واشنطن – مع انتهاء العام الدراسي في الجامعات الأميركية، واستمرار حملات القمع البوليسية للاحتجاجات ضد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تراجعت وتيرة الحراك الطلابي المؤيد للشعب الفلسطيني، بشكل ملحوظ، خلال الأسبوع الماضي، غير أن ذلك لم يمنع بعض الجامعات من المضي باستدعاء الشرطة لتفكيك ما تبقى مخيمات التضامن مع غزة، فيما نجح الحراك في جامعات أخرى بانتزاع تعهدات من إداراتهم بإعادة النظر في العلاقات الاستثمارية والأكاديمية مع دولة الاحتلال.
وفي أبرز تطورات الأسبوع الرابع من الحراك الطلابي الذي بدأ في جامعة «كولومبيا» بنيويورك يوم 18 أبريل الماضي، ارتفعت حصيلة الأشخاص الذين تم اعتقالهم على يد الشرطة خلال حملات فض المخيمات والاحتجاجات التضامنية مع غزة إلى ما يقرب من ثلاثة ألف شخص في حرم حوالي 65 جامعة أميركية، كان آخرها «جامعة كاليفورنيا–إيرفاين» التي شهدت اعتقال أكثر من ٥٠ شخصاً في عملية تفكيك مخيم التضامن مع فلسطين، القائم منذ أكثر من ثلاثة أسابيع.
وبحسب البيانات المتوفرة، اندلعت الاحتجاجات الطلابية في 45 ولاية من أصل 50 في الولايات المتحدة بالإضافة إلى العاصمة واشنطن، حيث نظم الطلاب إضرابات ومخيمات اعتصام في ما يقرب من 130 جامعة وكلية.
كما تمدد الحراك إلى خارج الولايات المتحدة، ليصل إلى عشرات البلدان حول العالم، من كندا والمكسيك إلى أستراليا ونيوزيلندا والأرجنتين مروراً بالعديد من الدول الأوروبية والآسيوية.
وفي حين انخفضت وتيرة الحراك بعد إقامة حفلات التخرج في معظم الجامعات، إلا أن الائتلافات الطلابية أكدت عزمها على مواصلة النضال من أجل حقوق الشعب الفلسطيني، بعد انتزاع تعهدات من قبل جامعات مرموقة بفتح النقاش حول القضية الفلسطينية وإعادة النظر في الاستثمارات الداعمة لدولة الاحتلال، وآخرها جامعة «هارفرد».
ويشي ذلك بأن الحراك الطلابي قد يتجدد مع بداية العام الدراسي الجديد في أواخر الصيف المقبل، في حال واصلت إسرائيل عدوانها الوحشي على غزة، حيث من المفترض أن تجري مناقشات مفتوحة حول مصير الاستثمارات في الشركات الداعمة لدولة الاحتلال والمتربحة من الحرب على الفلسطينيين.
وفي السياق، أنهى طلاب «هارفرد» احتجاجهم الداعم لغزة، والمندّد بالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحقّ الفلسطينيين، بعدما وافقت إدارة الجامعة على محاورتهم بشأن سحب الاستثمارات من الشركات التي تنشط في مجال تطوير الأسلحة الإسرائيلية والحرب على غزة. وأتى تفكيك المخيّم الاحتجاجي في جامعة «هارفرد» بطريقة سلميّة، على عكس جامعات أخرى عمدت إلى استدعاء قوات الشرطة المدججة بأدوات مكافحة الشغب لفض المخيمات، مثل «جامعة كاليفورنيا» في لوس أنجليس و«جامعة نيويورك» و«كولومبيا» و«جامعة تكساس» في أوستن و«جامعة أريزونا» و«جامعة كاليفورنيا» في إيرفاين.
وقبل ذلك، حذّر رئيس «هارفرد» المؤقت، آلان غاربر، الطلاب المحتجّين من تبعات استمرارهم في تحرّكهم، مشدّداً على وجوب فضّ مخيّمهم تحت طائلة مواجهة عواقب تشمل الفصل من الجامعة، علماً أنّ عشرات الطلاب قد فُصلوا بالفعل، واتُّخذ في حقّ آخرين إجراءات تأديبية.
أمّا اليوم، فقد اختلف موقف غاربر، إذ وافق على تنظيم لقاء بين الطلاب ومسؤولي الجامعة بشأن مطالب المحتجّين الذين كانوا كغيرهم من الطلاب الأميركيين المنتفضين قد دعوا جامعاتهم إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل والشركات التي تدعمها.
كذلك، أشار طلاب «هارفرد» المحتجّون إلى أنّ الجامعة عرضت التراجع عن قرار تعليق دراسة أكثر من 20 طالباً، وعن الإجراءات التأديبية في حقّ أكثر من 60 آخرين، مقابل تفكيك المخيم بشكل سلمي.
