إنتقد الزعيم الليبي معمر القذافي، في تونس يوم الخميس الموافق السابع من شهر آب سنة 2008، إنتقد موقف إيران «المكابر»، حول ملفها النووي، متوقعاً أن يكون مصيرها مماثلاً لمصير العراق خلال حكم صدام حسين.
الزعيم القائد الملهم، المعقّد القذافي قال ذلك، خلال منحه الدكتوراة الفخرية من إحدى الجامعات التونسية، متابعاً: «إن ما تقوم به إيران ليس سوى مجرد مكابرة» معتبراً إنه في حال اتخذ الغرب قراراً بالهجوم على إيران فإن «مصيرها سيكون المصير ذاته للعراق، فإيران وحدها ليست أقوى من العراق ولا يمكنها أن تصمد»، لأنه التحديات أكبر من قدرة إيران على مواجهتها!!
شخصياً عندما قرأت هذه الحِكَم (من حكمة) على لسان القذافي، الزعيم القائد الملهم، الحاكم الحكيم الذي لا يحكم وإنما يلقي بالحكم الثورية حيثما سار أو جثم، تأكدت من القول أن القذافي قد تقمص الدور جيداً بعد أن أعيد تأهيله وتحفيظه دوره بطريقة عجيبة غريبة، تدخل في المسرح العبثي، حيث النص مرتبك، بدايته معقدة كالعقيد، ونهايته متداخلة بشكل غير منطقي، ومع ذلك يجد هذا المسرح لنفسه جمهوراً كبيراً كما في حالة المعقّد القذافي.
قالت العرب في تصوير فصل السلطة: «أسكرته السلطة» والذي يتابع أقوال القائد الأعظم والزعيم الأفهم المعقد القذافي، لا يمكنه إلا أن يؤمن بهذه الحكمة البليغة، فأقواله وأفعاله لا تصدر إلا عن رجل أطارت السلطة عقله بعد أن جثم على كرسيها لما يقارب نصف قرن من الزمن. أصيبت الكرسي بالبواسير، والعقيد جاثم عليها لأقرب الأجلين الموت أو الإعدام، وجعلته يترنح بين العقل واللاعقل. الجماهير الليبية وكافة رعايا الجماهيرية الشعبية المعقدة بعقيدها القذافي يبصمون له بالعشرة ويهزون رؤوسهم مباركين لكل ما يصدر عن الزعيم القائد الملهم. هل يُعقل أن لا يكون في الجماهيرية
العظمى وزيراً واحداً أو مستشاراً واحداً أو على الأقل مسؤولاً واحداً يقول للقذافي: أيها الزعيم العبقري الفهيم: أنت قائد مفكر وملهم وعظيم ولكن الرأي في المشورة. في الجماهيرية الشعبية العظمى رجال وساسة وعلماء واختصاصيون في مختلف المجالات، فلم لا تستعين بآرائهم وأفكارهم قبل أن تصرح تصريحاتك، وقبل أن تخطب خطاباتك. المشورة ليست عيباً وأنت مهما بلغت عبقريتك أيها القائد العظيم، تظل وتبقى إنساناً ليس بمقدرته أن تحيط بكل شيء وأن تفتي في كل شيء سواء كان داخلياً أو خارجياً. خذ بعض آراء المستشارين الليبيين المختصين بالسياسة الدولية، فهم يحبون الجماهيرية مثلك ويريدون مصلحتها وخيرها مثلك. إن كونك حاكما مستبداً لحوالي نصف قرن، لا يعني أنك أكثر وطنية منهم. إسمع آراءهم وأفكارهم وتنوّر بها، ثم قرر، فالقرار لك أولاً وأخيراً. آمنهم على حياتهم وأهلهم وأموالهم وكرامتهم وحريتهم وأطلب منهم النصيحة والمشورة بكل صدق ولا خوف. ثم أرم بما سمعت منهم في النهر العظيم، إن لم يعجبك ما سمعت. لكن أن تظن في نفسك العبقرية في السياسة والتاريخ والجغرافيا والإجتماع والهندسة وشق الطرق والأنهار والتنقيب والمفاوضات والديبلوماسية والملفات النووية فهذا كثير وفوق الإحتمال يا قائدنا وملهمنا.
