لعل من أبرز نتائج الأزمة التي واجهها الرئيس الحريري مؤخراً، أنها سمحت له بفرز الحلفاء بين خونة وأوفياء. ولعل الصدمة الاكبر في «بيت الوسط»، حيث مقر الحريري، لم تتأت فقط من احتجازه لدى السعودية، وإنما أيضاً –وربما أولاً– من تعمّد بعض الحلفاء طعنه في الظهر عبر التحريض عليه.
ويتهم مقربون من الحريري صراحةً شخصيات مثل الوزير السابق أشرف ريفي ومنسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» فارس سعيد بتشويه صورة الحريري ومواقفه في الرياض وتصويره بأنه ضعيف وعاجز أمام «حزب الله»، وهناك في «المستقبل» من صنف أصحاب هذا الضخ ضد رئيسهم بأنهم «كتبة تقارير».
وشظايا أزمة الثقة أصابت أيضاً العلاقة بين الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، بعدما ساد في أوساط قيادة «المستقبل» انطباع لامس مستوى القناعة بأن جعجع كان من أبرز المحرضين على الحريري في القصور الملكية السعودية، قبل استقالته، ثم كان من أشد المتحمسين لقبول هذه الاستقالة فوراً، الأمر الذي ترك أصداءً سلبية في أروقة «بيت الوسط».
وسُجلت خلال الأيام الماضية حملات إعلامية وسياسية متبادلة بين مصادر الطرفين، قبل أن يتم ضبطها نسبياً، إفساحاً في المجال أمام معالجات تتم في الكواليس للخلاف المستجد، علماً أنه كان لافتاً للانتباه أن الحريري استقبل شخصيات وتلقى اتصالات من كل الاتجاهات تهنئه بسلامة العودة إلى لبنان، في حين أن الحليف الاستراتيجي المفترض له، أي جعجع، لم يكن قد بادر إلى أي اتصال أو لقاء به منذ عودته.
وتلفت مصادر قيادية في «القوات» الانتباه إلى أن جعجع تعرض مؤخراً لحملة شعواء ومبرمجة من بعض المقربين إلى الحريري، مشيرة إلى أن رئيس «تيار المستقبل» مُطالب بأن يضع حدا لهذه الحملة وإعادة تصويب البوصلة.
وتؤكد المصادر أن اللقاء بين جعجع والحريري يجب أن يكون مسبوقاً بنفي واضح من بيت الوسط لكل «الأقاويل الملفّقة» التي تساق بحق «القوات».
وتشير المصادر إلى أن بحوزة معراب تقارير مفصلة عن الكلام المسيء والتحريضي الذي أطلقته بعض قيادات «المستقبل» ضد «القوات» في المجالس الخاصة، ومساهمة تلك القيادات في تسريب معلومات مغلوطة إلى الاعلام حول دور معراب في أزمة الحريري الأخيرة.
وتعتبر المصادر أن هناك مجموعة في «المستقبل» تحاول الدفع في اتجاه إحراج «القوات» لإخراجها من الحكومة، ولكن جعجع لن يسمح بتغييب «القوات» حتى «لا يسهل للبعض تقديم التنازلات السيادية وابرام الصفقات المريبة».
وتعتبر المصادر المقربة من جعجع أن الرياض ليست بحاجة للاستماع إلى رئيس «القوات»، كي تحدد خياراتها ومواقفها حيال الحريري الذي تعرفه السعودية جيداً وتعرف كل شاردة وواردة تتعلق به، وجعجع أيضاً ليس بحاجة للتحريض على الحريري لأن زياراته إلى المسؤولين السعوديين ومن بينها زيارة 28 أيلول الماضي كانت مخصصة لإجراء جولة افق واسعة حول أوضاع المنطقة ومن ضمنها لبنان، «لا للحرتقة والدخول في الزواريب السياسية».
مرونة الحريري
وفي انتظار تبيان نتائج المسعى الذي يبذل حالياً لترميم الجسور المتصدعة بين «المستقبل» و«القوات»، بدا أن علاقة الحريري مع الرئيس ميشال عون ازدات صلابة وثباتاً بعد المحنة التي مر بها، ما يعكس تقديره للدور الذي أداه عون في التعامل مع استقالته من الرياض، خصوصاً لجهة رفض رئيس الجمهورية قبولها وبذله أقصى الجهود لتأمين عودة رئيس الحكومة إلى لبنان.
وقد دعا الحريري أعضاء كتلة «تيار المستقبل» والمكتب السياسي خلال لقائه به، إلى تفادي التعرض لعون أو لرئيس التيار الحر جبران باسيل في تصاريحهم وإطلالاتهم الإعلامية، منعاً للتشويش على مساعي الحل، وخاطبهم قائلاً: لا نريد أزمات مع أحد في هذه الفترة، ونحن والرئيس ميشال عون واحد..
وحتى «حزب الله» الذي كان يشكل بالنسبة إلى «تيار المستقبل» خصماً حاداً، بات الحريري يتعاطى معه بطريقة أكثر مرونة، منذ عودته إلى بيروت، ربطاً بالمواقف المسؤولة التي أطلقها السيد حسن نصرالله بعد استقالة رئيس الحكومة. وتُرجمت براغماتية الحريري المتقدمة من خلال حرصه على إبداء مقاربات واقعية لدور الحزب وسلاحه «الذي لا يُستخدم في داخل لبنان»، كما صرّح لمجلة «باري ماتش» الفرنسية قبل أيام.
ويتطلع الحريري إلى تعزيز قاعدة «ربط النزاع» التي تجمعه مع الحزب في الحكومة، وذلك من خلال محاولة تكريس معادلة النأي بالنفس رسمياً، لتخفيف الضغط السعودي عليه وتحصين التسوية التي يبدو أن الحريري لا يزال متمسكا بها.
ويريد الحريري الحصول على ضمانات كافية من الحزب في هذا الشأن، لاسيما لجهة الامتناع عن التدخل في اليمن ومراعاة العلاقة مع السعودية وبالتالي وقف الحملات القاسية عليها، مفترضاً أن رئيسي الجمهورية والمجلس يمكنهما أن يؤديا دوراً في إقناع الحزب بالتزام هذا السقف وعدم تجاوزه، خصوصاً أنه منح الرياض تعهدات معينة، في سياق صفقة الإفراج عنه، عليه الإيفاء بها.
تسهيلات «حزب الله»
وفي إطار ملاقاة الحريري، تؤكد مصادر مطلعة أن «حزب الله» اتخذ قراراً باعتماد الإيجابية في التعامل مع رئيس الحكومة، وهذا القرار سيُترجم عملياً إلى تسهيلات له تباعاً في الملفات الداخلية، كالآتي:
– التجاوب مع طرح النأي بالنفس قدر الإمكان.
– الحرص على عدم استفزاز الحريري والضغط عليه في كل ما من شأنه أن يحرجه أو يضعفه في الشارع السني.
– إذا كان تقريب موعد الانتخابات النيابية يفيد الحريري فالحزب لن يمانع وإذا كانت مصلحة الحريري تقضي ببقاء الانتخابات في موعدها في أيار (مايو) المقبل، فلا مشكلة.
– إبداء الاستعدادا للتحالف مع الحريري في الانتخابات النيابية، على القطعة، وتحديداً حيث يمكن أن تكون شروط التحالف متوافرة.
Leave a Reply