أنا على اهبة الاستعداد لأن أدفع نصف عمري، الذي لم يبق منه سوى الوجع والندم والحسرات، لمجرد أن أفهم لماذا أميركا لا تحبنا نحن العرب.
أنا أريد وأتوسل وأرجو من أي شخص أن يشرح لفهمي القاصر والماشي على عكازتين لماذا تكره أميركا العرب بينما هم يموتون فيها؟ هل هذا دأب العرب، حب حتى الموت، حب بلا هدف أو أمل منذ عهد قيس الى عهد هيلاري كلينتون، وكأنما الحب بهدف عيب. وهل صدق فريد الأطرش عندما غنى “الحب من غير أمل، أسمى معاني الغرام”؟
علمونا في المسلسلات والأفلام أن أميركا “وودرو ويلسون” هي بطلة الحرية والعدالة والمساواة، نصيرة المظلومين والضعفاء في كل مكان، لماذا حين تصل عدالتها الينا تصاب بالعمى؟ ربما.. لهذا السبب جعلوا العدالة الأميركية في هيئة امرأة معصوبة العينين؟
لاشك أن هناك تاريخا طويلا من العداء بين الغرب والعرب وأميركا رأس حربة الغرب الذي صور العرب بسبب هذا العداء في صورة العدو الهمجي المخادع والبعيد عن الحضارة، كذلك فعل معظم هذا الغرب في عدائه لألمانيا النازية وفي عدائه مع اليابان، وفي عدائه مع الشيوعية، ثم ما لبث أن غير تلك الصورة التي رسمها لأعدائه من يابانيين ونازيين وشيوعيين إلا نحن العرب. ووحدنا.. ظل الغرب يرسم صورتنا كما اعتاد أن يرسمها ومايزال يمعن في تشويهها وهمجيتها، والسبب أننا الأمة الوحيدة التي تهزم نفسها بنفسها، وتهدر طاقاتها وامكاناتها وتفتح للهزائم والنكسات أبوابها على الواسع جدا، وتفرش لها مساحة الجسد العربي كله لتنتشر فيه وتعيث فيه فسادا.
كنا نعتقد أننا من أمة واحدة، ذات رسالة خالدة، تمتد من المحيط الى المحيط، إن داس أحد على طرف لنا ثرنا ومزقنا له طرفه، ما الذي حدث وأصابنا حتى تغيرنا وتروضنا وأصبحنا نحكم العقل في تصرفاتنا، فلا نؤاخذ السفهاء بما يفعلوه بنا. بالعكس نقابل السفيه بكل احترام وخضوع وكرم، حتى اذا ما ضربنا على خدنا الأيمن، أدرنا له خدنا الأيسر، واذا لم يشف غله ولم يشبع أدرنا له قفانا حتى يقول كفانا!
بالنسبة لنا نحن العرب، القانون الأميركي لا يرمش أبدا، وبالنسبة لغيرنا فانه يغمض عينيه تماما، واذا تعلق الأمر باسرائيل أو يهود أميركا أو أي يهودي، يصبح أعمى أكثر من أبو العلاء المعري.
مجرد رأي خاص أطلقته شيخة الصحفيات في البيت الذي قالبه أبيض وقلبه أسود، مجرد رأي شخصي أدلت به هيلين توماس، ومجرد شعور شخصي انساني عبرت عنه أوكتافيا نصر ونشرته على موقع “تويتر”، ومجرد إعجاب إنساني، ملأ قلب سفيرة بريطانيا في بيروت فكتبت كلمة تشيد بها بالراحل الكبير السيد محمد حسين فضل الله فقامت الدنيا ولم تقعد، ورغم اعتذارهن عما أدلين به في لحظات انسانية صادقة، فقد تحول الخلاف في الرأي الى مبرر للتنكيل بالسفيرة البريطانية والتشريد وقطع الأرزاق مع هيلين توماس وأوكتافيا نصر.
ان هذا الحال لا يسر، واذا ظلت صورتنا تزداد قبحا لدى الغرب والزعيمة أميركا، فإن اليوم الذي يصبح فيه تشريد الإنسان العربي فيه مباحا ليس ببعيد، كل ذلك يحدث والعرب نيام، لديهم اطمئنان عجيب بأن أميركا تبادلهم نفس الحب والهوى!
Leave a Reply