الوسائل على تدخل عسكري، بما في ذلك من خلال دعاية غير نزيهة لدى الرأي العام الغربي».
ووصف لافروف الشروط التي وضعتها المعارضة السورية للمشاركة في مؤتمر «جنيف 2» بأنها «غير قابلة للتحقيق» وفي طليعتها اشتراط رحيل الرئيس بشار الأسد.
وتابع وزير الخارجية الروسي قائلاً إن «الائتلاف ليس لديه برنامج بناء، وان اعضاءه يتقاسمون المناصب، في حين الشيء الوحيد الذي يجمعهم هو المطالبة برحيل الاسد»، لافتاً الى أن «الجميع بمن فيهم شركاؤنا الغربيون يدركون ان هذا الموقف غير واقعي»، وآملاً في الوقت عينه «أن تكون هناك قوى حكيمة بين الاوروبيين والاميركيين تنجح في تحجيم الذين يشجعون على هذه الطروحات العدوانية وغير المقبولة».
واعتبر لافروف أن «الائتلاف» ليس الممثل الوحيد للشعب السوري، مشيراً أن «هناك مجموعات معارضة اخرى لديها مواقف وطنية وليست عدوانية».
وتشترط المعارضة السورية رحيل الرئيس الاسد للمشاركة في مؤتمر دولي للسلام في سوريا، وفق مبادرة اطلقها لافروف مع نظيره الاميركي جون كيري في مطلع أيار (مايو) ويفترض ان تضم ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة. وأعلن الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الاربعاء ان هناك مسائل كثيرة متعلقة بالمؤتمر لا تزال عالقة مثل موعد انعقاد هذا الاجتماع.
معركة القصير
ميدانياً، واصل الجيش السوري التفافه على حصن المعارضة المسلحة الأخير في مدينة القصير، في الوقت الذي تعالت فيه نداءات الاستغاثة من قبل قيادات «الجيش الحر» و«الائتلاف الوطني» المعارض، وفشلت محاولات لإرسال الدعم لآلاف المسلحين المتمركزين في الحي الشمالي من المدينة.
وترافقت تطورات القصير مع مواجهات ميدانية أخرى في مناطق متفرقة من البلاد، إلا ان معركة ريف حمص بقيت عنوانها الأبرز، خصوصا ان القيادة السورية تعتبر ان الانتصار في القصير يمهد لحملات أخرى أبرزها في ريف حلب، حيث تجري معارك تكتيكية حتى اللحظة، بانتظار المواجهة الأكبر.
وقبل ساعات من إعلان الجيش السوري سيطرته على بلدتي عرجون والبراك وطريق عرجون في القصير، مكملا إطباق الحصار على المنطقة الشمالية من المدينة، بعد أن أعلن سيطرته على مطار الضبعة ومحيطه، أطلق «رئيس أركان الجيش الحر» اللواء سليم إدريس نداء استغاثة، عبر هيئة الإذاعة البريطانية، محذرا من إمكان موت ألف مسلح جريح في المدينة، متسائلا بلهجة انكليزية متوترة «لماذا لا تساعدوننا؟» مرددا خلال مخاطبته «الأصدقاء» في بريطانيا وأميركا وفرنسا «نحن نحتضر، تعالوا وساعدونا».
وأججت نتائج معركة القصير مخاوف المحور الغربي-التركي- العربي-الإسرائيلي الساعي لإسقاط النظام السوري، وهو ما دفع البعض الى محاولة استدراك الموقف في حلب ورفع معنويات المعارضة المسلحة بزيارة السناتور الأميركي جون ماكين لشمال سوريا ولقاء مسؤولي الجيش الحر داعياً الى تسليح واشنطن لجزء من المعارضة المسلحة غير المرتبطة بالجماعات الإرهابية، لكن دعوات ماكين اعتبرت غير واقعية بسبب سيطرة الجماعات التكفيرية على الجزء الأكبر من المعارضة المسلحة.
