قرر صرف آلاف المتفرغين بعد الانتخابات لا سيما موظفي “شركة الأمن”
جنبلاط نصحه بخطاب عروبي والسعودية حذرته من المتطرفين
بدأ رئيس “تيار المستقبل” النائب سعد الحريري، يعترف في مجالسه الخاصة، على ان احد الأخطار التي تهدد لبنان، هي الأصولية الإسلامية، الممثلة بـ”فتح الإسلام” خصوصاً وتنظيم “القاعدة” عموماً، وقد بدأ القلق ينتابه من تنامي هذا الخطر، لا سيما بعد ان كشفت التقارير الأمنية والتحقيقات القضائية عن وجود خلايا نائمة من الحركات والتنظيمات الإسلامية المتطرفة، وقامت بعضها بعمليات ضد قوات الطوارئ الدولية في الجنوب، إضافة الى استهدافها للجيش اللبناني، والمعارك التي دارت في مخيم نهار البارد، وتكبّد فيها الجيش 171 شهيداً ومئات الجرحى والمعاقين وخسائر مادية جسيمة، نتجت عن تدمير المخيم الذي تحصّن فيه تنظيم “فتح الإسلام”.
وأكثر ما يقلق الحريري، هو ان هذه الأصولية تنمو في ظل خطاب مذهبي، كما ان تنظيمات منها، تتلطى وراء “تيار المستقبل” وتستفيد من الرواتب لمتفرغين لديه، كما أنها اخترقت جناحه العسكري، حيث ظهرت عناصر أصولية أثناء أحداث عائشة بكار في حزيران الماضي.
وما زاد من توجس الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، المعلومات التي وردت الى مديرية مخابرات الجيش عن ان محاولة تفجير سيقوم بها تنظيم أصولي في مسجد محمد الأمين في وسط بيروت الذي سيصلي فيه مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني صلاة عيد الفطر مع رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة، مما اضطر قيادة الجيش الى اتخاذ تدابير أمنية احترازية، وتشديد الإجراءات داخل وخارج المسجد لمنع حصول التفجير الذي لو حصل لكان أشعل فتنة مذهبية وادخل لبنان في حرب أهلية مدمرة، إذ ان الأرض اللبنانية جاهزة ومهيأة ومعبأة لاقتتال سني – شيعي ولدخول “العرقنة” اليها، وبدأت تعمل لها المؤامرة الاميركية الإسرائيلية ضد لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والقصد منه استهداف سلاح المقاومة، وإغراقه في وحول الداخل، وتحويل “حزب الله” الى ميليشيا، وإسقاط الشرعية الشعبية والسياسية والرسمية عن السلاح الذي لم يتوجه الا نحو العدو الاسرائيلي، وقد حاولت قوى الأكثرية نصب فخ له لجره الى احتراب داخلي في القرار الذي أصدرته حكومة السنيورة الأولى، بنزع شبكة اتصالات المقاومة، التي اضطرت الى الدفاع عن نفسها وحماية سلاحها، فقامت حملة ضدها أنها اجتاحت بيروت وحاولت الصعود الى الجبل، واستخدمت قواتها وسلاحها في الداخل، وان دخولها الى العاصمة هو للسيطرة عليها و”إذلال السنة”، كما ورد في بيانات ومواقف لـ”تيار المستقبل”، والمفتي قباني ومشايخ من الطائفة السنية وشخصياتها.
