دمشق – واصل الجيش السوري خلال الأسبوع الماضي عملياته العسكرية على طول الحدود اللبنانية تمهيداً لمعركة القصير التي من المرجح أن تكون حاسمة في جهود عزل خطوط إمداد المعارضة المسلحة عبر الأراضي اللبنانية. والتقدم الميداني لصالح النظام السوري ترافق مع تطورات عدة، فقد عززت واشنطن مسعى غربيا لصياغة «تهمة كيميائية» ضد السلطات السورية باستخدام «أسلحة كيميائية» ضد المسلحين. وبدت المحاولة مرتبكة، اذ بينما رجح البيت الأبيض أن يكون النظام السوري قد استخدم «غاز السارين» ضد المقاتلين «على نطاق ضيق»، فان وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل اعلن انه لا يمكن لواشنطن التأكد من مصدر الأسلحة الكيميائية.
حرب الأوتوسترادات
أقدم النظام السوري خلال الفترة الأخيرة على تغيير استراتيجيته العسكرية، عبر فتح ما أسماه المراقبون «حرب الاوتوسترادات» بهدف السيطرة على محاور المرور الرئيسية في البلاد ومحاولة عزل المقاتلين في ريف دمشق.
ويعتمد النظام في هذه الاستراتيجية الجديدة على مسلحين موالين له يعرفون الأرض تماما.
وقال مصدر أمني سوري لوكالة «فرانس برس» إن هناك تغيير في الاستراتيجية. لا حرب بعد الآن منتشرة على كل الأرض السورية، ومن شأنها إنهاك الجيش من دون إعطاء نتائج مقنعة. اليوم، مسرح العمليات الأساسي هو الطرق السريعة، وذلك بهدف السماح للجيش بالتنقل بسهولة بين المدن التي هو فيها». ففي محافظة حمص مثلا، ستسمح السيطرة على مدينة القصير بربط حمص بالساحل، بينما السيطرة على الرستن تؤمن الطريق بين حمص وحماه الهادئة نسبياً والتي يسعى المسلحون الى فتح جبهتها في محاولة منهم لتخفيف الضغط عن المسلحين الآخرين الذين يتعرضون لنكسات قوية في ريفي دمشق والقصير خصوصا. أما استعادة معرة النعمان، المدينة الاستراتيجية في ادلب، فتربط حماه بحلب» في الشمال. ويوضح المصدر «هذه هي الأهداف الرئيسية. استعادة الرقة في الشمال لا يشكل أولوية».
وفي حماه، قال معارضون لوكالة «رويترز» ان اشتباكات عنيفة تفجرت للمرة الأولى منذ شهور في مدينة حماه، مشيرين إلى مقتل سبعة أشخاص، وإصابة العشرات. وأظهر تسجيل فيديو بثه معارضون على الانترنت نيران أسلحة آلية ثقيلة وصواريخ وسط تكبير المسلحين في حي طريق حماه. وقال المعارضون ان هذه هي المرة الأولى منذ ستة أشهر التي يخوض فيها مقاتلون إسلاميون اشتباكات بهذه الضراوة ضد القوات السورية.
وبدوره قال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض رامي عبد الرحمن «من درعا (جنوب) إلى حلب ومن دمشق إلى الساحل السوري، يسعى النظام إلى السيطرة على الطرق الرئيسية بهدف فتح ممرات آمنة للقوات النظامية بين المناطق التي هو فيها، ومن أجل الإيحاء للناس بأنهم قادرون على التنقل لان الجيش يسيطر على الوضع».
وكان المسلحون قد دخلوا مدينة الرقة في آذار (مارس) الماضي، ومدينة معرة النعمان في تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٢. وتدور منذ أسابيع معارك ضارية في ريف القصير في محافظة حمص بين القوات السورية والمسلحين الذين خسروا عددا من القرى في المنطقة.
ويقاتل إلى جانب القوات السورية عناصر من «قوات الدفاع الوطني» الذي يتشكل من متطوعين، يتم تدريبهم ليخوضوا خصوصا حرب الشوارع والمدن.
