كمال ذبيان – «صدى الوطن»
معركة جرود السلسلة الشرقية عند الحدود اللبنانية – السورية، بدأها «حزب الله» مع الجيش السوري من الجانب السوري، وحررها خلال أيام قبل نحو أسبوعين، وأخرج «جبهة النصرة» منها، ثم انسحب مسلحو تنظيم «سرايا أهل الشام» من وادي حميد والملاهي في جرود عرسال، حيث لم يشارك في المعركة العسكرية، وفتح الباب أمام الجيش اللبناني لخوض معركة تحرير جرود القاع ورأس بعلبك والفاكهة، إذ باتت كل ظروفها متوفرة لجهة إجلاء مسلحي «النصرة» و«سرايا أهل الشام» من المنطقة، مما أعطى مساحة واسعة للجيش ليتحرك، وقد حمى ظهره من الناحيتين الشرقية والجنوبية، وعزل مخيمات النازحين السوريين في عرسال التي تبدّلت اتجاهاتها، نحو دعوة الجيش الى إخراج المسلحين منها.
ساعة الصفر
وحدّدت قيادة الجيش ساعة الصفر فجر السبت الماضي، وأعطى قائد الجيش العماد جوزف عون الأمر من غرفة العمليات التي جضر اليها رئيس الجمهورية ميشال عون ، للقوى العسكرية المقاتلة من ألوية وأفواج عدة، بفتح النار على تنظيم «داعش» الإرهابي الذي أعطي فترة سماح من أجل تسليم العسكريين المخطوفين التسعة أو إعطاء معلومات عنهم والانسحاب، لكن أمراء هذا التنظيم رفضوا العروض التي أرسلتها قيادة الجيش عبر وسطاء، فكان لا بدّ من بدء المعركة التي حشد لها الجيش كل العتاد العسكري من طائرات استطلاع وقتال، الى مدافع الميدان من مختلف الأعيرة، وسلاح الدبابات والآليات العسكرية، وحشد في المعركة أفواجاً من «المجوقل» و«المغاوير»، حيث حقق العسكريون، تقدماً سريعاً على الأرض باسترجاع نحو 100 كلم2 من أصل 120 كلم2، من دون أن تحدد قيادة الجيش فترة زمنية لإنهاء العملية العسكرية التي حملت اسم «فجر الجرود».
مشاركة الجيش السوري و«حزب الله»
وفي الوقت الذي كان الجيش يخوض معركة تحرير جرود السلسلة الشرقية من الحدود، كان الجيش السوري و«حزب الله» يعلنان عن عملية عسكرية مماثلة حملت اسم «إذا عدتم عدنا»، من الجانب السوري للحدود، والتي ساعدت الجيش اللبناني في عمليته، وإن كانت قيادته نفت وجود تنسيق مع الجيش السوري و«حزب الله» بناء على رغبة الإدارة الأميركية، التي اشترطت على لبنان، أن لا يكون له شريك في قتال «داعش» وأن يقوم بهذه المهمة لوحده، كي تبقى المساعدات العسكرية تصله من واشنطن، وقد جرى تفهم الموقف الرسمي اللبناني من قبل القيادتين السورية و«حزب الله»، لأن ما يهمهما هو الانتصار على الإرهاب، وأن التنسيق قائم عبر المكتب العسكري المشترك بين الجيشين اللبناني والسوري، ولو من دون إعلام.
التحرير سيُكمل
فالتحرير للسلسلة الشرقية سيكتمل، وإن سير المعارك العسكرية ونتائجها في الميدان، لجهة قضم المواقع لـ «داعش» وقتل أفرادها أو استسلامهم، يؤشر الى أنه كما سجل «حزب الله» انتصاراً في جرود عرسال وفليطا، فإن الجيش يحققه في جرود رأس بعلبك والقاع، وهو في هذه المعركة ليست المرة الأولى له ضد الجماعات الإرهابية، فقد خاض معركة قبل عشر سنوات ضد تنظيم «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد، وقبل 17 عاماً ضد جماعة «التكفير والهجرة» في جرود الضنية، وكانت آخر معاركه ضد «جماعة أحمد الأسير» في شرق صيدا في العام 2013. وفي كل هذه المعارك، أثبت الجيش أنه من الأقوى بين الجيوش التي أحرزت انتصارات على الإرهاب، وقد بدأها قبل أحداث 11 أيلول 2001، في أميركا، التي بدأت تغيّر نظرتها إليه، كما دول أخرى تتسابق لتسليحه، بعد أن كانت تخاف أن يقع سلاحه بيد «حزب الله»، كما تدّعي الإدارات الأميركية المتعاقبة، والتي لا تريده موجهاً أيضاً ضد العدو الإسرائيلي.
قبل ثلاث سنوات
فالمعركة كان مفروضاً أن يخوضها الجيش قبل ثلاث سنوات، أي بعد الاعتداء عليه في عرسال من قبل مجموعات إرهابية تنتمي الى «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»، ما أسفر عن مقتل ضباط وجنود وخطف عسكريين، واحتلال عرسال التي تواطأ أفراد منها، على بلدتهم أولاً، وغدروا بالجيش، الذي لم يعط القرار السياسي بالرد على ما أصابه، إذ دخل العامل المذهبي والسياسي في منع الجيش من التصدي للإرهابيين، وقام فريق 14 آذار بحملة تحت عنوان «حماية عرسال»، من هجوم سيشنه «حزب الله» على البلدة، وهو لم يحصل، وقد كذّبت الوقائع الميدانية، كل ما أطلقه هذا الفريق من أضاليل، لمكاسب سياسية فئوية، ولحساب دول خارجية، فكانت النتيجة أن قوي وجود المجموعات الإرهابية في عرسال وجرودها، وتعطل دور الجيش، ومُنع العرساليون من العمل في أرزاقهم الزراعية والكسارات.
