عماد مرمل – «صدى الوطن»
ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة متعثرة، العهد يخسر من رصيده يوماً تلو الآخر من دون إنتاجية، الوضع الاقتصادي يترنح، مشاريع «مؤتمر سيدر» مهددة، الأزمات الاجتماعية والخدماتية تتفاقم، والسبب وراء كل ذلك هو الخلاف على مقعد وزاري واحد في حكومة من ثلاثين وزيراً!
وزير واحد يكاد يختصر جمهورية وشعباً. والمفارقة أن رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري لا يزالان يرفضان تمثيل النواب السنة المستقلين من ضمن حصتيهما، على رغم أنهما الأكثر تضرراً من التأخير المستمر في تشكيل الحكومة.
وتُبين مواقف الجهات المعنية أن كلاً منها يرمي كرة المعالجة في ملعب الآخر. عون يعتبر أنه غير معني بـ«العقدة السنية» مفترضاً أن حلّها لا يجب أن يكون على حسابه بل هو من شأن الحريري بالدرجة الأولى، أما الحريري فيعترض بشدة على منح مقعد وزاري لهؤلاء النواب متهماً «حزب الله» بأنه هو الذي افتعل العقدة وبالتالي عليه أن يعالجها بالتراجع عن مطلب تمثيل اللقاء التشاوري للنواب الستة. والرئيس نبيه بري من جهته يعتقد أن الحل هو عند رئيس الجمهورية لأنه الاقدر على التنازل بينما يبدو ذلك صعباً على رئيس الحكومة وللقاء التشاوري بعدما رفعا سقف موقفيهما إلى الحد الاقصى، فيما يحمّل «حزب الله» مسؤولية الأزمة للرئيس المكلف بسبب محاولته التهرب من تسديد فاتورة الانتخابات النيابية وعدم إقراره بحق النواب السنة في أن يتمثلوا بوزير في حكومة الوحدة الوطنية التي يفترض أن تضم الجميع.
البحث عن كوّة
وسط هذا التجاذب، يسعى رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل إلى إيجاد كوّة في جدار الأزمة، عبر دبلوماسية الأبواب المفتوحة التي قادته إلى الاجتماع مع جميع القوى المعنية بالعقدة السنية بحثاً عن تسوية ما، على قاعدة عدم الفرض أو الرفض. لكن اللافت أن باسيل الذي يحمل من خلال مسعاه مجموعة أفكار للحلّ، تجنب أن يُدرج في أي منها احتمال تنازل الرئيس عون عن مقعد وزاري من «كيسه»، مراهناً على أن ينجح في إقناع الآخرين في أن يسددوا كلفة المعالجة من جيبهم السياسي، وهو الأمر الذي لا يبدو وارداً حتى الآن في حسابات الحريري وبري و«حزب الله» واللقاء التشاوري.
وإضافة إلى عناد أو مكابرة بعض المعنيين بفك العقدة السنية ربطاً بمصالح شخصية، بات واضحاً أن طبيعة النظام تقود أيضاً إلى إطالة أمد الأزمات أو حتى التسبب بها، وقد ثبت بالتجربة العملية أن دستور الطائف أعجز من أن يفرز ديناميات وآليات قادرة على انتاج الحلول المناسبة وإيقاف الدوران في الحلقة المفرغة كلما برزت مشكلة على مستوى إدارة السلطة السياسية.
وبهذا المعنى، فإن الرئيس المكلف سعد الحريري يستطيع أن يبقى مدة طويلة في موقع الانتظار، من دون أن يجد نفسه مضطراً إلى الاعتذار أو تشكيل حكومة الممكن، ذلك أنه لا توجد في الدستور أية مهلة ملزمة لإتمام التأليف، بل أن المهمة متروكة على غاربها وعلى همّة من يتولاها، وليس هناك ما يربطها بأي سقف زمني، الأمر الذي يسمح للرئيس المكلف بأن يستغرق وقتاً طويلاً في الأخذ والرد، وقد حصل في السابق أن احتاج الرئيس تمام سلام، على سبيل المثال، إلى قرابة سنة حتى ينتهي من نسج خيوط حكومته.
أزمة دستور
وبينما تشتد الحاجة إلى إدخال تعديلات على الدستور لمعالجة مكامن الخلل في النظام، تقف الهواجس الداخلية والتوازنات الطائفية المرهفة عائقاً أمام مثل هذه الورشة الإصلاحية التي يجد فيها البعض تهديداً لمكاسب أو ادوار حصل عليها بموجب اتفاق الطائف.
وانطلاقاً من هذا الواقع، يؤكد المقربون من الحريري أنه ليس في وارد الاعتذار من جهة وليس في وارد تشكيل حكومة وفق شروط «حزب الله» من جهة أخرى، مهما طال الوقت واشتد الضغط. ويستند الرئيس المكلف في هذا الموقف إلى غياب أي نص إلزامي يفرض عليه رفع تشكيلته الحكومية إلى عون ضمن مهلة محددة، علما أن هناك من يعتبر أن واجب الحريري يقتضي أن يقر مع رئيس الجمهورية تركيبة وزارية معينة، ثم يذهب بها إلى مجلس النواب، فإما أن تنال الثقة وتباشر عملها وإما أن تُحجب عنها الثقة، فيُعيد رئيس الجمهورية إجراء مشاورات نيابية لتسمية رئيس مكلف جديد.
لكن اعتماد هذا السيناريو «الديمقراطي» غير سهل في دولة شديدة الحساسية كلبنان، تُتخذ فيها القرارات والخيارات الاساسية بالتوافق بين مكوناتها، بعيداً عن محاولات فرض الأمر الواقع.
وعلى هذه القاعدة، اضطر الحريري إلى أن يخوض مفاوضات صعبة لأشهر خمسة مع «القوات اللبنانية» حول حجمها الوزاري لأنه يعرف أن تغييب «القوات» عن حكومة وحدة وطنية سيترك انعكاسات سلبية، وهو الآن يعرف أيضاً أنه لا يمكن إقصاء «حزب الله» عن الحكومة لأنه مكوّن أساسي لا يستطيع تجاهله بمعزل عن الخلاف الكبير معه، وبالتالي عليه أن ينتظر إرسال الحزب أسماء وزرائه حتى تكتمل قطع «البازل»، فيما الأسماء بدورها تنتظر الاستجابة لمطلب اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين.
Leave a Reply