المعروف عنه أنه مهما خبط ولبط «ريحة الصيف فيه» وهاقد إنقضى نصفه تقريباً ولم نشعر بنسمة دافئة فيه. قديماً كانت العجائز تخاف من قدومه، لأن الموت يكثر فيه. ويحسدون القطط على الزواج والتكاثر فيه. رغم أن الموت يأتي في كل الشهور والقطط «تشبط» وتتزاوج في معظم أيام السنة، ولكنه شباط، الشهر الرشيق، القصير. والذي أحبه، لأنه يمضي بسرعة حتى يأتي الربيع بدفئه ومرحه.
شهر شباط، فيه عيد أجمل وأنبل مافي الإنسان، وهو الحب. الحب الحار منذ عصر ساكن الكهف وهو يجر «حبيبة قلبه» من شعرها، إلى الحب التكنولوجي البارد في هذه الأيام.
يبقى الحب منتجاً إنسانياً يمنحه الإنسان معناه. الحب ليس مجرداً، لكنه معنى، مركب حي ومتفاعل. وإذا كان الإنسان هو الذي يعطي الحب معناه، فهل إنسان القرن الحادي والعشرين هو إنسان القرن الثامن عشر، أو العاشر أو الخامس؟ بالتأكيد لا!!
لقد تغير إيقاع الحياة ولم يعد هناك وقت يبذله الإنسان لأجل الحب كما كان يفعل جدّهُ وأبوه منذ خمسين أو مئة أو خمسمئة سنة. كان هناك وقت كاف عند «قيس» منذ مئات السنين، ليهيمَ في حب «ليلى». كان عنده وقت وهو يرعى غنمه في الصحراء ليفكّر بـ«ليلى» ويحادث الغزلان والطيور عنها. كان لديه وقت لينظم قصائده في عشقها، حتى إقترب من الجنون.
من عنده الآن الوقت ليقوم بدور «قيس».. ومن لديه وقت الآن ليجن مثله؟؟
وإذا كان الوقت تغير، فالحياة نفسها تغيّرت. لم يعد الكوخ يكفي. لم تعد الأحجار الملونة تكفي. الحب في زمننا الحاضر مكلف جداً. قديماً، كان المحب يكتفي بكتابة رسالة غرام وهيام، أما اليوم فلابد من آيفون وسيارة وشم هوا ورقص ودلع. كان الحب بريئاً طاهراً، مثل قطرة المطر، وصار الآن ملوثاً مثل مياه المجاري.
قديماً كان الحب جاهلاً فأصبح متعلماً، ولكن بالعلم الذي لا ينفع. إنتقل الحب من القلب إلى العقل ومن الصدر إلى الدماغ. الإنسان تغير، والوقت أيضاً. لكن الحب يبقى هو الحب. الحب الرائع الذي يفتقده إنسان اليوم.
«الحب في زمن الكوليرا» من أجمل روايات الكاتب الكبير غارسيا ماركيز، الحائز على جائزة «نوبل»، وإلى الذين لم يقرأوها، أقدم تلخيصاً لها، من أجل بيان أن الحب مازال موجوداً في زماننا.
القصة تدور حول حب رجلين لفتاة واحدة، إسمها «فيرمينا» التي تبدأ حبها مع شاب من عمرها، يحبّها ببراءة وقوة وعنف المراهقة. من أجلها يكتب الشعر ويتعلم العزف ويحاول أن يكون أفضل. ولكن والد «فيرمينا» زوّجها لطبيب رائد ولامع في مجتمع المدينة، لكونه قاد حملة ناجحة في مقاومة مرض الكوليرا.
طبيب مشهور وغني بينما الحبيب إبن سيدة متواضعة ويعمل كاتب في شركة للشحن. بعد زواجها من الدكتور، تفتحت مواهب الفتاة كإمرأة وسيدة مجتمع، وأحبت الدكتور بهدوء. وكان العاشق الشاب عمره ٢٢ عاماً وظل على حبه الرهيب المخلص لها لمدة إحدى وخمسين سنة وتسعة شهور وأربعة أيام، على حد تعبير ماركيز.
،بعد كل هذه السنوات، وبطريقة كاريكاتورية، يموت الدكتور عندما يسقط من على غصن شجرة وهو يلاحق ببّغاءَه المحبوب. وبذلك تحقق حلم العاشق المخلص بالتقرب من حبيبته التي تجاوزت السبعين من عمرها.
وبعد أن صدته كثيراً وفاءً لذكرى زوجها العظيم، أقنعها برحلة في سفينة من سفن الشركة التي أصبح مديرها. سفينة حملتهما معاً لأول مرة. علّق القبطان راية صفراء على سارية السفينة، بما يعني أن ركابها مصابون بالكوليرا حتى يبتعد عنهم الجميع.
أما في الواقع، فكان الحبيب والحبيبة يهربان من حقيقة الحياة ورعب وفزع الواقع إلى عالم مجهول بعد أن تجاوزا الستين من العمر. لم تمنعهما متاعب الشيخوخة وآلام المفاصل والصلع والتجاعيد من إحياء حب عظيم ظل حياً بينهما لأكثر من خمسين عاماً.
Leave a Reply