وبالعودة الى ريف القصير، فقد تغيّرت خطوط التماس هناك حيث بسط الجيش السوري سيطرته على كامل المنطقة الواقعة غربي نهر العاصي، وبدأ التمدد في الضفة الشرقية، تمهيداً لعزل مدينة القصير أو الهجوم عليها. ويبدو الجيش السوري، بحسب المصادر الميدانية، ماضٍ في الهجوم حتى استعادة السيطرة على كامل الضفة الشرقية لنهر العاصي، ما يمنع مقاتلي القصير من الوصول إلى مدينة حمص وريف دمشق الشمالي.
التهمة الكيميائية
وفي سياق الجهود الدولية المتواصلة لإسقاط النظام السوري، كتب مدير مكتب الشؤون التشريعية في البيت الأبيض ميغيل رودريغيز، في رسالة إلى عضوين في الكونغرس الأميركي، «تشير أجهزتنا الاستخباراتية بدرجات متفاوتة من الثقة إلى أن النظام السوري استخدم أسلحة كيميائية على نطاق ضيق في سوريا وبالتحديد عنصر السارين». وأضافت الرسالة «بسبب قلقنا من تدهور الوضع في سوريا، فان الرئيس أوضح بشكل لا لبس فيه أن أي استخدام للأسلحة الكيميائية أو نقلها إلى مجموعات إرهابية هو خط احمر بالنسبة إلى الولايات المتحدة». وتابعت «لكن، وتحديدا لان الرئيس يأخذ هذه القضية على محمل الجد، فان واجبنا التحقيق بشكل كامل بأي دليل لاستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. ونحن نعمل مع الأصدقاء والحلفاء والمعارضة السورية للحصول على معلومات إضافية بشأن تقارير عن استخدام أسلحة كيميائية، من اجل الوصول إلى الحقيقة».
وأعلن مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع الأميركية أن رسالة البيت الأبيض لا تعني «تغييرا أوتوماتيكيا» لصناع القرار، مذكرا بالقرارات السياسية التي بنيت على أساس استخباراتي كاذب، مثل قرار إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وأدى إلى غزو العراق في العام 2003، بحجة امتلاك بغداد أسلحة دمار شامل. وكانت وزارة الخارجية البريطانية قد ذكرت ان لديها أدلة «محدودة لكن مقنعة» على استخدام عناصر كيميائية في النزاع في سوريا. يشار إلى أن بريطانيا وفرنسا تحدثتا مؤخرا عن استخدام القوات السورية الأسلحة الكيميائية ضد المقاتلين، وتطالبان الأمم المتحدة بتوسيع التحقيق في استخدام «الكيميائي» ليشمل، ليس فقط حلب، بل مناطق أخرى.
كيري ولافروف
وفي سياق جهود «الحل السلمي»، بحث وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف في التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية «يقوم على اتفاق جنيف»، وذلك على هامش اجتماع للحلف الأطلسي خصص لبحث خطر الأسلحة الكيميائية في سوريا. واستمر اللقاء بين كيري ولافروف حوالى 40 دقيقة نصفها على انفراد. وقال كيري مخاطباً لافروف «سيرغي، شكرا … قدرت التعليقات البناءة التي قيلت».
وذكر مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية «خلال لقائهما المنفرد ركز الوزير كيري والوزير لافروف محادثاتهما حول سوريا وحول أهمية العمل من أجل حل سياسي يقوم على اتفاق جنيف» الذي تم التوصل إليه في حزيران (يونيو) 2012، ويقوم على تشكيل حكومة إنتقالية واسعة التمثيل وبصلاحيات كاملة، بدون التطرق إلى مصير الرئيس الأسد.
وفي تصريح صحافي أدلى به لاحقاً، شدد لافروف على ضرورة التوصل إلى اتفاق سياسي لأنه «إذا لم نفعل شيئاً، فسيربح المتطرفون».
