بين ساحل العاج ورومية: المغتربون والسجناء يحلمون بالدولة!
بيروت –
تخضع كل الملفات في لبنان للتسييس، وحتى وان كانت تُعنى بحياة عشرات الاف المغتربين المحاصرين في ساحل العاج نتيجة الاحداث الامنية الدائرة في ذلك البلد.
وهكذا بدلا من البحث عن حلول عملية للمساعدة، انشغلت الاطراف السياسية في تحميل بعضها البعض مسؤولية التقصير. وتراجعت جميع هموم الدولة امام الأزمة الانسانية في ابيدجان، فنسي اللبنانيون أنهم يعيشون بلا حكومة تستطيع اتخاذ قرارات منذ اسابيع، وذهبت مطالبت فئة كبيرة من الشعب بإسقاط النظام الطائفي أدراج رياح الانقسامات بين المنظمين أنفسهم الذين لم ينجحوا في الاتفاق على مشروع بديل حقيقي. أما مطالب السجناء المحقّة في سجن رومية، ومعهم ضمنا كل سجون لبنان، فقد تحولت ايضا الى مادة دسمة للسجال السياسي وتسجيل النقاط الطائفية والمذهبية، وسط صرخات عوائل السجناء التي لم تلقّ آذاناً صاغية من أحد في النظام اللبناني.
وحده الثابت في المشهد اللبناني مسلسل “ويكيليكس” الذي يكشف يوما بعد يوم حجم “النفاق” والتكاذب، حتى بين رفاق الصف الواحد، ويقدم دليلا جديدا على عدم اهلية الشخصيات المتمسكة بمقدرات الوطن للحكم.
مأساة ساحل العاج
بدا واضحا تقصير الدولة في معالجة قضية احتجاز الاف اللبنانيين مع ممتلكاتهم في ساحل العاج التي تشهد مواجهات عسكرية وامنية. ولم تفلح محاولة الاستغاثة بالأم الحنون (فرنسا) في تسهيل الامور كثيرا، إذ علمت “صدى الوطن” من لبنانيين موجودين في مطار العاصمة في ساحل العاج أن السلطات الفرنسية مشغولة عمليا بتسهيل امور رعاياها ومصالحها، وبالتالي فهم ينتظرون “معجزة” على طريق حل الصراع السياسي في البلاد وهدوء الأوضاع، والا فإن الخسائر التي طالت حتى الآن ملايين الدولارات ووصلت حد التعرض للأرواح، بإصابة اكثر من مغترب لبناني بجروح، ستتضاعف بشكل كارثي.
وقد سُجّل حتى مساء الخميس، وفاة اللبناني رائف برجي، 50 عاما، من بلدة الرمادية في صور، في ظروف ملتبسة، بين قائل بأنه قُتل من قبل عصابات حاصرت منزله او موته بأزمة قلبية، فضلا عن اصابة عدد غير محدد من اللبنانيين بجروح في اماكن عديدة، كما سرت أنباء غير مؤكدة عن فقدان العديد من المغتربين في اماكن نائية في الدول الافريقية.
وفي حين بدأت شركة طيران الشرق الأوسط بنقل عشرات اللبنانيين، فإن الجهود ظلت دون المستوى المطلوب رسميا. وبدلا من محاولته التوسط لدى اصدقائه الدوليين لمساعدة المغتربين، انشغل رئيس حكومة تصريف الأعمال بتحميل “الطرف الاخر” مسؤولية “السياسة الخرقاء الذي اعتمدت منذ البداية في ساحل العاج”، ما استدعى ردا من جانب حزب الله في بيان اعتبر فيه أن ادعاء الحريري “هو محاولة بائسة للتنصل من المسؤوليات الملقاة على عاتقه بوصفه رئيساً لحكومة تصريف الأعمال، وهو الذي أدار ظهره بالكامل لهذه القضية الوطنية وتخلى عن أبسط دور مناط به، فأين كان رئيس هذه الحكومة طيلة الأزمة وماذا فعل لمعالجتها، ولماذا أعطى أذناً صماء لمناشدات الجالية ومطالبها فلم يتصرف كمسؤول معني بهذه الجالية. وأما تحركه الخجول الأخير فجاء لرفع العتب بعد تفاقم الأمور واتساع نطاق التحركات السياسية والشعبية في الأيام الأخيرة”.
الحكومة في غياهب النسيان
على صعيد اخر، اكمل الحريري هجومه المستجد على المقاومة، بالتلميح مجددا الى موضوع احداث البحرين، فشدد ، خلال كلمة امام “الملتقى السعودي اللبناني”، على أنه “لا يحق لأي كان تصدير الفوضى الى الاراضي اللبنانية والدول العربية”، مشيراً الى “اننا نشهد مظاهر الاستثمار في الغرائز التي تريد ان تتخذ من لبنان او البحرين ساحة لها”.
