دمشق – مع تعليق الجهود الدبلوماسية على الساحة الدولية وبانتظار اجتماع لمجلس الأمن من المرجح أن يعقد في ٣٠ آب (أغسطس)، تبقى الساحة السورية عرضة لصراع عسكري مفتوح بين الجيش والجماعات المسلحة يتركز في مدينة حلب وريفها، مع تمكن السلطات من توجيه ضربات موجعة للمعارضة المسلحة في سائر مناطق البلاد.
وبانتظار نتائج معركة حلب الحاسمة التي بدأ الجيش التمهيد لها عبر ضرب المجموعات المسلحة في منطقة صلاح الدين الاستراتيجية والتي تربط عدة مناطق حيوية في قلب العاصمة الاقتصادية للبلاد، تواصل الجهات المختصة عملية جمع المعلومات وتوجيه ضربات عسكرية محدودة وقطع خطوط الإمداد والتواصل بين المجموعات المسلحة التي تقدر أعدادها بعشرات الآلاف بعد تدفق مقاتلين عرب وأجانب الى حلب عبر الحدود التركية حسبما أوردت تقارير استخبارية وإعلامية غربية إضافة الى الكشف عن جثث قتلى غير سوريين لاسيما في محافظة حلب.
وقد أجبرت القوات النظامية السورية، الأسبوع الماضي، المسلحين على الانسحاب من حي صلاح الدين، في حين أشار مصدر امني في دمشق إلى أن المعركة المقبلة الكبيرة ستكون في حي السكري جنوب شرق المدينة.
وأكد المتحدث باسم «القيادة المشتركة للجيش الحر في الداخل» قاسم سعد الدين انسحاب المسلحين من حي صلاح الدين في حلب. وقال «صحيح حصل انسحاب للجيش السوري الحر من صلاح الدين»، مشيرا إلى أن «الانسحاب تكتيكي». وعزا سبب الانسحاب إلى «القصف العنيف والعشوائي ولأن التدمير كان كاملا».
وشدد على أن «الانسحاب يقتصر على صلاح الدين، لكننا باقون في مدينة حلب»، موضحا أن «الجيش الحر لديه خططا عسكرية للمدينة لا استطيع الكشف عنها».
وفي هذا السياق، قال مصدر أمني في دمشق، لوكالة «فرانس برس»، إن قوات النظام «تتقدم بسرعة من حي صلاح الدين باتجاه سيف الدولة»، مشيرا إلى أن «المعركة الكبيرة المقبلة ستكون في حي السكري. وأشار إلى أن الجيش النظامي «استخدم في معركة صلاح الدين 10 بالمئة فقط من التعزيزات التي حشدها في حلب».
وكانت مصادر أمنية في دمشق قالت إن حشود الجيش السوري في حلب بلغت نحو 20 ألفا، مقابل ما بين ستة إلى ثمانية آلاف مسلح في المدينة إضافة الى آلاف في ريفها.
دولياً، اختير الدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي لخلافة أنان كمبعوث للامم المتحدة والجامعة العربية الى سوريا. وقال الدبلوماسيون طالبين عدم ذكر اسمائهم لوكالة الصحافة الفرنسية ان تعيين الابراهيمي (78 عاما)، وزير الخارجية الجزائري الاسبق، سيعلن عنه رسميا مطلع الاسبوع المقبل، مشيرين الى ان المفاوضات حول اختياره ما زالت متواصلة.
واستفادت إيران من الفراغ السياسي حول الأزمة السورية، في وقت تحوّل فيه معظم اللاعبين الاقليميين والدوليين إلى التركيز على المواجهة الميدانية التي اتخذت منحى لصالح دمشق. وأعلن وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي تمسك بلاده بخطة المبعوث الدولي المستقيل كوفي أنان، فيما حذر من أن استمرار «التدخل الخارجي» في سوريا سيؤدي إلى انتشار التطرف في المنطقة. وأكد مؤازراً بمشاركة فاقت التوقعات في اجتماع طهران، أن دمشق وافقت على الاجتماع بالمعارضة في طهران، وعينت محاورا باسمها.
كما وجه مبعوث المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في ايران سعيد جليلي من دمشق رسالة واضحة لجميع اللاعبين في الأزمة السورية تؤكد أن طهران «لن تسمح بكسر ضلع» سوريا الأساسي في «محور المقاومة». أما الرئيس السوري بشار الأسد الذي استقبل جليلي أكد بدوره «التصميم على تطهير البلاد من الإرهابيين» ومنع استهداف سوريا وموقعها في هذا المحور.
وأكد رئيس أركان القيادة العامة للقوات المسلحة اللواء حسن فيروز آبادي أن «السعودية وقطر وتركيا تتحمل مسؤولية الدماء التي سفكت في سوريا». وأضاف «ليس من الصواب أن تساعد الدول المجاورة لسوريا على تحقيق الأهداف العدوانية لأميركا الشيطان الأكبر». وتابع «إذا وافقت هذه الدول على هذه القاعدة، فيجب أن تــدرك انه بعــد ســوريا سيأتي الــدور على تركيا وباقــي الدول».