والتقى الوزيران مرتين على الأقل منذ تسلم كيري مهامه في الأول من شباط (فبراير) الماضي، سعياً للوصول الى حل للأزمة السورية التي يختلف البلدان في مقاربتها.
كيري بعد إلقاء كلمته في قمة «الناتو». |
وطلب كيري الثلاثاء من أعضاء حلف شمال الأطلسي أن يستعدوا للرد على الخطر الناجم عن النزاع في سوريا وخصوصاً الأسلحة الكيميائية.
وأكد الوزير الأميركي أمام نظرائه أن «الحلف الأطلسي أثبت أنه مصمم ومتضامن مع حليفتنا تركيا بفضل نشر صواريخ الباتريوت تحت راية الحلف الأطلسي»، وتابع «يجب علينا أيضاً أن نولي أهمية جماعية للطريقة التي يستعد بها الحلف للرد من أجل حماية أعضائه في وجه الخطر السوري، وخصوصاً من أي حظرٍ محتمل لأسلحة كيميائية».
وكان لافروف قد أعلن في مؤتمر صحافي مع نظيره الغيني فرانسوا لوسيني في موسكو، أنه سيبحث مع كيري الوضع في سوريا، مشيراً إلى أن كيري يميل إلى إيجاد «حل سياسي» للنزاع الدائر في سوريا. وقال «أعوّل على أن يتعزز هذا التفهم. للأسف، هناك عدد غير قليل من الراغبين في زعزعة هذا التوجه، لكني عندما تحدثت هاتفياً إلى جون كيري، لاحظت ما يؤكد عزمه الذي ظهر خلال اتصالاتنا السابقة، إلى إيجاد حل سياسي في أسرع وقت، والبحث عن سبل تحويل هذا الوضع إلى إطار للمحادثات بين الحكومة والمعارضة».
جهاديو الغرب
ومع استمرار دوامة العنف السورية برزت المزيد من التقارير التي تنشرها وسائل الإعلام لا سيّما الغربية عن مشاركة أجانب في القتال إلى جانب المعارضة المسلّحة. تقارير اعترفت بها حتى اليوم وبشكل رسمي عدة دول أوروبية وغربية آخرها ألمانيا.
ففي أول تأكيد رسمي قال وزير الداخلي الألماني هانز بيتر فريدريش «إن جهاديين من ألمانيا كانوا تحت المراقبة في وطنهم، موجودون في سوريا الآن ويقاتلون في صفوف المعارضة». كلام فريدريش جاء في مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية قال فيها إن الاستخبارات تخشى من أن يشكل هؤلاء تهديداً لأمن البلاد بعد عودتهم من سوريا. والإعتراف الألماني كان قد سبقه إقرار بريطاني مماثل على لسان وزير الخارجية وليم هيغ. هيغ قال في معرض جوابه على رسالة وجهتها لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم إلى الحكومة بخصوص السياسة البريطانية تجاه سوريا، قال «إن عدداً هاماً من الرعايا البريطانيين يشاركون في العمليات العسكرية إلى جانب المجموعة المتطرفة في سوريا».
أما السلطات البلجيكية فقد شنت قبل قرابة أسبوع حملة توقيفات طالت إسلاميين فيما أعلن وزير خارجيتها تأييده صدور مرسوم ملكي يقضي بمعاقبة كل من ينوي المشاركة في عمليات قتالية في دول أخرى. وكان سبق ذلك تصريح لبرلماني بلجيكي هو دونيس دوكيروم قال فيه «إن بلاده أصبحت مركزاً حيوياً في تصدير المقاتلين الشبان إلى سوريا للقتال هناك وهذا يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للحالة الأمنية». أستراليا هي أيضاً من الدول التي اعترفت بمشاركة رعاياها في القتال إلى جانب المعارضة المسلحة في سورية. جاء ذلك في تصريح في 14 نيسان (أبريل) الحالي لوزير خارجيتها بوب كار الذي قال إن «قتال أستراليين في سوريا، التي أصبحت مغناطيساً للجهاديين، هو مصدر قلق كبير لنا». وكشف كار أن «هناك أكثر من 200 أسترالي يحاربون في سوريا»، فيما أعربت وكالة الاستخبارات الأسترالية عن خشيتها أن يكون أكثر من نصف هؤلاء منضوين تحت لواء «جبهة النصرة».