بعد ثلاث سنوات، ومع انتهاء معارك تحرير جبال القلمون والزبداني وقارة والمعرة وبلدات أخرى، من قبل الجيش السوري و«حزب الله»، ومن ثم دحر الإرهاب، من جرود عرسال وفليطا، لم يعد أمام الحكومة اللبنانية، من سبب لعدم تحرير ما تبقى من أرض لبنانية محتلة من إرهاب «داعش»، فكان قرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي جمع المجلس الأعلى للدفاع بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ، أن يقوم الجيش بدوره، لأنه سيكون محرجاً، أمام اللبنانيين إن لم يقم بمهمته، بعد أن كان مطلوباً منه، صد أي هجوم ومنع أي تسلل للمسلحين، وليس طردهم.
القرار السياسي
فمع اكتمال القرار السياسي اللبناني بدأت المعركة استكمالاً لما تحقق من انتصارات على «داعش» في الموصل ونينوى، كما في الرقة ودير الزور ومناطق سورية أخرى، وانهيار هذا التنظيم الذي ظهر فجأة، وأعلن أميره أبو بكر البغدادي عن إقامة «دولة الخلافة الإسلامية» التي بدأت تتقلص في بلاد الشام والعراق، وهي لم تتمكن من أن تتمدد الى لبنان، وقد أسقطتها المقاومة من أول معركة خاضتها في القصيّر في عام 2013، وواجهها الجيش في عرسال ورأس بعلبك والقاع.
فمع تحرير السلسلة الشرقية وجرودها، يكون لبنان قد أسقط الإرهاب، الذي لم يتوقف عن تفكيك شبكاته، واعتقال عناصرها، وعطّل عمليات تفجير انتحارية، قبل أن تبدأ، ومنها عملية مقهى «الكوستا» في شارع الحمرا برأس بيروت، الى غيرها من الأعمال الإرهابية، التي أوقفها الأمن الاستباقي الذي تقوم به مخابرات الجيش وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة، إذ ينعم لبنان بالإستقرار الأمني، أكثر من دول أخرى، منها في أوروبا، التي تعيش دولها في زمن الإرهاب المعولم الذي نشأ بدعم وغطاء من هذه الدول التي سمحت للعديد من العناصر أن تأتي الى سوريا، لمحاربة النظام والعمل على إسقاطه، وعندما لم يتحقق الهدف، بدأ هؤلاء الإرهابيون يعودون الى دولهم، ويقومون بأعمال إرهابية، باستخدام أساليب لا تخضع للمراقبة الأمنية، منها الدهس بالسيارات، كما جرى في أكثر من عاصمة ومدينة أوروبية وفي العالم.
تفجير مخيم عين الحلوة
فلبنان يخوض إحدى معاركه ضد الإرهاب والذي كان السباق إليه منذ عقدين، وهو ينجح فيها، حيث بعد عرسال وجرودها يبقى هناك بؤرة أمنية، في مخيم عين الحلوة الذي يأوي المئات من العناصر الإرهابية، المنتمية الى تنظيمات وفصائل عدة منها: “جبهة النصرة” وتنظيم «داعش» و«الشباب المسلم»، و«جند الشام» و«كتائب عبدالله عزام»، و«عصبة الأنصار»، و«الحركة الإسلامية المجاهدة»، والى غير ذلك من التسميات، حيث تحول مخيم عين الحلوة، الى ملاذٍ آمنٍ للإرهاب، الذي كانت بعض الفصائل الفلسطينية، لاسيما حركة «فتح» المنشقة على بعضها، تقوم بمهمة التصدي لهذه المجموعات الإرهابية.
ففي الوقت الذي كان الجيش يطهّر الجرود من الإرهابيين، اندلعت اشتباكات في مخيم عين الحلوة بين مجموعات تابعة لبلال بدر المختبئ في حي الطيره، وأخرى تابعة لبلال العرقوب، حيث صدر أمر من تنظيم «داعش» في الرقة ، بفتح المعركة في مخيم عين الحلوة، وتوسيعها باتجاه الجيش، كما الى منطقة صيدا وجوارها، وقطع طريق الجنوب ولو بالنار، للتخفيف عن المعركة التي يخوضها الجيش في القاع ورأس بعلبك ضد التنظيم الارهابي ، وإرباك الوضع الداخلي اللبناني حيث الالتفاف الشعبي حول الجيش الذي أبلغ الفصائل الفلسطينية أنه لن يكون طرفاً في الصراع داخل مخيم عين الحلوة، الذي يعود الأمن فيه الى «القوة الأمنية المشتركة» التي عليها أن تسلم المطلوبين الى القضاء، وتنهي البؤر الأمنية.
وحاول مسلحو التنظيمات الإرهابية، أن يكونوا من ضمن التسويات التي حصلت مع «النصرة» بإخراجهم من مخيم عين الحلوة، ومن أبرز هؤلاء شادي المولوي وجماعة أحمد الأسير وعناصر «جبهة النصرة»، وهو ما رفضه الجيش الذي يصر على تسليم المطلوبين أنفسهم.
إنها معركة تحرير لبنان من الإرهاب وتحقيق الانتصار عليه.
Leave a Reply