دمشق – على وقع اجتياح «داعش» للمدن العراقية، لم يشهد الميدان السوري أية تغييرات تذكر خلال الأسبوع الماضي، فيما برز العفو العام الذي أصدره الرئيس بشار الأسد يوم التاسع من حزيران (يونيو) الماضي بعيد اعادة انتخابه بأيام والذي جاء مفتاحاً وعنواناً لمرحلة جديدة من المصالحات السورية-السورية، حيث أطلق سراح المئات من الموقوفين، وسرعان ماتم الاعلان عن بدء تحركات شعبية في هذا الاطار كان أبرزها المصالحة مع أهالي درعا والتي أعلن عنها الخميس الماضي وشارك فيها ممثلاً الحكومة السورية اللواء رستم غزالي رئيس شعبة الأمن السياسي في سوريا وهو ابن محافظة درعا.
في هذا الوقت، نفى محافظ حمص طلال البرازي حصول أي اتفاق مع المعارضة المسلّحة في حي الوعر أو قرى وبلدات ريف حمص الشرقي، مشيراً إلى أن الاتصالات قائمة بين الطرفين المعنيين، لكن من دون نتائج فعلية حتى الآن.
الرئيس الأسد مستقبلاً الفنان جورج وسوف يوم الخميس الماضي. |
وفيما تستمر جهود المصالحات لا يزال الجيش السوري يواصل عملياته العسكرية حيث أعلن عن الايقاع بالعديد من المسلحين في ريفي حماه وحمص ومناطق ادلب وأيضاً في مدينة حلب حيث صد هجوماً كبيراً كان يستهدف مبنى المخابرات الجوية الذي يعتبر مفتاح غرب المدينة.
ولأن تقدير الموقف واتخاذ القرار، إن كان بالنسبة لاتجاه الهجوم الرئيسي أو العمليات الفرعية، يبقى بيد مخططي المعارك وقادتها، إلا أنه من الممكن أن يعمد الجيش الى تحقيق نصرٍ معنوي باندفاعةٍ سريعةٍ ومفاجئة شمال- غرب حلب، لفكّ الحصار عن بلدتي نبل والزهراء كما حصل في عملية فك الحصار عن سجن حلب. وقد بات واضحاً أنّ الجيش يؤخر عملياته في ريف ادلب وريف حلب الشمالي والغربي، ويكتفي بإنهاك قوة الجماعات المسلحة في هذه المناطق عبر القصف اليومي بالطيران والمدفعية لأماكن تجمعات الجماعات وأرتالها وقياداتها.
كما أقدمت مجموعة من «جبهة النصرة» على إحداث خرق في منطقة القلمون في ريف دمشق عبر شنّ هجوم مباغت على مزارع رنكوس، لكنه سرعان ما باء بالفشل، بعد اشتباكات عنيفة مع الجيش السوري.
ورغم انتهاء معركة القلمون في ريف دمشق الشمالي في منتصف نيسان (أبريل) الماضي، لا يزال مئات المسلحين منتشرين في جيوب تمتد على مساحات واسعة من الجرود المحاذية لسلسلة جبال لبنان الشرقية. ويتّصل هؤلاء بالمجموعات المنتشرة في الجرود من الناحية اللبنانية وبمسلحي الزبداني في ريف دمشق الشمالي.
أما في المليحة بالغوطة الشرقية فقد دخلت المعارك هناك شهرها الثالث وسط تقدم للجيش نحو إطباق الحصار على البلدة الإستراتيجية، والذي يعني سقوطها بيد الجيش انجاز معظم معركة الغوطة.
تنتشر قوات الجيش السوري على ست جبهاتٍ رئيسيةٍ، هي:
1- الجبهة الشمالية (حلب – إدلب).
2- الجبهة الشرقية (الرقّة – الحسكة – دير الزور).
3- الجبهة الغربية (حماه – اللاذقية – طرطوس).
4- الجبهة الوسطى (محافظة حمص).
5- جبهة دمشق (ريف دمشق – القلمون).
6- الجبهة الجنوبية (درعا – السويداء – القنيطرة).
أما في شرق البلاد، فقد حصدت المعارك بين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) والمجموعات المسلحة في ريف دير الزور، أكثر من 600 قتيل، بينما تواصل التصعيد في المليحة بالغوطة الشرقية ودرعا.
وتحولت مناطق شمال وشرق سوريا إلى ميدان حرب مركبة شديدة التعقيد، لدرجة أن بعض الأطراف فيها لم يعد يميز بين الصديق والعدو، وبين الحليف والخصم.
