وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
«نحن أمام أكبر سلسلة حرائق شهدتها محافظة اللاذقية على مر السنين»، هكذا وصف فوج إطفاء اللاذقية على صفحته في «فيسبوك» حجم الحرائق التي اجتاحت عدداً من المناطق في سوريا ونتج عنها سقوط ضحايا من المدنيين بين قتيل وجريح، إضافة إلى خسائر مادية جسيمة. إذاً مئات الهكتارات في أرياف محافظات اللاذقية وطرطوس في الغرب وحمص في الوسط كانت مسرحاً خلال الأسبوع الماضي لحرائق اشتعلت على مدى أيام متواصلة. الحرائق امتدت لتصل إلى بلدة القرداحة، مسقط رأس عائلة الرئيس السوري بشار الأسد، حيث جرى إخلاء أحد المستشفيات من المرضى بعد أن وصلت النار إلى محيطها. وفي القرداحة أيضاً، وصلت النيران إلى مبنى مستودعات المؤسسة العامة للتبغ، وفق وكالة الأنباء الرسمية السورية سانا، التي نقلت عن رئيس دائرة التخزين مرتضى ناصر قوله إن «الحريق أسفر عن أضرار كبيرة في أربعة مستودعات لتخزين التبغ» كما أُفيد عن احتراق منازل في مدينة بانياس بمحافظة طرطوس.
وزير الزراعة السوري محمد حسان قطنا وفي حديث لإحدى المحطات الإذاعية تحدث عن 45 حريقاً في اللاذقية و33 في طرطوس إضافة إلى عدد منها في حمص، مرجّحاً أن تكون هذه المرة هي الأولى التي تشهد فيها سوريا هذا العدد من الحرائق في يوم واحد.
أما وزارة الصحة السورية فقد أعلنت أن مستشفيات محافظة اللاذقية استقبلت 70 حالة اختناق بعدما كانت قد أعلنت سابقاً حالتي وفاة في اللاذقية من جراء الحروق الشديدة. اشتداد الحرائق دفع عدداً كبيراً من العائلات إلى النزوح مع اقتراب النيران من منازلها، بحسب ما قاله رئيس منظومة الإسعاف السريع.
الأسباب المحتملة
عادة ما تكثر الحرائق صيفاً في المناطق الحرجية من حوض المتوسط وبلاد الشام التي تضم إضافة إلى سوريا كلاً من لبنان وفلسطين، وقد سبقت هذه الموجة من الحرائق، موجة ضخمة منها في أيلول الماضي أتت أيضاً على مساحات شاسعة في أرياف حماة واللاذقية، حيث اعتبر وزير الزراعة أن درجات الحرارة والرياح أسهمتا في اشتعال الحرائق من دون أن يحدد السبب الرئيسي لاندلاعها.
في حين أن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، تصنف تلك الحرائق في خانة الجرائم الناتجة عن الإهمال والتعمّد، وهي تؤكد أن أكثر من 95 بالمئة من تلك الحرائق، أسبابها بشرية، تراوح بين الإشعال المتعمّد، أو الإهمال، كإلقاء أعقاب السجائر، والتعامل من دون مبالاة مع شواء اللحم في المناطق الحرجية، أو حرق الأعشاب وغيرها، ولا سيما في ظل ارتفاع درجات الحرارة والرياح الشديدة، وهو ما يعني أن الأسباب بشرية خالصة.
لكن ثمة رأي آخر يسوقه مراقبون لا يخلو من الإشارة والاتهام لجهات معينة بالوقوف وراء إشعال تلك الحرائق، وهي أهداف ليس أقلها الإمعان في التضييق على سوريا وتجويعها لخنقها وتركيعها. ويؤكد هؤلاء المراقبون أنه من غير الممكن عملياً استبعاد احتمال وجود قصد جرمي وراء اشتعال الحرائق، كما لا يمكن أيضاً استبعاد الهدف التخريبي الإرهابي الذي قد تقف خلفه أيادٍ معادية خارجية. المؤيدون للنظام في سوريا يتهمون بعض «الدول المعادية» بـافتعال الحرائق عمداً عبر خلايا سرية، مثل افتعال الحرائق في لبنان وفلسطين المحتلة وبعض المناطق التركية.