في ظل هذه الأجواء التي شحنت فيها البلاد، كان “تيار المستقبل” يعمل على إنشاء مجموعات مسلحة له، تحت أسماء شركات أمنية، واستدعى ضباطاً متقاعدين من الجيش وقوى الأمن الداخلي لتنظيم هذه الشركات واستقبال المنضوين اليها لتدريبهم وتسليحهم، وجيء بالمئات منهم من مناطق في الشمال كعكار والضنية والمنية وطرابلس إضافة الى البقاعين الغربي والاوسط وشبعا وكفر شوبا وإقليم الخروب، أي من مناطق الأطراف ذات الكثافة السنية، ولكن هؤلاء لم يصمدوا في أثناء أحداث أيار من العام 2008، واستسلموا أمام قوى المعارضة، وهذا ما اعترف به النائب وليد جنبلاط في أكثر من حديث له، بان أكثر من ثلاثة ألف عنصر كانوا موظفين في شركات أمنية، انهاروا في الساعات الأولى لتحرك المعارضة في بيروت، وسلموا أسلحتهم ومكاتبهم، كما فعل هو، وبادر الى الاتصال بالحريري والطلب منه ان يتوقف عن إنشاء ميليشيا لتياره، لان لا فائدة منها، ويمكن معالجة موضوع سلاح المقاومة بالحوار، وان لا يكون سبباً لحرب أهلية جديدة ستكون مدمرة للجميع وعلى الجميع.
كان الخطاب الهادئ لجنبلاط مؤشراً الى نزع فتيل الانفجار وانفتاحه على الحوار مع أطراف المعارضة، وتجنيب الجبل هزة أمنية، وإجراء مصالحة مع “حزب الله” والطائفة الشيعية، وقد أعطاه موقعه هذا مناسبة للطلب من الحريري ان ينفتح هو أيضا على “حزب الله” ويلتقي أمينه العام السيد حسن نصرالله، والتشجيع على اللقاءات في أحياء بيروت والمناطق بين “تيار المستقبل” وكل من حركة “أمل” و”حزب الله” لتخفيف التشنج السياسي والحد من الاحتقان المذهبي، الذي يحذر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي من خطورته، ومن ان اندلاع شرارة فتنة الصراع السني-الشيعي، ستقضي على السلم الأهلي في لبنان، وعلى وحدته، لذلك استعجل المصالحة مع الشيعة واخرج الدروز من الصراع مع أطرافها الأساسيين، واقترب من موقف المعارضة الدرزية التي وقفت الى جانب المقاومة في تصديها لإسرائيل وهو الموقف الذي سبب التباعد داخل الطائفة الدرزية التي انقسمت سياسياً بين مؤيد للمقاومة والعلاقة مع سوريا كعمق قومي للوطنيين اللبنانيين وحاضن للدروز في كل الأزمات والاضطهادات التي تعرضوا لها، إذ رأى جنبلاط نفسه في موقع واحد مع المعارضة عموما والدرزية خصوصا ومنها رئيس “تيار التوحيد” وئام وهاب الذي كان دائما يتوجه إليه، ان يعود الى جذوره الوطنية والقومية، والى مواقع الدروز التاريخية، التي كانوا فيها حماة للثغور وفي مواجهة حملات الإفرنج على المشرق العربي، ومدافعين عن العروبة والإسلام بوجه الاستعمار ورافضين للاحتلال الاسرائيلي ومقاومين له.
وترك التحول في موقف جنبلاط، وعودته الى مرحلة ما قبل العام 2005، حيث اسقط رهانه على المشروع الأميركي، أثرا كبيراً لدى الأكثرية، لا سيما “تيار المستقبل” الذي دعاه رئيس “اللقاء الديمقراطي” الى الاقتراب من العروبة وترك شعار “لبنان أولا”، لأنه انعزال عن القضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين، وان التمسك بالعروبة والوحدة العربية، هو السبيل للخروج من التقوقع والانعزال والتمذهب، حيث نصح رئيس “تيار المستقبل” ان يتبنى خطاباً وطنياً عروبياً، لان البديل عنه، هو صعود الإسلام المتطرف، ودعاه الى الإكثار من اللقاءات مع قيادة “حزب الله” والإشادة بالمقاومة، وعدم طرح موضوع سلاحها، لان هناك تيار انعزالي عاد ليقوى تمثله “القوات اللبنانية” يريد ان يأخذ لبنان الى خيارات كان الفريق الانعزالي يعمل لها في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وهي “قوة لبنان في ضعفه”، وتحييده عن الصراع العربي–الاسرائيلي، وإقامة صلح مع العدو الاسرائيلي، وهذه الشعارات سببت انقساماً داخلياً وأدت الى اشتعال الحرب الأهلية، وان تركيز القوات ومعها الكتائب وفريق من مسيحي 14 آذار على سلاح المقاومة بانه خارج الشرعية والدولة، كلها مقدمات لحرب داخلية، لا يمكن للبنان ان يتجه نحوها، حيث أكد جنبلاط للحريري، على ضرورة ان يقيم مسافة مع هذه الأفكار الانعزالية، وان لا يأخذه جعجع الى مكان لا يستطيع ان يكون لا هو فيه ولا تياره السياسي ولا جمهوره.