وقالت مصادر ميدانية إن ريف دير الزور يشهد هدوءاً نسبياً بعد تقدم «داعش» مؤخراً، وسيطرته على قرية خشام بالريف الشمالي الشرقي، والضربات القاسية التي تلقاها مقاتلو «مجلس شورى مجاهدي الشرقية» المعروف بـ«مشمش». وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، في بيان، «أدت المعارك الدائرة منذ أربعين يوما في ريف دير الزور بين داعش من جهة ومقاتلي جبهة النصرة والكتائب الإسلامية من جهة ثانية إلى مقتل 634 شخصا على الأقل، غالبيتهم من الجهاديين، كما أرغمت أكثر من 130 ألف شخص على النزوح».
الأسد مرتاح
قال الرئيس السوري بشار الأسد في حديث لصحيفة «الأخبار» اللبنانية إن الولايات المتحدة والغرب بدأوا بإرسال إشارات تغيير في سياستهم حيال بلاده بعد أن شعروا بخطر الإرهاب في بلدانهم. وذكّر الأسد بأن ثمّة أميركيا فجّر نفسه على الأراضي السورية، وثمّة فرنسيا من أصل مغاربي قتل يهوداً في كنيس ببروكسل. وأكد الرئيس السوري أن مسؤولين أميركيين يحاولون إقامة اتصالات مع بلاده، إلا أنهم لا يجرؤون بسبب لوبيات تضغط عليهم، وشدد الأسد على أن الغرب لن يتمكن من تغيير موازين القوى في بلاده.
وقال: «لن يستطيع الغرب أن يفعل أكثر مما فعل لتغيير المعادلة. يحكون عن أسلحة فتّاكة وغير فتّاكة. الأسلحة كلها متوفرة عند المسلحين الإرهابيين منذ فترة طويلة بما فيها المضادات للطائرات». كما أعلن الأسد أن مؤتمر جنيف الدولي لتسوية الأزمة السورية انتهى بتغير الظروف وقال: «معارضة الخارج. لا شيء، لأنها ببساطة لم تعد «تمون» على شيء… ليست لها علاقة لا بالناس ولا بالأرض. بيعت لها أوهام من دول غربية وعربية فباعت الناس أوهاماً. جاءت الانتخابات لتعرّيها. ما بعد الانتخابات ليس كما قبلها. الناس قالوا رأيهم وعلينا احترامه». وعبّر الرئيس السوري عن ثقته في النصر، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب وقتا: «إننا أوقفنا المؤامرة على الصعيد الاستراتيجي، والدولة ستنتصر حتى ولو تطلب الأمر وقتاً للقضاء على كل الإرهابيين. لكن تحديد وقت لنهاية الحرب غير منطقي الآن. الأهم هو أن القيادة والجيش والشعب صاروا على يقين مطلق بأن النصر آتٍ. وحين تنتصر سوريا فإن العرب جميعاً والمقاومة يكونون قد أوقفوا أحد أخطر المشاريع على منطقتهم».
من ناحيته، كشف رئيس لجنة العلاقات الخارجية والأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، الاربعاء الماضي، أن المعارض السوري معاذ الخطيب جاهز للمفاوضات مع الدولة السورية والمشاركة في السلطة، واتهم واشنطن بدعم تنظيم «داعش».
واعتبر بروجردي، في مقابلة مع قناة «الميادين» أن «أميركا تدعم داعش». وقال إن الولايات المتحدة والسعودية تضعان المجموعات الإرهابية على لائحة الإرهاب، ومن ثم تدعمانها عسكرياً. واعتبر بروجردي أن «سوريا تجاوزت مرحلة الخطر، وهي تنطلق الآن نحو تثبيت الدولة والحياة السياسية»، كاشفاً «أننا سندخل في مفاوضات مع المعارضين السوريين الجديين لإنهاء الأزمة». واعتبر أن «السياسات الدولية تجاه سوريا ستتغير قريباً بعد إجراء الانتخابات، وأن وضع الحكومة السورية أفضل بكثير، فقد كنا لا نستطيع أن نذهب إلى حلب سابقاً لكن حالياً تمكنّا من ذلك».
ودعا تركيا إلى تغيير نظرتها إلى سوريا والعراق، معتبراً أن «قطر اليوم ليست مثل الأمس، ودورها كان فاعلاً في الأزمة السورية وتغيير موقفها يحتاج لمزيد من الوقت».
