دمشق – تصاعدت خلال الأسبوع الماضي الجهود المستمرة منذ 21 شهراً لإسقاط النظام السوري، وسط جولة جديدة من الضخ الإعلامي حول إنجازات المعارضة المسلحة عبر العمليات العسكرية والتفجيرات الإرهابية المتنقلة التي ينفذها المتشددون في صفوف المعارضة المسلحة التي بدأت عملية «فرزها» دولياً بإعلان واشنطن عن إدراج «جبهة النصرة» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» على لائحة الإرهاب، وهو ما أثار غضب «الإخوان المسلمين» في مؤتمر «أصدقاء سوريا» الذي حط رحاله الأسبوع الماضي في مراكش بغياب وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، بداعي المرض، وسط اعتراف مبدئي من الرئيس باراك أوباما بشرعية «الإئتلاف الوطني المعارض» الذي تشكل بالدوحة بديلاً عما بات يعرف بــ«مجلس اسطنبول».
ورغم الضخ الإعلامي الغربي-الخليجي حول «تقدم ملحوظ» للمسلحين بعد فشل هجومهم الضخم على مطار دمشق، إلا أن الجيش السوري واصل استهداف المسلحين في ريف دمشق وحلب موقعاً العشرات من المقاتلين الأجانب، حسب تقارير غربية أيضاً. وبعد مرور أكثر من أسبوعين على بداية المعارك في ريف دمشق، بدأت الصورة الضبابية التي طغت على وقائع «غزوة دمشق» تتضح بشكل أكبر. وعلى ما يبدو فإن المعارضة المسلحة أو تحديداً «جبهة النصرة» وحلفاءها، قد منيت بخسائر بشرية جسيمة.
وبحسب وسائل إعلام روسية، فإن النظام السوري كان على علم منذ أسابيع عدة بخطة أعدها المسلحون لاقتحام العاصمة، يشارك فيها عشرات آلاف المقاتلين من الجنسيات كافة. وكانت الخطة تقضي بالسيطرة على حرستا ودوما التي تعتبر العمق الاستراتيجي للهجوم على دمشق، والسيطرة على جرمانا بعد سلسلة تفجيرات استهدفت أحياءها ومحيطها كخطوة لتهجير أهلها.
وعلى المسار الدبلوماسي، ورغم التوتر المتصاعد في العلاقات الروسية-الأميركية، من المرجح أن يتجه المبعوث العربي الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي قريبا في دمشق. القرار بعودة الإبراهيمي إلى دمشق اتخذ بعد مفاوضات جرت الأسبوع الماضي في جنيف بين نائبي وزيري الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف والأميركي وليام بيرنز، بحضور السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد، احد أهم المسؤولين الأميركيين العاملين على الملف السوري، ومهندس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية». ولا تعني عودة الإبراهيمي إلى دمشق سوى بدء بلورة أرضية هشة لتفاهم روسي-أميركي، بسبب التغييرات المتواصلة في ميزان القوى بين المعارضة المسلحة والجيش السوري. بيد أنها تعبر أيضا عن الرغبة الأميركية في استغلال تراكم عمليات للمسلحين وانتصاراتهم في الشمال السوري، والبناء عليها في المفاوضات مع الروس لإقناع الرئيس بشار الأسد بتقديم تنازلات.
وما عزز هذا التوجه ما قاله بوغدانوف، خلال اجتماع للمجلس الاجتماعي الروسي الخاص بالتعاون الدولي في موسكو، «علينا أن نواجه الأمر. النظام والحكومة يفقدان السيطرة على البلاد أكثر فأكثر. بالتالي لا يمكننا استبعاد انتصار المعارضة في ظل الدعم الخارجي»، لكنه شدد على أن «موسكو ستصر مع ذلك على تطبيق اتفاق جنيف، والتوصل إلى حل سلمي للنزاع»، ورغم تأكيد الخارجية الروسية أن تصريحات بوغدانوف مجتزأة من رد على سؤال افتراضي، إلا أن ظل مادة للإعلام المناوئ لدمشق الذي روج لإمكانية تبدل الموقف الروسي من النظام السوري.
ويرى وزير الخارجية سيرغي لافروف أن الولايات المتحدة «تعول على انتصار بواسطة السلاح للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» بعد أن اعترف به الرئيس الأميركي «ممثلاً شرعياً للشعب السوري». وقال لافروف، في مؤتمر صحافي في ختام مباحثاته مع نظيره السلوفاكي ميروسلاف لايتشيك في موسكو، إن «الولايات المتحدة قررت، باعترافها بالائتلاف الوطني السوري، الرهان على الانتصار العسكري للمعارضة». وأضاف لافروف «فوجئت بخبر يفيد بأن الولايات المتحدة اعترفت، على لسان رئيسها، بالائتلاف الوطني ممثلا شرعياً وحيداً للشعب السوري. ذلك يخالف الاتفاقات التي نص عليها بيان جنيف والتي تقضي بإطلاق حوار سوري شامل بين ممثلين عن الحكومة من جهة والمعارضة من جهة أخرى».
وبالعودة الى حصيلة مؤتمر «أصدقاء الشعب السوري» الذي عقد في مراكش، فيمكن اختصارها بالاعتراف بـ«الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» ممثلاً شرعياً للشعب السوري، والتشكيك بشرعية استمرار النظام، مقابل إرسال قضية تسليح المعارضة إلى مرحلة لاحقة بسبب عدم حسم قضية «لغم الجهاديين» المقربين من تنظيم «القاعدة» في «الثورة» السورية، لاسيما جماعة «جبهة النصرة»، ورفض «الائتلاف» الاستجابة للضغوط الأميركية بعزل هذه المجموعة عن بقية المجموعات المقاتلة من المعارضة المسلحة.
وحضرت مراكش ١١٤دولة و١٣ منظمة إقليمية، وافقت على بيان ختامي، باستثناء مصر والجزائر، عرض ٤١ نقطة بدأت بالإشادة بالشعب السوري، ونص يدعو إلى «الاعتراف بالائتلاف الوطني بصفته الممثل الشرعي للشعب السوري والمظلة التي تجتمع تحت لوائها مجموعات المعارضة كافة». وللمرة الأولى تصطدم المعارضة السورية برعاتها الدوليين علناً، وفي مؤتمر مكرس لدعمها وتقديم المزيد من الاعتراف الديبلوماسي بها. وشكلت «جبهة النصرة» محور الخرق في العلاقات مع واشنطن. وفيما كان السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد يركز على أهمية عزل «الجبهة» والحصول على موقف من المعارضة يهدئ من مخاوف الإدارة الأميركية تجاه عدوى «القاعدة» في سوريا، دافع رئيس «الائتلاف» احمد معاذ الخطيب عن «جبهة النصرة» من دون أن يسمّيها.
Leave a Reply