وتابع الحريري أن “لبنان والعديد من الدول العربية في الخليج وغيرها تعاني سياسيا وامنيا من التدخل الايراني السافر في الداخل العربي”، معتبراً أن “اكبر التحديات في العالم العربي يتمثل في الخروقات الايرانية للنسيج العربي الا ان الدول العربية لم تقارب هذا الامر من زاوية العداء لايران، بل عملت على مدى سنوات لاستيعاب التدخل الايراني في الساحات العربية بالكثير من الحكمة على اعتبار ان ايران دولة صديقة الا انه و مع الأسف فالقيادة الايرانية ترجمت هذا الاداء العربي المسؤول والدعوات للانفتاح بأنه من علامات الضعف وقررت الذهاب في ابعد مدى بخرق المجتمعات العربية فكان ما كان في لبنان والبحرين وغيرها”.
واكدّ الحريري على “اننا لن نرضى ان نكون في لبنان أو في البحرين محمية ايرانية”، مشيراً الى أن “العلاقات بين لبنان والسعودية هي على اساس مصير واحد ولن نترك لغيرنا ان يقرره نيابة عنا”.
ولم يمر تصريح الحريري هذا أيضا من دون رد، فأصدر حزب الله بيانا ثانيا في اقل من ساعة على اصداره رده حول ساحل العاج، فاعتبر أن “المواقف التحريضية لرئيس حزب المستقبل سعد الحريري ضد الجمهورية الإسلامية في إيران هي ترجمة أمينة لما سمعناه من مواقف أخيرة لوزير الحرب الأميركي روبرت غيتس من الرياض حول الدور الإيراني في المنطقة، وهي تأتي في سياق محاولة مكشوفة للتعمية على التدخلات الأميركية في شؤون المنطقة ومصادرة إرادة شعوبها التواقة للحرية وللتخلص من الهيمنة الأميركية ولحرف الأنظار عن تمادي العدو في ممارساته ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية وسعيه الدؤوب لتهويد القدس”.
الرد والرد على الرد استدرجا جملة مواقف لطرفي الخلاف، من دون أن يقدم او يؤخر في المشهد السياسي سوى دخول مسار تشكيل الحكومة طي النسيان! بعد أن ملّ الشعب اللبناني متابعة بورصة التشكيل، بسبب الخلافات بين الحلفاء، فيما اكتفى فريق الرابع عشر من آذار بإصدار التصريحات، عبر سياسيه، “الشامتة” بتأخر الفريق الاخر.
أضف الى ذلك، فإن موقف رئيس الحكومة المكلف بقي على حاله لجهة أنه لن يكبّل نفسه بأيّ فترة سماح ولا بمواعيد، “فالدستور أتاح لي أخذ الوقت الكافي في التأليف، وأنا لن أشكّل إلّا حكومة يرضى بها جميع اللبنانيين، وتحترم الدستور واتفاق الطائف”.
حالة الستاتيكو هذه أجبرت “حزب الله” على تفعيل جهوده لتذليل العقبات، فعاد المعاون السياسي للأمين العام حسين الخليل الى الحراك على خط الرابية. ولم تتضح نتائج هذا الحراك، غير أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أعرب عن تفاؤله، مشيراً إلى ان هناك بداية حلحلة وذلك بناء لمعطيات واتصالات لايجاد مخارج.
وأعلن بري أن الذي يحصل على صعيد تشكيل الحكومة “هو أكثر من مؤسف، بل مؤلم فقد جرى التعاطي مع الملف كأن هناك جبهات 8 آذار، لافتاً الى أنه لم يعد هناك 8 آذار بل أصبح هناك جبهة وطنية”.
رومية الى الواجهة
وسط ضباب المشهد السياسي، اكمل الملف الأمني في تصدر العناوين الرئيسية للشؤون الداخلية. وفي هذا السياق، دعت الولايات المتحدة رعاياها الى تحاشي السفر الى لبنان، مكررة تحذيرا الى المسافرين كان قد صدر في الخريف الماضي.
الى ذلك، انشغل اللبنانيون بمتابعة حدث لافت في سجن رومية هذه المرة، حيث تصاعدت احتجاجات عدد من السجناء على ظروفهم الحياتية. ولم تلبث ان دخلت المعالجة الرسمية للموضوع في اتون الخلاف السياسي – المذهبي الضيّق.
المديرية العامة لقوى الامن الداخلي أعلنت في بيان لها أنه “اثر التمرد الذي حصل مؤخرا في السجن المركزي في رومية وبعد عودة الهدوء اليه، كثرت الشائعات حول عدد الضحايا الذين سقطوا داخل السجن”، مؤكدة “ان هذه الاحداث ادت الى وقوع 14 اصابة طفيفة في صفوف النزلاء و5 اصابات بين رجال قوى الامن، وسقوط ضحية واحدة ويدعى روي عازار الذي انفجرت به قنبلة صوتية حاول قذفها على القوى الامنية، فيما توفي السجين جميل ابو عني جراء ازمة قلبية حادة حسب تقرير الطبيب الشرعي، ألمت به بعد انتهاء عملية الدهم”.
