«جنيف ٢» بات حقيقة دولية، رغم كثرة الحديث خلال الأسبوع الماضي عن إمكانية تأجيل المؤتمر الدولي مع إخفاق «الائتلاف الوطني السوري» المعارض في التوصل إلى قرار بالمشاركة في المؤتمر، وعجز المعارضة الخارجية عن تقديم وفد ذي مصداقية إلى طاولة جنيف كما يأمل الوسيط الأخضر الإبراهيمي من قرار التأجيل. إلا أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي قام بجولات مكوكية في المنطقة شملت السعودية، آخر المعارضين للحل السلمي للأزمة السورية، كشف أنه سيتم تحديد موعد للمؤتمر في الأيام القليلة القادمة.. فيما يواصل الجيش السوري عملياته العسكرية الموسعة في أكثر من منطقة ملتهبة في البلاد سيما في ريف العاصمة وشمال البلاد قريباً من الحدود التركية.
مقاتل من المعارضة السورية خلال اشتباكات في محيط قاعدة وادي الضيف العسكرية بمحافظة إدلب.(رويترز) |
وفيما تلوح في الأفق بوادر لتغيير المواقف وقرب الحل السياسي، أعلنت تركيا المنغمسة حتى النخاع بتصدير المقاتلين الأجانب الى سوريا، عن ضبط شاحنة من الأسلحة والذخائر قرب الحدود في محاولة من حكومة أنقرة للتنصل من مسؤولياتها، حيث نفى أردوغان أن بلاده توفر مأوى أو دعماً للجماعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة» في سوريا.
في غضون ذلك واصل الجيش العربي السوري تقدمه على كافة المحاور ليعلن السيطرة الكاملة على منطقة السبينة الكبرى جنوبي دمشق وقبلها منطقة السفيرة شمالاً ليبدأ زحفا كاملا باتجاه حلب من الجهات كافة، إضافة الى السيطرة على منطقة جبل الأربعين الإستراتيجية المطلة على إدلب وريفها.
وقد أعلن كيري أن ما يحدث في سوريا له إنعكاساته السلبية على المنطقة، مؤكداً أن مؤتمر «جنيف 2» هو الحل الوحيد للنزاع السوري. كما أكد كيري في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأردني ناصر جودة في عمان التزام بلاده بالتوصل إلى «حل نهائي للأزمة السورية.. وقد حققنا تقدما في هذا الموضوع». واعتبر أنه من المهم «التحرك إلى الإمام بسرية، معلنا أنه سيتم تحديد موعد عقد «جنيف 2» في الأيام القادمة. وأشار إلى أنه سيقدم خلال الأسابيع القادمة «جدولاً زمنياً أو ما شابه حول هذه المسألة».
وبدوره عبر الإبراهيمي عن مأزق استيلاد «جنيف ٢» سيما وأن «المعارضة السورية تواجه أوقاتا صعبة، وهي تحاول التغلب عليها، وهناك خلافات داخلية بين أطرافها، وعليهم أن يتجهزوا، وهم غير جاهزين حتى الآن». وشدد على أن «المؤتمر يجب أن يعقد من دون شروط مسبقة».
عبّرت المداخلة التي قدمها الديبلوماسي الفلسطيني الأسبق ناصر القدوة، بوصفه مساعد الموفد الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، عن وجود قرار دولي حاسم بالذهاب إلى «جنيف 2» وقال القدوة إن إجتماع جنيف التحضيري سيحسم جدول أعمال «جنيف 2» والدول التي ستشارك، فضلاً عن هوية الوفد المعارض، بعد أن حسم النظام السوري أمر مشاركته ومن سيمثله.
وإذا كان الموفد الدولي الأخضر الإبراهيمي قد غاب عن اجتماع القاهرة، إلاّ أنّ محصلة جولته الأخيرة، عبّرت عنها مداخلات المشاركين وكذلك مداخلة مساعده ناصر القدوة. وبدا واضحاً أن جون كيري الذي زار القاهرة، صباح الأحد، وإنتقل منها إلى الرياض، نجح في الضغط على السعوديين من أجل خفض سقفهم السياسي، ولو أن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قد غاب عن الإجتماع بالإضافة إلى وزيري خارجية البحرين ودولة الإمارات، حيث تمثّلوا إمّا من خلال مندوبيهم في الجامعة العربية أو على مستوى وزراء الدولة.
وكان لافتا للإنتباه في مجريات إجتماع القاهرة من ألفه إلى يائه، حرص الأمين العام نبيل العربي وممثلي السعودية على مسايرة رئيس «الائتلاف» المعارض أحمد الجربا، بدءاً من دعوته ووفده الذي ضم ميشال كيلو وبرهان غليون وهيثم المالح، إلى الجلوس في المنصة الأساسية إلى جانب الأمين العام ورئيس الدورة، مروراً بإعطائه أول كلمة على مستوى الوفود، وصولا إلى مطالبة السعوديين بدعوة الجربا إلى الاجتماع عند صياغة البيان الختامي للأخذ بملاحظاته، وهي النقطة التي رفضها عدد كبير من الوزراء المشاركين، وأحدثت هرجاً ومرجاً انتهى بالطلب من المندوب السعودي أن يخرج من القاعة ويطلع الجربا وزملاءه (الائتلاف) على البيان، وكانت النتيجة الموافقة بعد دقائق قليلة على البيان من دون تعديل حرف أو فاصلة أو نقطة فيه.