لماذا لا تربض أيها الزعيم الأعظم والقائد الملهم في خيمتك وتتلقى الوحي والإلهام على مهلك، وتستغرق بتألف كتاب ثوري آخر يكون بمثابة سفينة نجاة تنقذ الأمة من الغرق في المستنقع النووي، ويكون الكتاب تحفة أخرى تضاف إلى كتبك العظيمة كعظمتك في الإسم والكسم، مثل الكتاب الأخضر، الفرار إلى جهنم، القرية القرية، الأرض الأرض وإنتحار رائد الفضاء!
ولا بأس بإهداء ذلك الكتاب لجارتك البعيدة إسرائيل ولحبيبتك القريبة أميركا فيزيدونك عشقاً ووسامة، وربما يمنحونك شهادة دكتوراة فخرية من إحدى جامعاتهم الغربية فتزيدك تعظيماً وتعقيداً وجماهرية، وتحجب عن نظارتيك الشمسيتين مشهد نهر الدم الفلسطيني والعراقي، الذي نراه كل يوم يملأ شاشات الفضائيات العالمية والعربية. تحجب عن ناظريك الأطفال الذين يموتون هناك جراء عبث وتخاذل أمثالك القادة العظام الخالدين كخلود الفراعنة من فصيلة التماسيح التي لم يعد يؤثر فيها منظر العجائز الفلسطينيات وهن يقفن بعزٍ وكرامة أمام دبابة الإحتلال الإسرائيلي.
ولا يهزك منظر شعب عربي جائع، فقير يعيش بين أكوام الزبالة والبطالة، بين سندان العدو ومطارق السلطة المختلة كإختلالك المعقد المزمن يا سيادة العقيد، فلا ترف له عين أو قرن من قرونه التي نبتت له بعد تهجينه وتدجينه ودخل في نادي القواد الذين سمحوا للزناة لوطيء القدس الشريف، ودار السلام بغداد، وقريباً خرطوم السودان المكابر على رأيك.
تركت كل هذه التوافه أيها العقيد، وجئت لتحذر إيران لتتخلى عن ملفها النووي، داعياً متضرعاً للشيطان أن يلهم الغرب بضرب إيران لتلقى مصير العراق، وعند ذلك يكون «مفيش حد أحسن من حد».
كان أبي يقول لي ان ما يميز الإنسان عن الحيوان هو الموقف والمبدأ أمام سلطان أو قائد ظالم، كنت أسمع منه هذه القصة عن سيدنا النبي إبراهيم عليه السلام: عندما أجمع الكفرة الفجرة، قوم إبراهيم، الذي حطم أصنامهم ودعاهم لعبادة الإله الواحد وترك عبادة الأوثان، أجمع القوم عقابا له على حرقه بالنار. حملت الحرباة قشة ورمتها على النار التي ألقى القوم الظالمون النبي إبراهيم في أتونها. أما الضفدعة فملأت فمها ماءاً ورمته على تلك النار. طبعاً قشة الحرباء لم تزد النار إشتعالاً ولا فم الضفدعة الملآن ماءاً أطفأ النار، لكن يبقى الموقف والإحساس مع المظلوم وعدم تشجيع الظالم على كبريائه وظلمه للبلاد وللعباد حتى لو كان قوياً متسلحاً بالسلاح النووي، لأن صراع العدل والظلم بدأ مع بداية الخليقة وكأنما ذلك هي إرادة إلهية. والذين صنعوا السلاح النووي كانوا في قرارة أنفسهم يمثلون الظلم الذي يواصل حتى الآن وسيستمر صراعه مع العدل، سواء أدلى المعقد القذافي بقوله ذلك أم لا!
Leave a Reply