“ويكيليكس” لا تستثني أحدا
تابعت “ويكليكس” نشر وثائقها من دهاليز السياسة اللبنانية. وفي جديدها، وثيقة صادرة عن السفارة الاميركية في بيروت بتاريخ 9 ايار 2008 تشير الى ان رئيس الهيئة التنفذية في القوات اللبنانية سمير جعجع شدد خلال زيارة مفاجئة للسفارة الاميركية على ضرورة دعم رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة وقائد الجيش اللبناني في ذلك الوقت العماد ميشال سليمان وحكومة السنيورة.
ولفتت البرقية الى ان جعجع طلب من القائمة باعمال السفارة ان يضغطوا على الجيش اللبناني لتأدية دوره لانه لم يكن واثقا من نجاح الجيش في مهماته، واشار الى انه اذا فشل الجيش في حماية المناطق المسيحية فانه يريد ان التأكد من ان واشنطن على علم بوجود 7000 الى 10000 مقاتل متدرب من القوات اللبنانية وجاهزين للتحرك، “يمكننا القتال ضد حزب الله” أعلن جعجع ذلك بكل ثقة بحسب الوثيقة مضيفا “لكننا بحاجة الى دعمكم للحصول على اسلحة لهؤلاء المقاتلين، اذا بقي المطار مغلقا يمكن تسهيل عمليات الامداد البرمائية”.
وفي وثيقة اخرى، موقعة بتاريخ 25 كانون الثاني 2007، يقول فيها السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة للسفير الأميركي لجيفري فيلتمان ان “استراتيجية السعودية المتبعة لايجاد تسوية في لبنان لا تجدي نفعا، فقد راهنت السعودية على استغلال نقطة اختلاف اساسية بين ايران وسوريا. ففيما تفضل سوريا اثارة الفوضى في لبنان مع حكومة السنيورة التي ستصدق على المحكمة الخاصة بلبنان، فان ايران هي الشريك الاقوى وتؤثر تأثيرا اكبر على “حزب الله” وليس لايران مصلحة في صراع سني-شيعي”. ولذلك، يتابع خوجة “امل السعوديون استغلال ايران كعامل معتدل التأثير على سوريا”. لكن، وفقا للسفير السعودي، قرر الايرانيون الامتثال للسوريين فيما خص السياسة المتبعة في لبنان.
وقال خوجة انه قطع كل سبل الحوار مع “حزب الله” بموافقة من حكومته.
واختتم قائلا “نمر في وقت عصيب جدا، فسوريا اتخذت قرار تدمير لبنان من خلال تأليب مجموعات عديدة بعضها على بعض حتى يطلب اللبنانيون رجوع السوريين لوقف سفك الدماء، وقد فاز كل من السنيورة و14 آذار بمعارك عديدة حتى الآن”، لكنه تساءل عما ان كان لدى الحكومة اللبنانية وقوى 14 آذار القدرة على مواصلة الكفاح لوقت طويل. وهمس خوجة للسفير الاميركي قائلا “علينا مساعدة سعد (الحريري) ووليد (جنبلاط) وحتى (سمير) جعجع” بالمال والسلاح.
إشارة الى ان وثائق “ويكليكس” نقلت أيضا مواقف لنواب في حركة أمل تحمل تذمرا من “حزب الله”، ولمسؤولين سابقين في الحركة، ما استدعى اصدار بيان توضيحي من الحركة اعتبر فيه أنه “من نافل القول ان تكون الحركة ورئيسها على وجه الخصوص مستهدفين من كل المتضررين من سياسة الوفاق والحوار التي تتبعها”، لافتة الى انه “في المرحلة الاخيرة ارتفعت وتيرة استهداف الحركة ورئيسها من خلال حملة سياسية اعلامية منسقة في وسائل الاعلام التقت على هدف واحد هو محاولة شطب حركة “أمل” والبيئة المقاومة وخطها وقد استخدمت الحملة المذكورة جملة عملاء مسعورين من اجل تشويه سمعة الحركة وامتداداتها السياسية وتحالفاتها وشعاراتها”.
واشارت الى ان هذه الحملة اعتمدت فيما اعتمدت عليه برقيات وتقارير امنية وكلام مشافهة وهمس وتلميح وقراءة افكار ونوايا وجعلت من تحليل كلام احد السفراء الاجانب شاهد عدل في اعلامها الذي يعتمد ايضا مطرودين من حركة “أمل” لاستهدافها .
وشددت على ان “كل هذه الادوات وما صدر في احدى الصحف جزء من مطبخ سياسي تآمري مكشوف لمخطط افشل سابقا وسيفشل حتما في تحقيق اهدافه اليوم”. واعتبرت ان “هذه الحملة التي نأت عن استهداف “حزب الله” مباشرة باستثناء مسالة السلاح فانها جعلت هجومها الرئيسي على حركة “أمل” ورئيسها في تكتيك يهدف الى التعمية معتقدين ان الحزب سوف لا ينتبه الى انه اكل حيث اكلت الحركة”.
Leave a Reply