هذه النصائح الجنبلاطية، بدأت تفعل فعلها، ولا سيما وإن في بعض منها، تحذير من تنامي أصولية سنية، وإنها سترتد أولا على آل الحريري، حيث كشفت التقارير التي صدرت عن لجنة التحقيق الدولية، ان السيارة التي انفجرت في موكب الرئيس رفيق الحريري كان يقودها إسلامي أصولي، وان الاحتمالات كبيرة ان يكون تنظيم “القاعدة” أو أي طرف أصولي إسلامي وراء جريمة الاغتيال، وان لا مصلحة لـ”تيار المستقبل” المعروف باعتداله، ان تنمو بكنفه تيارات أصولية، كما يحصل في أكثر من منطقة سنية، مستغلين الخلاف السياسي مع المعارضة ومن ضمنها “حزب الله” وحركة “أمل” أو الاستفادة من الاشتباكات التي تحصل بين منطقة باب التبانة ذات الطابع السني ومنطقة جبل محسن ذات الحضور العلوي الكثيف.
وقد كان الحادث الذي جرى أمام “بيت الوسط” الذي يتخذه الحريري منزلاً له، عندما قام شخص بمحاولة إحراق نفسه، حيث سرت معلومات عن انه كان ينوي الوصول الى داخل المنزل لمقابلة الحريري لتفجير نفسه، وتم طمس هذه الحادثة وعدم التداول فيها، لكن جرى التوقف عندها، وربطها بما حصل مع الأمير محمد بن نايف نجل وزير الداخلية السعودي، عندما دخل إليه شاب قيل انه أراد تقديم نفسه على انه لم يعد من الفئة الضالة، أي من المتطرفين الإسلاميين، وفجّر نفسه أمامه وقتل، ونجا الأمير بأعجوبة.
فحادثة الوسط فتحت العين على التنظيمات الأصولية وجاءت توجيهات من السعودية الى الحريري ان يخفف من التضخم الذي أصاب تياره السياسي، لجهة تفرغ آلاف من المواطنين فيه، وان هؤلاء سيشكلون عبئا عليه ماليا وسياسيا، ولا بد من إعادة البحث في كل المتفرغين الذين اضطر لهم “تيار المستقبل” قبل الانتخابات، للاقتراع له وللوائح الموالاة، ولم يعد بحاجة إليهم، فاتخذ قراراً بصرف حوالي عشرة آلاف منهم، وتخفيض رواتب الالآف أيضا لاسيما الذي يقبضون وهم في منازلهم، وترك هذا القرار انعكاساً سلبياً على “تيار المستقبل” وجمهوره في كثير من المناطق، وبدأ التململ داخل صفوفه والاعتراض على سلوكه السياسي ووعوده الانتخابية.
وهذا الصرف الكبير لمتفرغين في شركة الامن المسماة “السيكور بلاس”، أو غيرها من المؤسسات الحريرية يحاول البعض ان يربطها بالأزمة المالية العالمية، وخسائر تعرض لها آل الحريري من جرائها لا سيما سعد الذي يتولى الشأن السياسي، كما ان البعض رأى في عملية الصرف الجماعي، قلق من اختراقات أمنية وأخرى أصولية لتيار جماهيري، مما دفع بالحريري، الى إعادة البحث في الهيكلية التنظيمية، بعد ان تضخم العدد كثيراً بسبب المال والتوظيف السياسي والخدمات، وإذا ما توقفت هذه المكاسب على من يحصل عليها، فإلى أين سيتجه الى صفوف المعارضة، أم الى تنظيمات أصولية، أو يعود الى منزله؟
Leave a Reply