وأشار فيروز آبادي إلى أن «أميركا تدفع كل يوم على أراضيها ثمن حربها العدوانية»، مضيفا «حذار من أن تقع تركيا والسعودية وقطر ضحية لنشر إرهاب القاعدة، وعلى هذا الأساس نوجه تحذيرا إلى أصدقائنا».
وفي هذا الوقت، عين الرئيس بشار الأسد وائل نادر الحلقي رئيسا للحكومة بعد إقالة رئيس الوزراء رياض حجاب الذي أعلن انشقاقه عن السلطة وفراره الى الأردن، ومن المتوقع أن ينتقل الى الدوحة.
في المقابل، انصبّ التركيز التركي على الورقة الكردية، حيث أكدت أنقرة أن النظام السوري يسلح حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، معتبرة أنها لا تمانع حكماً ذاتياً للأكراد في سوريا، إذا جاء بتوافق داخلي بين مختلف الأطراف، وذلك وسط أنباء عن منح دمشق مسؤولية الدفاع عن أربعة محافظات سورية للأكراد.
وفي اختتام اجتماع دولي تشاوري حول سوريا عقد في طهران، أعلن صالحي أنه «يمكن عقد اجتماع تشاوري ثان حول سوريا على هامش اجتماعات دول عدم الانحياز في حال توفر الظروف الملائمة». كما أشار إلى أن «إيران مستعدة لاستضافة اجتماع بين الحكومة السورية والمعارضة وقد وافقت الحكومة وعينت مبعوثاً لذلك». وأكد أن «سبب استمرار الأزمة في سوريا هو التدخل في شؤون هذا البلد من قبل بعض الدول».
وشارك في الاجتماع 28 دولة أهمها الصين، روسيا، الأردن، تونس، فنزويلا، ودول عربية وآسيوية ولاتينية أخرى، كما شارك في الاجتماع ممثل للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
أما واشنطن، فاستبعدت إقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا، مشيرة إلى قوة الدفاعات الجوية السورية، ونددت بدور ايران «السيئ» في سوريا، كما أعربت عن استعدادها للنظر في وجود بديل للأمم المتحدة بعد انتهاء تفويض بعثة المراقبين الدوليين في 19 آب الحالي. وصرحت المندوبة الأميركية لدى الامم المتحدة سوزان رايس لشبكة «أن بي سي» الأميركية رداً على سؤال عن اجتماع طهران «لا شك في أن إيران تؤدي دوراً سيئاً، ليس فقط في سوريا بل في المنطقة، لدعمها الكثيف لنظام الأسد». وأكدت رايس أن الوضع الميداني في سوريا «يتطور بوضوح لمصلحة المعارضة»، وتابعت قائلة إن «الانشقاقات تتوالى والضغط الاقتصادي يزداد والعزلة السياسية للأسد تتضاعف». وشددت على ان الولايات المتحدة ستواصل «دعم المعارضة السورية ومساعدتها سياسيا وماديا» عبر تزويدها وسائل اتصال او مساعدة انسانية. وقالت ايضا «سنواصل ممارسة الضغط على نظام الأسد حتى ينهار». وردا على سؤال عن إمكان إعلان منطقة حظر جوي في سوريا على غرار ما حصل في ليبيا، قالت رايس إن هذا الامر قد يؤدي الى تدخل عسكري بري لافتة الى إن نظام الدفاع الجوي السوري «يعتبر من الأكثر تطورا في العالم».
ميدانيات
تلقى النظام السوري الأسبوع الماضي ضربة معنوية موجعة بانشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب الذي تسلّم منصبه في حزيران (يونيو) الماضي. وفيما تبذل المعارضة جهدها الأمني والسياسي والإعلامي لتشجيع أكبر عدد من الانشقاقات في الدوائر العليا للحكم بعد السقوط الفعلي لكل مسارات التسوية الدبلوماسية، سارعت القوى الغربية إلى قراءة انشقاق حجاب كمؤشر على انهيار «قبضة» النظام.
في المقابل، أعلن «الجيش الحر» أن ثلاثة رهائن إيرانيين من أصل ٤٨ تم اختطافهم في سوريا قتلوا في قصف جوي للقوات الحكومية في دمشق، وهدد بقتل الرهائن المتبقين إذا لم يوقف الجيش هجومه.
وفي سياق استهداف الإعلام السوري، انفجرت عبوة ناسفة في مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري في دمشق ما أدى إلى وقوع 3 إصابات، بحسب التلفزيون الرسمي السوري. وأفاد التلفزيون أن «هجوماً بالمتفجرات» استهدف مكاتب الإدارة العامة في الطابق الثالث من المبنى الذي يقع في ساحة الأمويين في قلب العاصمة السورية. ولم يوقف التلفزيون السوري برامجه وواصل البث، وجاءت هذه الجريمة بعد استهداف عدد من الإعلاميين السوريين أبرزهم الصحفي المعروف محمد السعيد الذي تم اغتياله في إحدى ضواحي دمشق وتبنى العملية مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة».
