حكومة الوحدة الوطنية ممر إجباري الى السراي
بيروت –
كان اللبنانيون منشغلين بالتشكيلة الحكومية التي قدمها الرئيس المكلّف سعد الحريري، والتي لم تلقَ قبولاً عند المعارضة، لأنه فرض عليها الحقائب والأسماء، دون التشاور معها مدّعياً أنه يمارس صلاحياته الدستورية، مما دفعه الى الاعتذار، بعد أن أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أنه لا يوقع على حكومة ليست ميثاقية أو تؤمّن الوحدة الوطنية، وقد تزامن اعتذار الحريري، مع إطلاق صاروخي »غراد« من عيار 155 ملم من سهل »القليلة« قرب صور وعلى مسافة ليست بعيدة عن الحدود مع فلسطين، باتجاه مستوطنة نهاريا، فسقط فيها صاروخ وأحدث أضراراً مادية، فيما سقط الثاني داخل الأراضي اللبنانية، دون وقوع إصابات، وردّ العدو الإسرائيلي بقصف المكان الذي انطلق منه الصاروخان، بحوالي 12 قذيفة، ولم تسجل إصابات في الأرواح بين المواطنين اللبنانيين.
وقد حاول البعض الربط بين اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة، وإطلاق الصاروخين، وتوجّهت الاتهامات الأولى من قبل أطراف في قوى 14 شباط، الى »حزب الله«، الذي وصف هذا العمل بالمشبوه، وموجّه ضد المقاومة، التي لا يمكن أن تقوم بمثل هذه الأعمال، وقد سبق أن انطلقت صواريخ من المكان نفسه، واكتُشِفت، ولم يكن لـ»حزب الله« علاقة بذلك، بل لجماعات إسلامية أصولية فلسطينية، ولبنانية، وقد ألقت الأجهزة الأمنية القبض على عناصر منها، واعترفت بما أقدمت عليه، وقد تبنّت مجموعة تطلق على نفسها »سرايا زياد الجراح« عملية إطلاق الصاروخين، حيث تزامنت مع 11 أيلول وهو اليوم الذي نفذ فيه تنظيم »القاعدة« هجمات بالطائرات على برجين في نيويورك ووزارة الدفاع في واشنطن، وكان الجراح من ضمن الذين قاموا بها.
وقد ربطت مصادر أمنية هذه العملية بذكرى 11 أيلول إلاّ أن تنظيم »فتح الإسلام« ردّ ببيان أعلن مسؤوليته هو عن إطلاق الصواريخ مستهجناً زج تنظيم »القاعدة« نفسه فيها، وكان الكشف عن مَن يقف وراء العملية، بمثابة فك ارتباط بينها وبين تشكيل الحكومة، التي تتعثر لأسباب داخلية وأخرى عربية وإقليمية ودولية، وأن إعادة تكليف الحريري مرة ثانية بتأليفها لن تلغي الأسباب التي كانت وراء عدم صدور مراسيم الحكومة المقترحة، والتي وقفت عند عقدة وزارة الاتصالات، وتوزير جبران باسيل، الى أن أبعادها تتعدّى الشأن الداخلي اللبناني، لترتبط، بالبرودة التي أصابت العلاقات السورية – السعودية، بعد أن كانت تقدّمت خطوات الى الأمام، وساهمت في الوصول الى صيغة لتشكيل الحكومة من 15 للموالاة و10 للمعارضة و5 لرئيس الجمهورية، لكن الولايات المتحدة الأميركية، دخلت على الخط وأوقفت الاندفاعة السورية-السعودية، لأنها بحاجة لتعاون سوريا معها في العراق وملفات أخرى في المنطقة، مما أثّر على تأخير تشكيل الحكومة، التي انتظر الحريري التطورات الخارجية كي يعرف بأي اتجاه سيأخذ الحكومة، وما هي التنازلات التي سيقدمها للمعارضة؟
وارتبط تشكيل الحكومة بالتطورات الخارجية، وقد دخل على خطها أيضاً العدو الإسرائيلي الذي هدّد بأن أي عضو من »حزب الله« سيشارك في الحكومة، ستتحمّل الدولة بكاملها المسؤولية، وسيكون لبنان تحت مرمى النيران الإسرائيلية، وقد ردّ الحريري على تهديدات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بأنه لن يرضخ لتهديداته، وسيكون الحزب ممثلاً في الحكومة شاء العدو أم أبى، وكان موقفه هذا يعبّر عن توجه لديه، وتمسّكه بحكومة وحدة وطنية، وقد لقي ترحيباً وتقديراً، وهو ضمّن لائحة حكومته التي قدّمها، اسمين من »حزب الله« محمد فنيش وحسين الحاج حسن.
لكن الحريري الذي رد على نتنياهو، لم يقدّم التشكيلة التي تعطي الكتل النيابية حقوقها، لا سيما »تكتل التغيير والإصلاح« برئاسة العماد ميشال عون، وهو ما فتح الساحة اللبنانية أمام احتمالات شتى، إذا لم يتجاوب الرئيس المكلّف مع طروحات المعارضة ومطالبها، فمعنى ذلك أننا قد نكون أمام حكومة من لون واحد، ستفجر الوضع سياسياً وأمنياً، أو الاعتذار الثاني، وستدخل البلاد في أزمة حكومية، وفراغ حكومي ، قد يولّد انفجاراً في الشارع، وهو ما بدأ يهدد به نواب »تيار المستقبل« ورئيسهم الحريري، الذي يؤكّد أنه لن يخضع للابتزاز، حيث التخوّف من انتكاسة أمنية كبيرة، قد تتقدم على الحل السياسي، وأكثر الذين يعيشون القلق الأمني ووقوع صراع مذهبي واقتتال سني–شيعي، هو النائب وليد جنبلاط الذي يحذّر من الخطاب المذهبي، ويسعى لعقد مصالحات إسلامية إسلامية، لتجنيب المناطق الإسلامية، أية أحداث أمنية، كتلك التي حصلت في أيار من العام الماضي، لا سيما بعد أن رفضت المعارضة بكل أطيافها تسمية الحريري رئيساً للحكومة، وقد تراجعت »كتلة التحرير والتنمية« برئاسة نبيه بري عن تسميته بعد أن رفع من خطابه التصعيدي وابتعاده عن تشكيل حكومة وحدة وطنية التي قد تهدّد إذا لم تولد السلم الأهلي.