ويرى هؤلاء أن الحرائق المفتعلة تسعى إلى فرض مزيد من الضغوط التي يمكن صرفها في ساحات التفاوض والمقايضة.
لكن كثراً يرفضون هذه الاتهامات معتبرين أن العوامل الطبيعية هي السبب في الحرائق التي تضرب المنطقة كل عام، مع اختلاف حدتها هذه المرة بسبب التغيرات المناخية وشدة الرياح وارتفاع درجات الحرارة والجفاف.
هنا لا بد من الإشارة إلى ما يجري الحديث عنه من وضع اليد الأميركية على النفط السوري في المنطقة الشرقية، وربطه بإحراق المحاصيل الاستراتيجية، ولا سيما القمح، هو واحد من السلوكيات المتكررة التي قام بها الأميركيون وعملاؤهم في المنطقة الشرقية ضمن إطار حرب التجويع.
فالحرائق واسعة النطاق قد طالت هذه المرة البساتين والأشجار المثمرة، مما ذكر السوريين بعمليات حرق المحاصيل في المنطقة الشرقية، ولا سيما أن محصول الزيتون الذي ربما قد تم استهدافه هذه المرة هو أحد المحاصيل الاستراتيجية التي تحتل سوريا في إنتاجها موقعاً متقدماً ضمن الدول الأكثر إنتاجاً لهذا المحصول على مستوى العالم.
في السياق عينه، تحضر يد الإرهاب التي ما برحت تستغل الفرصة لتزرع الرعب والتدمير أينما حلت، يشهد على ذلك ما كانت قامت به سابقاً من تدمير للبنى التحتية والمعامل والآثار والأسواق والمساجد، ولذلك فإن الحديث حول أيادٍ خارجية متورطة، ليس مستبعداً.
فنشوب 100 حريق وفي وقت واحد وفي منطقة محددة وبيئة ذات انتماء معروف، كلها عوامل تدعم فكرة أن هذه المناطق مستهدفة بذاتها وعن سابق تصور وتصميم. ومن جملة الأهداف المشبوهة أيضاً تأليب الرأي العام ضد السلطة الرسمية وإظهارها بمظهر العاجز عن إنقاذ مواطنيها.
المنطقة التي اشتعلت فيها الحرائق تعد من أجمل مناطق سوريا وهي تعاني من توقف غالبية مرافقها منذ عام 2015. بينما يعتمد أهلها في تحصيل عيشهم على السياحة والزراعة بالدرجة الأولى، وكما بات معلوماً فإن السنوات التسع الماضية شهدت انحساراً كبيراً للنشاط السياحي بسبب الحرب والوضع الاقتصادي وانهيار القدرة الشرائية لدى المواطنين إضافة إلى أزمة البنزين، أما لجهة الزراعة، فإن تأثير ما وقع سيظهر في السنوات اللاحقة، حيث تم فقدان آلاف من أشجار الزيتون والأشجار المثمرة الأخرى، فضلاً عن المشهد البيئي المروع الذي خلفته تلك الحرائق، حيث تحولت المنطقة من جنة خضراء إلى صحراء سوداء بشكل كئيب، لم يبقَ فيها أي مظهر من مظاهر الحياة.
البعض سجل عتبه الكبير على القوات الروسية الموجودة على الأرض لعدم إسهامها في عمليات إطفاء الحرائق، وهي التي تمتلك إمكانات كبيرة لفعل ذلك، لكنها اكتفت بالوقوف موقف المتفرج وأحجمت عن تقديم المساعدة.
Leave a Reply