حرب نفسية وإعلامية
وعلى مستوى الحرب الإعلامية التي تشن على دمشق، قال الكاتب البريطاني روبرت فيسك أنه لم تمر حرب اتسمت المواقف حولها بهذا الكم من الأكاذيب والنفاق والأخلاقيات الوضيعة كما يحدث في الأزمة السورية ففي الوقت الذي تزود قطر والسعودية الإرهابيين بالمال والسلاح فإن واشنطن لا تكلف نفسها عناء إصدار ولو كلمة واحدة توجه فيها انتقادا إلى حكومتي هاتين البلدين.
ولفت فيسك في مقال حمل عنوان «حرب الاكاذيب والنفاق بشأن الأزمة في سورية» نشرته مؤخرا صحيفة «الاندبندنت» إلى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون يزعمان بأنهما يريدان نشر الديمقراطية غير ان حليفتهما الاولى في المنطقة قطر تمثل حكما سلطويا فاضحا فيما حليفة واشنطن الاخرى السعودية تعتبر من بين اكثر الدكتاتوريات الملكية خبثا في العالم العربي وحكام البلدين يرثان بشكل متواصل الحكم من عائلتيهما. وأشار فيسك إلى أن السعودية هي أيضا حليف للمسلحين الوهابيين والسلفيين في سوريا تماما كما كانت داعما كبيرا لحركة طالبان في افغانستان خلال السنوات السابقة.
وبدورها انتقدت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية بحدة قناتي «الجزيرة» القطرية و«العربية» السعودية، موضحة أن كلا منهما قد تخلى تماما عن المعايير الصحفية والمهنية عند تناولهما للأوضاع التى تشهدها الساحة السورية فى الوقت الراهن.
واضاف التقرير أن تلك القنوات صارت تعتمد بشكل كبير على مكالمات مجهولة كما تقوم بعرض أشرطة فيديو لم يتم التأكد من صحتها. وأوضحت المجلة في تقريرها أن كلي القناتين قد تأسستا عن طريق أعضاء من العائلة المالكة في دولتي قطر والسعودية، وبالتالي فإن التغطية الإعلامية التي تقومان بها تعكس الموقف السياسي الذي تتبناه حكوماتهما الداعمة لهما بعيداً عن المعايير المهنية. وأوضح أن هناك أموالا طائلة يتم إنفاقها لدعم المحطتين الفضائيتين، فقناة «الجزيرة» كلفت حوالي 150 مليون دولار إبان تأسيسها تحملها أمير قطر عام 1996، كما أنها كلفت حوالي 650 مليون دولار نفقات سنوية منذ عام 2010، وهو الأمر الذى تشابه إلى حد كبير مع قناة «العربية» والتي كلف إنشاؤها 300 مليون دولار.
وأضاف أن نشرات الأخبار التي تبثها تلك القنوات تعتمد بشكل كبير على أسلوب «الصحفي المواطن» الذي يعد شاهد عيان للأحداث وكذلك على لقطات الفيديو التي يمكن الحصول عليها من المواقع الإلكترونية بسهولة شديدة والتي يصعب التأكد من مصداقيتها.
وأورد التقرير مثالاً على تحيّز «الجزيرة» و«العربية» اللامهني باعتبارهما رجل الدين المتطرف عدنان العرعور الذي دعا إلى تقطيع أجساد العلويين ورميهم للكلاب عقابا لهم على دعمهم لنظام الأسد، على أنه «داعية سلام».
من ناحية أخرى، أوضح التقرير أن كلا من «الجزيرة» و«العربية» تعانيان من قدر كبير من الازدواجية، حيث تقدم تلك القنوات رسالتها طبقا لطبيعة الجمهور المتلقي. ويظهر ذلك بوضوح في الاختلاف بين الرسالة الإعلامية المقدمة في قناة «الجزيرة» العربية والقناة الإنكليزية، فعلى سبيل المثال أبرزت قناة الجزيرة «الإنكليزية» مسألة تسرب عناصر «القاعدة» إلى صفوف المسلحين فى سوريا على الرغم من أنها لم تذكره من الأساس في تناولها للقضية في قنواتها العربية.
وفي سياق متصل، اعترف سليم قباني الذي يعتبر من الوجوه الأكثر ظهوراً على القنوات التي تستهدف النظام السوري أنه كان يتم تلقينه بشهاداته على قنوات العربية والجزيرة وفرانس ٢٤ وغيرها. وأكد أنه كان يدلي بشهاداته هذه من بلدة عرسال اللبنانية وليس من حمص كما كانت تدعي القنوات الإعلامية.
Leave a Reply