ويذهب تحذير جنبلاط الى احتمال وقوع عدوان إسرائيلي على لبنان، ولم ينفك جيش العدو عن إجراء المناورات العسكرية وتأهيل الجبهة الداخلية، لمواجهة حرب محتملة على لبنان، اذ تحضر »إسرائيل« السيناريو لتبرير عدوانها، وهي أعلنت مؤخراً أنها اعتقلت مواطناً فلسطينياً يدعى راوي سلطاني، ووجّهت إليه تهمة مراقبة رئيس الأركان غابي اشكنازي، وتقديم معلومات لـ»حزب الله« الذي جنده اثناء وجوده في المغرب، وطلب إليه مراقبة اشكنازي الذي يرتاد نادياًُ رياضياً يذهب إليه الشاب سلطاني، وأن »حزب الله« يعمل لاغتيال رئيس الأركان ثأراً لاغتيال الشهيد عماد مغنية، وقد رد أهالي المعتقل على الاتهامات الإسرائيلية بأنها مفبركة.
وفي المقابل فإن إسرائيل قامت بمناورة قرب الحدود مع لبنان، لجمع المعلومات الحربية (شاحف)، وكل ذلك من أجل التحضير لعدوان على لبنان، وهذه المناورة تأتي بعد اكتشاف شبكات التجسس الإسرائيلية قبل أشهر مما عطّل الدور الإسرائيلي في جمع المعلومات عن المقاومة، بعد ان أصيبت المخابرات الإسرائيلية بضربة موجعة.
ففي الفراغ الحكومي، قد تقع الساحة اللبنانية بفراغ أمني هو الذي يسمح بحصول حوادث داخلية أو عدوان إسرائيلي، وهذا ما قد يفرض على القوى السياسية الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية، لمواجهة أية تداعيات امنية داخلية او اعتداء صهيوني، وهو الامتحان الذي على الرئيس المكلف اجتيازه، وعدم الوقوف أمام شكليات، إذا كان فعلياً يريد حكومة وحدة وطنية، كما تقول أوساط المعارضة، فتسقط كل الحواجز والتحفظات، وهو ما يدعو له الرئيس سليمان الذي يطالب الجميع بتقديم تنازلات أمام خطر ما يواجه لبنان، وما قد ينجم عن إبقائه دون حكومة فعلية والاستمرار بحكومة تصريف أعمال، إذ ثمة خوف حقيقي أن تولد الحكومة على نار حامية، وليس على مشاورات طبيعية حيث لا يخفي البعض تكرار أحداث 7 ايار، التي غيرت المعادلة الداخلية، وفرضت شروط المعارضة، بعد تعنت الموالاة ورفضها لحكومة وحدة وطنية فيها ثلث ضامن.
اذا كان الطرفان الموالاة والمعارضة تنازلا عن شروطهما بعد الانتخابات، لجهة الحصول على النصف زائداً واحداً للموالاة او الثلث زائداً واحداً للمعارضة، وتحوّل المقعدين الى رئيس الجمهورية، فإن التنازل يجب أن يستمر في الحقائب والأسماء وهو ما يسعى له الرئيس سليمان ومعه جنبلاط، وقد وافقهما الرئيس بري أيضاً الذي صام عن الكلام طيلة فترة تشكيل الحكومة لأنه يرفض أن يكون التأليف سبباً لتطيير التكليف وقد نصح الحريري أن يبدي مرونة، لكنه لم يفعل، بل صعّد مواقفه، لا سيما بعد اعتذاره، مما دفع رئيس مجلس النواب الى تركه وحيداً دون شبه إجماع وطني حوله، وسيكون له تأثير سلبي عليه.
فالحكومة اذا لم تكن تمثّل مختلف الشرائح السياسية والطائفية لن تولد، وسيكون الحاجز أمامها رئيس الجمهورية، الذي لن يوافق عليها، واعطاه الدستور حق التوقيع أو عدم التوقيع على مراسيم تشكيلها، وكان قبل الطائف يمكنه ان يلجأ هو الى حكومة تكنوقراط أو عسكرية او غير ذلك، وهذا لم يعد متوفراً في الدستور الحالي الذي ألزمه باستشارات نيابية، كما لا يعطي الدستور الحق لرئيس الحكومة المكلّف إصدار تشكيلة من جانب واحد دون التشاور مع رئيس الجمهورية، وألزمه بذلك.
من هنا فان حكومة الوحدة الوطنية هي ممر إجباري لسعد الحريري ليعبر الى السراي، وإذا تخلف عن ذلك، فإن لبنان يكون أمام ممر فتنة داخلية، حيث مشهد السبعينات يتكرر عندما كانت الحكومات يتعثر تشكيلها عند موضوع المشاركة، والبيان الوزاري والحقائب، وهو ما ولّد احتقانات سياسية انفجرت حرباً أهلية.
Leave a Reply