لافروف: مطالب «الائتلاف» غريبة
بدوره، أبدى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إستغرابه من مطلب «الإئتلاف الوطني السوري» إستبعاد إيران من حضور مؤتمر «جنيف 2» الخاص بسوريا. وتابع: «أن رئيس الائتلاف أحمد الجربا سبق وأن قدّم مطالب أخرى كشروط لموافقة الائتلاف على حضور المؤتمر، ومنها تحديد موعد لرحيل الرئيس السوري بشار الأسد وتكثيف عمليات تسليح المعارضة. وأكد لافروف في مؤتمر صحافي أن هذه المطالب غريبة لانها تخالف بيان جنيف الذي صدر عن مؤتمر السلام الأول الذي عقد في جنيف بشهر حزيران (يونيو) من العام الماضي. وإعتبر لافروف أنّ الائتلاف معرّض للتهميش وهناك جهات أخرى لها تأثير حقيقي على الوضع في سوريا، وأن النفوذ ينتقل الى أطراف أخرى من معارضي الأسد. وقال: «إن الائتلاف الوطني الذي لم يكن يتمتع بالدعم حتى لدى تأسيسه، بات معرّضا للتهميش بشكل متزايد، أما النفوذ الحقيقي في معسكر خصوم الأسد، فينتقل الى أشخاص آخرين».
ودعا وزير الخارجية الروسي إلى أنّ يكون هناك حضور لجميع الأطراف الخارجية في مؤتمر «جنيف 2»، مشدداً على أهمية دعوة كافة الأطراف الخارجية القادرة على التأثير في سوريا. وأوضح: «جميع من لهم تأثير على الوضع، يجب أن تتم دعوتهم الى المؤتمر، وذلك يشمل جميع جيران سوريا، وجميع دول الخليج، وليس الدول العربية فحسب، بل وإيران والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وتركيا».
من جانبه، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن إستعداد بلاده للمساهمة في خروج متفق عليه لجميع المقاتلين الأجانب من سوريا. وقال ظريف لقناة «فرانس 24»، يوم الثلاثاء الماضي، إن إيران جاهزة لدعوة جميع القوى الأجنبية للإنسحاب من سوريا، ونحن مستعدون لأن يسعى كل من يملك التأثير إلى سحب جميع غير السوريين من سوريا. وجاء هذا التصريح رداً على سؤال حول ما اذا كانت إيران مستعدة لإستخدام نفوذها على «حزب الله» اللبناني ليخرج كتائبه من سوريا التي تقاتل إلى جانب النظام، هذا عدا عن المستشارين والمتطوعين العسكريين من ايران هناك. وفي نفس الوقت، ألمح الوزير الايراني بشكل واضح الى ان الايرانيين واللبنانيين سيخرجون من سوريا فقط في حال فعل ذلك ايضا المسلحون الاسلاميون الذين يقاتلون الى جانب المعارضة السورية بدعم من السعودية وقطر.
الوضع الميداني
ميدانياً، باتت الغوطة الغربية في ريف دمشق تحت سيطرة القوات السورية، بعد استرداد بلدات السبينة الصغرى والكبرى وغزال، التي تفصل الغوطة الغربية عن القسم الشرقي. وتقع السبينة على الطريق السريع الذي يربط دمشق بالحدود الأردنية، وهي متاخمة لمنطقة الحجر الأسود بالضواحي الجنوبية للعاصمة.
وتأتي المعركة الأخيرة في الريف الدمشقي بعد سلسلة من النجاحات الميدانية التي عمدت القوات السورية خلالها إلى اعتماد طريقة «القضم التدريجي»، بداية من الحسينية والذيابية ثم الحجيرة فالبويضة وأخيرا السبينة، لتصبح بلدات يلدا وببيلا ومخيم اليرموك تحت مرمى النيران المباشرة تمهيداً للتقدم نحوها والسيطرة عليها.
وشمالا بدأ الجيش السوري بتطهير مناطق ظلت لشهور بقبضة المسلحين، ما دفع عبد الجبار العكيدي قائد ما يعرف بالمجلس العسكري الثوري في محافظة حلب استقالته من منصبه، وذلك بسبب ما أسماه تخاذل المجتمع الدولي وتشرذم قوى المعارضة السورية، وذلك بعد يومين من سيطرة الجيش السوري على السفيرة كبرى مدن وبلدات ريف حلب الجنوبي.
وقد نقلت صحيفة «الوطن» السورية معلومات تفيد بأن الجيش السوري فتح جميع جبهات القتال من ريف حلب الجنوبي إلى الشرقي فالشمالي وصولاً إلى المدينة، وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش أحرز خلال هذه العمليات تقدماً لافتاً ومعلناً أن زمام المبادرة بيده وحده فقط لتطهير محافظة حلب كاملة من المسلحين الذين تسابقت كتائبهم وأوليتهم لمبايعة جبهة النصرة التابعة لتنظيم «القاعدة» ومعاهدتها على الطاعة لحمايتهم.
Leave a Reply