وبالتزامن قرر الإتحاد الأوروبي رفع الحظر عن تسليح المعارضة السورية وذلك تحت ضغوط فرنسية بريطانية للسماح بإرسال السلاح الى داخل سوريا سيما في حلب منعاً لتكرار سيناريو القصير «الكارثي».
من مقابلة الأسد مع قناة «المنار» |
الأسد: إذا أردنا أن نردّ على إسرائيل يجب أن يكون الردّ إستراتيجياً
وعلى مسار آخر من مسارات الأزمة السورية أكد الأسد في لقائه عبر شاشة «المنار» على إعادة فتح جبهة الجولان مشيراً الى وجود قرار حاسم بالرد على أي عدوان إسرائيلي، لكن الأبرز في ما قاله الأسد كان تلميحه إلى دخول عنصر قوة جديد في المعادلة، صواريخ الـ«إس 300»، يقضي على عنصر التفوق العسكري الوحيد لدى العدو الإسرائيلي المتمثل بسلاح الجو. «رسالة لن يجد المعنيون صعوبة في قراءتها: معادلة جديدة يفرضها الأسد، وإن كانت غايته منها ردع إسرائيل، إلا أن من نتائجها المباشرة ردع أي تدخل عسكري خارجي، وتوسيع هامش مناورته الداخلية. صحيح أنه تجنب تحديد طبيعة الرد الذي يخطط له، لكن بدا جلياً أنه سيكون في الجولان، أو على الأقل هذا ما بدا من إشاراته إلى ردود سابقة، المقصود بها المدرعة الإسرائيلية ومرصد جبل الشيخ» حسبما ذكرت صحيفة «الأخبار» اللبنانية.
وأكد الأسد «إننا أبلغنا كل الجهات التي اتصلت بنا العربية والأجنبية وأغلبها أجنبية، بأننا سنردّ في المرة القادمة. طبعاً حصل هناك أكثر من ردّ ومحاولات خرق إسرائيلية، وتمّ الرد عليها بشكل مباشر، لكن الردّ المؤقت ليس له قيمة، يعني يكون ردّا طابعه سياسي. نحن إذا أردنا أن نردّ على إسرائيل يجب أن يكون الردّ إستراتيجياً». واضاف «نحن أبلغنا الدول الأخرى بأننا سنردّ على الضربة بضربة. طبعاً من الصعب الآن تحديد أي نوع من الوسائل سنستخدم من الناحية العسكرية، هذا متروك للقيادة العسكرية. ولكن نحن نضع عدة احتمالات».
وأشار الأسد الى أن «هناك ضغطا شعبيا واضحا باتجاه فتح جبهة الجولان للمقاومة وهناك حماسة حتّى عربية»، واضاف «أتتنا وفود عربية تقول: أين يُسجّل الشباب؟ يريدون أن يأتوا ويقاتلوا إسرائيل»، لافتاً الى ان «عملية المقاومة ليست عملية بسيطة، هي ليست فقط فتح جبهة بالمعنى الجغرافي، بل هي قضية عقائدية سياسية اجتماعية، وبالمحصلة تكون قضية عسكرية».
وردا على سؤال حول صواريخ «أس-300» وهل وصلت الى سوريا، قال الأسد «نحن لا نعلن عن الموضوع العسكري عادة، ما الذي يأتينا، أو ما هو الموجود لدينا، ولكن بالنسبة لروسيا، العقود غير مرتبطة بالأزمة، نحن نتفاوض معهم على أنواع مختلفة من الأسلحة منذ سنوات، وروسيا ملتزمة مع سوريا بتنفيذ هذه العقود. وأريد أن أقول لا زيارة نتنياهو (إلى موسكو) ولا الأزمة نفسها ولا ظروفها أثّرت على توريد السلاح، فكل ما اتفقنا عليه مع روسيا سيتمّ، وتمّ جزء منه في الفترة الماضية، ونحن والروس مستمرون بتنفيذ هذه العقود».