ومن ناحيتها كشفت مستشارة الأمن القومي الأميركية سوزان رايس، الأسبوع الماضي، أن واشنطن تقدم «دعماً فتاكاً وغير فتاك» إلى المعارضة السورية «المعتدلة»، وذلك بعد أن كانت الإدارة الأميركية تتمسّك بمقولتها أنها تقدم «معدات عسكرية غير فتاكة» إلى المقاتلين في سوريا.
وقالت رايس، في مقابلة مع شبكة «سي أن أن» غداة الإعلان عن إعادة انتخاب الأسد رئيساً لولاية ثالثة، إن «الولايات المتحدة كثفت دعمها إلى مجموعات منتقاة من المعارضة المعتدلة، مقدّمة لها مساعدة فتاكة (سلاح) وغير فتاكة، وبذلك يمكننا دعم المعارضة المدنية والمسلحة في الوقت ذاته». وأشارت إلى أن واشنطن تعمل مع دول جوار سوريا من أجل مساعدتها في قضية اللاجئين ومواجهة تزايد التهديد بأن تصبح سوريا مرتعاً للإرهابيين.
وكانت الولايات المتحدة تؤكد حتى الآن أنها تكتفي بتقديم دعم «غير فتاك» للمعارضة السورية خوفاً من وقوع الأسلحة بأيدي مجموعات «جهادية».
وحول ما إذا كانت رايس تعلن بذلك تغييراً رسمياً في الاستراتيجية الأميركية رفضت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي كاتلين هايدن الردّ. واكتفت بالقول «نحن لسنا الآن في موقع يتيح تفصيل كل مساعدتنا، ولكن وكما قلنا بشكل واضح، فإننا نقدم في الوقت ذاته مساعدة عسكرية وغير عسكرية إلى المعارضة» السورية.
تخوفات أوروبية من عودة «الجهاديين»
من جانب آخر، أعلنت دول الإتحاد الأوروبي والجامعة العربية، الخميس أنها ستتعاون في ما بينها لمواجهة الخطر الذي يمثله «الإرهابيون» الذين يعودون من مناطق القتال،
وتتخوف الدول الأوروبية من عودة «جهادييها» من سوريا ومناطق نزاع أخرى، لشن هجمات على الأراضي الأوروبية. ووصف وزير الخارجية البلجيكي ديدييه رايندر «عودة المقاتلين الأجانب بالتحدي الكبير. لقد اصبحوا أكثر خطرا على مجتمعاتهم. قد يشنون هجمات أرهابية داخل دولهم»، مشيراً الى أن حوالى الفي اوروبي انضموا للقتال في سوريا.
أفادت الهيئة الفدرالية لحماية الدستور (الاستخبارات الألمانية)، أنّ حوالى 320 شخصاً غادروا ألمانيا إلى سوريا منذ بداية النزاع المسلح هناك للقتال إلى جانب الجماعات المتشددة. وقال رئيس الهيئة هانس غيورغ مآسين إنّ نحو 100 منهم عادوا إلى ألمانيا، وهم تحت نظر الاستخبارات المحلية. وأضاف أن أكثر من 10 من العائدين تورطوا في عمليات قتالية بصورة مباشرة في سوريا.
الإبراهيمي يعترف: المسلحون هاجموا خان العسل بـ«الكيميائي»
من ناحية أخرى، حذّر المبعوث الأممي السابق إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي من «صومال ثانية» في سوريا ومن «انفجار كامل المنطقة» المحيطة بها إذا لم يتم التوصل إلى حلّ، محمّلا، للمرة الأولى، المعارضة المسلّحة مسؤولية شن هجوم بأسلحة كيميائية في حلب، مشيراً إلى أن إسرائيل أكبر المستفيدين من الحرب السورية، بعد إزالة ترسانة الأسلحة الكيميائية.
واعتبر الإبراهيمي، الذي استقال من مهمته في أيار (مايو) الماضي، أن الكثير من الدول أساء تقدير الأزمة السورية حيث توقعوا انهيار حكم الرئيس بشار الأسد مثلما حدث مع بعض الزعماء العرب الآخرين، وهو خطأ تسببوا في تفاقمه بدعم «جهود الحرب بدلا من جهود السلام». وأعرب الإبراهيمي عن اعتقاده بان المعارضة المسلحة استخدمت أسلحة كيميائية في أحد الهجمات في حلب في آذار العام 2013.
وقال «من القدر اليسير الذي أعرفه، يبدو أنه في خان العسل في الشمال حيث استخدمت الأسلحة الكيميائية للمرة الأولى، يوجد احتمال أن المعارضة استخدمتها».
Leave a Reply