ولعلّ فرنسا كانت الدولة الأولى التي اعترفت بوجود مقاتلين فرنسيين في صفوف المعارضة السورية. الاعتراف جاء من أعلى سلطة في الدولة. الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أقر في مقابلة في تشرين الأول الماضي مع قناتي «فرانس 24» و«تي في 5 موند» بوجود «مواطنين فرنسيين في سوريا» قائلاً إن هؤلاء «قد يعودون إلى بلدهم فرنسا مع نوايا إرهابية مما سيعرض بلادي للخطر».
مؤشرات طائفية ومذهبية
خرجت مؤشرات طائفية ومذهبية إضافية من النزاع السوري الدموي، وطالت شراراتها لبنان، ما دفع الأمم المتحدة الى التحذير من انتشار الخطر الى خارج سوريا. فمن قتل الشماس وخطف المطرانين في حلب، الى أصوات الاستنفار التي أطلقت من صيدا وطرابلس، وصولا الى تصعيد إطلاق الاتهامات ضد «حزب الله»، وأنباء الهجمات الواسعة للجيش السوري في معركة القصير وريفها، اكتسبت الأزمة السورية بعداً مثيراً للقلق، يخالف أجواء التفاهم السياسي الذي أوحى به وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عندما قال قبل ساعات من لقائه نظيره الأميركي جون كيري، ان الأخير يميل إلى إيجاد حل سياسي للأزمة، وانهما سيحاولان ترجمة ذلك إلى محادثات بين الحكومة السورية والمعارضة.
ولم يكد رئيس «المجلس الوطني السوري» المعارض جورج صبرا يعيّن رئيساً بالإنابة لـ«الائتلاف الوطني السوري» بديلا لأحمد معاذ الخطيب، حتى شن هجوماً على «حزب الله» بحجة مشاركته في معارك القصير وريفها.
وقال صبرا، في مؤتمر صحافي في اسطنبول، إن «ما يجري في حمص هو إعلان حرب على الشعب السوري، ويجب على الجامعة العربية أن تتعامل معه على هذا الأساس»، داعياً الحكومة اللبنانية إلى أن «تعي خطورة ذلك على حياة السوريين وعلى العلاقة بين الشعبين والدولتين مستقبلا».
وسيطر الهدوء الحذر على منطقة الهرمل والقرى اللبنانية المحاذية للحدود السوريّة، بعد أن سقطت قذائف معدودة، كادت واحدة منها تتسبب بمجزرة في مدرسة للأيتام، إذ سقطت بالقرب منها. وسقط عدد من القذائف عند ضفة مجرى النهر الكبير مقابل بلدة الدبابية في عكار.
ودعت مجموعة من رجال الدين المتشددين إلى «التعبئة العامة لنصرة اللبنانيين السنة الذين يتعرضون للاعتداء في مناطق القصير وريفها». واستنكر بيان صادر عن المكتب الإعلامي لإمام «مسجد التقوى» في طرابلس الشيخ سالم الرافعي «السكوت عن التدخل السافر والمباشر لحزب الله في الاعتداء على المظلومين من اللبنانيين والسوريين في القصير، وتخلي الدولة عن واجباتها ومسؤولياتها في الدفاع عن مواطنيها». كذلك أصدر إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير، فتوى «للشبان اللبنانيين المقيمين في لبنان وخارجه، للقتال دفاعاً عن بلدة القصير في سوريا». وأعلن «تأسيس كتائب المقاومة». ودعا «كل من يرى أنه مهدد من حزب الله إلى تشكيل خلايا سرية ليكون جاهزاً للدفاع عن نفسه».
Leave a Reply