ومن المعلوم أن سوريا تسعى منذ سنوات للحصول على هذه المنظومة لإحداث توازن مع التفوق الجوي الإسرائيلي، فيما تبذل تل أبيب جهودا دبلوماسية على غير جبهة للحؤول دون ذلك. وفي عام 2010 أبرمت كل من دمشق وموسكو عدة عقود تسليحية بقيمة مليارات الدولارات، كان بينها عقد لبيع أربع بطاريات من منظومة «أس 300» مع عدد إجمالي من المنصات هو ستة إضافة إلى 144 صاروخاً اعتراضياً. إلا أن العقد الذي تبلغ قيمته نحو 900 مليون دولار تم تعليق تنفيذه على أثر طلب إسرائيلي، بالرغم من تسديد دمشق للجزء الأكبر من الثمن المتوجب عليها. ووفقا لمصادر إسرائيلية، فإن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان تعهد أثناء زيارته لإسرئيل في حزيران (يونيو) 2012 لنتنياهو، بتجميد الصفقة. وعلى ما يبدو، فإن بوتين بقي ملتزما بتعهده حتى ما قبل أسابيع، وتحديداً حتى موعد الهجومين الإسرائيليين الأخيرين على دمشق في الثالث والخامس من الجاري، حيث ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» حينها أن تل أبيب نقلت معلومات إلى الإدارة الأميركية تفيد بأن الروس بصدد تنفيذ صفقة الـ«أس 300» مع سوريا خلال الأشهر الثلاثة القادمة.
خوف وإرباك فـي إسرائيل
وخلقت صواريخ «إس 300»، التي أعلنت أوساط رسمية روسية أنها ستسلم إلى سوريا، إرباكاً كبيراً في إسرائيل سيما بعد زيارة نتنياهو الخاطفة الى موسكو التي التقى خلالها زعيم الكرملين دون سماع أي تطمينات حول إتمام صفقة البيع، فيما تواردت أنباء عن أن البطاريات قد وصلت بالفعل إلى سوريا. وفي إطار تبادل التهديدات حملت كل الصحف الإسرائيلية تقارير عن لقاء بين مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال يعقوب عاميدرور وديبلوماسيين أوروبيين أكد فيه أن الدولة العبرية لن تسمح بتفعيل هذه المنظومات على الأرض السورية.
غير أن أوساط عسكرية إسرائيلية قالت إنها تفحص التقارير عن وصول هذه الصواريخ، لكنها شبه متيقنة من أن هذه المنظومات لم تصل لا جزئياً ولا كلياً إلى سوريا.
وشددت مصادر إسرائيلية أخرى على أن وصول الصواريخ يغيّر بشكل جوهري ميزان القوى في الشرق الأوسط. ونقلت صحيفة «الغارديان» البريطانية عن مصدر إسرائيلي قوله إن إسرائيل تفحص صحة أقوال الأسد حول الصواريخ، وتعترف أنها «أثارت بلبلة» في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وأقرّ مصدر إسرائيلي آخر في حديث مع «نيويورك تايمز» باحتمال أن يكون قسم من الصواريخ قد وصل إلى سوريا، ولكن ليست هناك أية إشارات إلى تحوّل قسم منها إلى قوة عملياتية.
وفي لقاء جمع عاميدور مع سفراء الاتحاد الأوروبي نقلت «هآرتس» عن ديبلوماسيين أوروبيين قولهم إن عاميدرور شدد على أن إسرائيل ستعمل «لمنع صواريخ أس 300 من التحول إلى قوة عملياتية». وأوضحت الصحيفة أنه من الجائز أن عاميدرور أراد شرح عبارة وزير الدفاع موشي يعلون التي قال فيها إن «إسرائيل ستعرف ما ستفعله» إذا وصلت هذه الصواريخ إلى سوريا. عموماً شدد عاميدرور في لقائه مع الديبلوماسيين الأوروبيين على أن إسرائيل «غير معنية بالتدخل أو التأثير في الوضع داخل سوريا». وأضاف «إننا نعمل فقط عندما يتطلب الأمر ومن أجل الحفاظ على أمننا، وأيضاً لمنع نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله في المستقبل». وبحسب أحد الحاضرين فإن عاميدرور أجمل كلامه، قائلاً إن المسألة الاستراتيجية في نظر إسرائيل هي إضعاف «حزب الله» وإيران، وإن سياسة إسرائيل تتقرر وفقاً لهذه الرؤية.