وكانت جامعات أخرى قد سبقت «هارفرد» إلى عقد اتفاقات مماثلة مع الطلاب، مثل «براون» و«راتجرز» و«نورث وسترن» و«جامعة مينيسوتا» و«جامعة كاليفورنيا ريفرسايد».
واتخذت كلية «أفرغرين» في ولاية واشنطن خطوة مماثلة، بعد أن وافق مسؤولون بها على أن تبدأ لجنة من الكلية في اقتراح استراتيجيات «لسحب الاستثمارات من الشركات التي تتربح من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو احتلال الأراضي الفلسطينية».
وذكرت تقارير إخبارية محلية أن ممثلين عن الكلية وقعوا اتفاقاً مع الطلاب، الثلاثاء الماضي، وأزال المحتجون الخيام بأنفسهم في اليوم التالي.
وفي أحدث مشاهد العنف المستخدم ضد الطلاب والأساتذة المحتجين ضد العدوان على غزة، داهم مئات عناصر الشرطة من وكالات أمنية مختلفة حرم «جامعة كاليفورنيا–إيرفاين» مساء الأربعاء الماضي، بذريعة سيطرة الطلاب على أحد المباني الجامعية.
وأكد متحدث باسم الجامعة، الخميس الماضي، أن الشرطة استعادت السيطرة على قاعة محاضرات بعدما اعتصم داخلها محتجون معارضون للحرب على غزة لساعات، في إطار احتجاجات الطلاب المستمرة.
وقالت كاري ديفيز المتحدثة باسم إدارة الشرطة في إيرفاين: إن قوات من نحو عشرة من أجهزة أمنية هرعت إلى الحرم بعدما طلب مسؤولو الجامعة، المساعدة لحماية المباني وتفكيك المخيم الطلابي.
وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، قيام أفراد من الشرطة بقمع المحتجين بعنف، واعتقال بعضهم، فيما بدت بوضوح رسومات الطلاب على الجدران، حيث كتبوا: «لأجل مستشفى الشفاء»، «لأجل الشهداء»، وغيرها من عبارات الدعم والتضامن لسكان القطاع الفلسطيني.
وجاء ذلك بالتزامن مع مظاهرات واحتجاجات أخرى للتضامن مع فلسطين ضد الممارسات والهجمات الإسرائيلية، ظهرت بوضوح في مراسم للتخرّج بجامعات أميركية أخرى.
حفلات التخرج
شهد العديد من حفلات التخرج التي أقيمت الأسبوع الماضي، تحركات احتجاجية تضامناً مع غزة، حيث غادر عشرات الطلاب حفل تخرجهم في «جامعة فرجينيا كومنولث»، السبت الفائت، وذلك احتجاجا على موقف حاكم الولاية، الذي كان أحد المتحدثين في الحفل. كما انسحب العشرات من حفل تخرج «جامعة ديوك» يوم الأحد الماضي، احتجاجاً على المتحدث الرئيسي في الحفل، الممثل الكوميدي الداعم لإسرائيل جيري ساينفلد.
وكان مسؤولو الجامعات الأميركية قد تهيئوا لاحتمال حدوث اضطرابات في احتفالات التخرج بسبب الاحتجاجات على الحرب في غزة، مما دفع بعضها إلى إلغاء الحفل أو إصدار إجراءات أمنية مشددة.
وقامت بعض الجامعات، بما في ذلك «جامعة بنسلفانيا» و«معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» و«جامعة روتشستر» في نيويورك، بإزالة المخيمات واعتقال محتجين، قبل حفلات التخرج. واتخذت العديد من الجامعات تدابير إضافية لفعاليات التخرج، مثل طلب الهوية، وتطبيق سياسات الحقائب الشفافة، وإصدار تحذيرات بأنه سيتم إخراج الأشخاص الذين يتسببون في إحداث اضطراب.
ومن الجامعات التي ألغت حفل التخرج «جامعة كولومبيا» التي كان من المقرر أن تقيم حفلها يوم 15 مايو الجاري لكنها استعاضت عنه باحتفالات صغيرة ومتفرقة بذريعة «الحفاظ على سلامة الطلاب».
وفي حفل تخرج آخر، قاطع عشرات الطلاب عميدة «جامعة كاليفورنيا بيركلي»، كارول كرايست، بإطلاق الشعارات المؤيدة لفلسطين والتلويح بالأعلام الفلسطينية وسط مشاركة بعض الخريجين.
كما انسحب بعض المتحدثين في حفل التخرج، مثل الكاتب كولسون وايتهيد، الذي قال إنه لن يكون المتحدث الرئيسي في حفل جامعة «ماساتشوستس أمهيرست»، بعد أن أزالت الشرطة مخيماً هناك بالقوة.
كذلك، ألغت «جامعة فيرمونت» و«جامعة زافييه» في لويزيانا مؤخراً دعوات لسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، للتحدث تحت ضغط الطلاب لإسقاطها من قائمة المتحدثين.
Leave a Reply