وكان نتنياهو، الذي طلب من وزرائه عدم الحديث عن الصواريخ، قد اعتبر «تزويد سوريا بها تحدياً أمنياً مهماً لإسرائيل، ونحن لا يسعنا الوقوف جانباً». وقد أبلغ نتنياهو وزراء الخارجية الأوروبيين، الذين التقاهم مؤخراً، خطورة صواريخ «أس 300» على إسرائيل بقوله إن تسليمها لسوريا يجعل «كل المجال الجوي الإسرائيلي منطقة حظر طيران».
«أس ٣٠٠» و«ياخونوت»
ولا يمكن فهم حالة التوتر التي تنتاب إسرائيل جراء الحديث المتزايد عن حصول سوريا على منظومة «أس 300» إلا في ضوء حقيقتين اثنتين: الأولى أن التفوق الجوي يشكل بالنسبة لإسرائيل حجر الزاوية في تفوقها العسكري؛ والثانية أن المنظومة المذكورة تعتبر إحدى منظومات الدفاع الجوي الأكثر فاعلية في العالم، وهي تالياً تشكل تهديداً جدياً للتفوق الإسرائيلي، ما يجعلها أحد أسوأ كوابيس الكيان العبري.
ويشار إلى أن المخاوف الإسرائيلية من التسلح السوري الإستراتيجي لا يتعلق فقط بمنظومة «أس 300»، وإن كان الحديث عنها يتصدر واجهة المواقف والتعليقات. فإلى جانب المنظومة المذكورة، تنظر إسرائيل بقلق إلى تزود دمشق بصواريخ «ياخونت» المضادة للسفن التي تعتبر نسخة «بحرية» من «أس 300» لجهة الدقة والمدى والفاعلية. ووفقا لتقارير إسرائيلية، فإن سوريا سبق أن تسلمت عدة بطاريات من هذا السلاح الذي يهدد سلاح البحرية الإسرائيلي ليس فقط في مقابل السواحل السورية أو في عرض البحر، بل حتى في مقابل السواحل الإسرائيلية، فضلا عن أنه يهدد بشكل مباشر منشآت التنقيب عن الغاز والنفط مقابل هذه السواحل. وأشارت بعض التقارير الإسرائيلية إلى أن في حوزة سوريا اليوم نحو 72 صاروخ «ياخونت» المسمى بصائد السفن. وكانت صحيفة «يديعوت» أشارت إلى أن الروس، وخلافا لتعهداتهم قبل عامين، سيبيعون سوريا رادارات متطورة لهذه المنظومة تحسن دقة إصابتها. ولفتت الصحيفة إلى أن تل أبيب لم تنجح عام 2011 بالحؤول دون إبرام صفقة بيع الـ«ياخونت» لسوريا، إلا أنها تمكنت من التوصل إلى اتفاق مع الروس يقضي بعدم تسليم دمشق منظومات رادارية تتيح إصابة دقيقة للصاروخ على مسافات بعيدة.
وأوضحت الصحيفة أن صواريخ «ياخونت» التي تمتلك منظومة مزدوجة للإطباق على الهدف هي الأحدث، وإذا ما استفادت الأخيرة من مداها الأقصى فإن من شأن ذلك أن يهدد نشاط سلاح البحرية الإسرائيلي ليس فقط مقابل السواحل السورية واللبنانية بل وأيضا مقابل سواحل حيفا وعكا. والآن، بعد أن قرر بوتين تسليم سوريا منظومات الكشف والتعقب الحديثة، فإن ذلك سيتيح استخدام الصواريخ ضمن مدى 200 إلى 250 كلم.
Leave a Reply